لم يعد موضوع الاختلال الإثنو - طائفي غائبا عن النظام السياسي البحريني، فقد أصبح من الموضوعات البارزة للرأي العام المحلي. وإذا كنا تحدثنا قبل فترة عن مقترح بإنشاء تنظيم سياسي يهدف إلى معالجة الاختلال الإثنو - طائفي، فإنه يبدو أن الوسائل الأبسط التي تسبق فكرة إنشاء تنظيم سياسي لمعالجة هذا الاختلال غير ناجعة البتة.
فخلال الأسبوعين الماضيين بدأت إحدى النخب حملة لجمع التواقيع على عريضة سترفع إلى جلالة الملك يطالب فيها الموقعون بزيادة رواتب موظفي القطاع العام إلى النصف، وبدأت هذه الحملة في مدينة الحد. إلا أن القائمين عليها وكذلك عددا من النخب استغربت، عندما اكتشفت حجم الفتور العام إزاء عريضة تحمل مطالب تمس الحياة اليومية للمواطن البحريني، فعدد التواقيع لم يتجاوز طموحات المشرفين على مشروع العريضة على رغم إصرارهم على إنجاز هذا المشروع المهم الذي دشنوه.
هذه الواقعة مثال بسيط على حجم الاختلال الإثنو - طائفي الذي يعاني منه النظام السياسي البحريني منذ الشروع في تنفيذ المشروع الإصلاحي. كما أنه يكشف ضعف الدافعية السياسية للطائفة السنية في البلاد، وهو أمر له تداعياته السلبية على إصلاح العمل السياسي. فإذا كان المحللون السياسيون يرون في العراق مخاطر إثنو - طائفية تتمثل في تهميش السنة نتيجة عملية التحول الديمقراطي الذي يشهده النظام السياسي العراقي، فإنه من الأهمية بمكان بحث هذه الظاهرة في البحرين، فتهميش السنة أو الشيعة أو أية فئة مجتمعية ليس من مصلحة النظام، أو حتى مستقبل الديمقراطية في البلاد.
والنظام السياسي البحريني بإشكالاته وتعقيداته المختلفة يجب أن يكون قادرا على استيعاب جميع القوى من خلال الفرص التي يتيحها، وعلى هذه القوى في الوقت نفسه أن تواجه التحديات التي يواجهها النظام باعتبارها إحدى الفاعلين السياسيين فيه.
وعلى ذلك، فإن مسألة تراجع الدافعية السياسية للسنة ليست جديدة، وهي كما أشرنا سابقا تعود إلى التحالف السني النخبوي في النظام الذي يعود إلى نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر. وحتى تتم معالجة الاختلال الإثنو - طائفي فلابد من دعم بروز قوى سياسية جديدة قادرة على إحداث هذا التوازن الذي يتطلب التوعية وتطوير الثقافة السياسية السائدة قبل الحث على القيام بسلوك سياسي ما.
كما أن هناك دورا ضروريا للغاية يجب أن يظهر لدى الطائفة السنية، وهو تفعيل دور المؤسسة الدينية السنية في تطوير الخطاب الديني الذي مازال مقتصرا على الأمور الدينية الصرفة بشكل مفرط، من دون أن يطرق قضايا حساسة ومجتمعية أخرى مازالت بحاجة إلى التوعية والاستنارة الجادة في المجتمع، وخصوصا أن المؤسسة الدينية تعد إحدى أبرز مصادر الثقافة السياسية البحرينية نتيجة التكوين الإثنو - طائفي للمجتمع.
في النهاية، فإن مسئولية حفز السنة على ممارسة السياسة لا يعد مطلبا طائفيا أو شوفينيا، وإنما هو مطلب وطني يجب أن يطالب به الجميع ويسعون إليه. كما أن هناك مسئولية ملقاة على بعض النخب الحاكمة التي عليها إدراك أهمية التخفيف من قوة التحالف السني النخبوي الذي اتسم به التاريخ السياسي للبحرين. وهذا كله في سبيل الحفاظ على التوازن الإثنو - طائفي للنظام السياسي البحريني، وهو ما يعد ضمانا للوحدة الوطنية للبلاد
العدد 989 - السبت 21 مايو 2005م الموافق 12 ربيع الثاني 1426هـ