أبدى السيدمحمد حسين فضل الله خشيته من أن يكون التعامل مع حجاب المرأة المسلمة في تركيا بهذه الطريقة هو استجابة لبعض شروط الاتحاد الأوروبي، وسجل استغرابه التام لرفض رفع قرار حظر الحجاب حتى لو صدر قرار من البرلمان التركي برفعه. وأكد حرصه على تركيا الدولة والأمة وعلى استقرارها، داعيا الى العمل لمراعاة مشاعر وهواجس شريحة واسعة من المجتمع التركي بالظلم والاضطهاد.
في أجواء التظاهرات والمواقف الشعبية التي شهدتها تركيا في الأيام الأخيرة، والداعية الى رفع قرار حظر الحجاب في الجامعات والمدارس التركية، وجه السيد فضل الله كتابا مفتوحا إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، جاء فيه:
كنت أتابع - ولا أزال - طريقة حكومتكم في إدارة قضايا الحريات وحقوق الإنسان، ولاسيما فيما يتصل بالحق الإنساني الشخصي في إدارة الإنسان لأموره الخاصة بما يرتبط بإيمانه الديني، فلاحظت أن هناك نوعا من الممارسة الاستبدادية في اضطهاد الإنسان المسلم، وخصوصا في قضية الحجاب التي تحولت إلى قانون للمنع من الالتزام به في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، الأمر الذي منع الكثيرات من المسلمات من التعليم الثانوي والجامعي وممارسة حقوقهن الوطنية والإنسانية في الاندماج مع دوائر الدولة. وقد تابعنا المظاهرات الجماهيرية النسائية الحاشدة والاحتجاجية على ذلك والتي قمعتها الدولة بكل وسائلها.
إننا ومن موقعنا الإسلامي، وانطلاقا من القواعد التي تحتمها الأخوة الإسلامية نسجل ما يأتي:
1- إننا لا نحمل حزب العدالة والتنمية، الذي يتمثل في حكومتكم، مسئولية هذا القانون؛ لأنه لم يصدر عنها في الأساس.
2- إن الحكومة التركية فرضت هذا القانون بحجة منافاة الحجاب للعلمانية التي هي قاعدة النظام التركي، ولكن العالم كله يعرف أن العلمانية في مبدئها ومضمونها تؤكد الحريات الدينية الشخصية، ومنها حرية المواطن في لباسه الخاص، ولاسيما أن الحجاب كما تعرفون التزام ديني إلهي، وليس مجرد تقليد تفرضه العادات والتقاليد، الأمر الذي يعد زيادة في القسوة على الذات.
إن غالبية الدول الغربية، وغيرها، الملتزمة بالعلمانية، لا تلتزم هذا القانون. وقد لاحظنا كيف وقفت الولايات المتحدة الأميركية موقفا سلبيا من القانون الفرنسي المماثل للقانون التركي.
3- إن هذا القانون الذي يسلب المرأة أبسط حقوقها في الالتزام الديني، هو بكل المعاني الإنسانية والدينية انتهاك لحقوقها التي أكدت عليها الأديان السماوية والمبادئ الوضعية على حد سواء، وهو يعيدنا، بشكل وبآخر، إلى عصور التخلف الحضاري القائم على إلغاء الآخر والتعصب ضده، وخصوصا فيما يتصل بحرية الالتزام الديني والتعبير عنه.
4- إننا نخشى أن يكون التعامل مع حجاب المرأة المسلمة بهذه الطريقة هو استجابة متسرعة لبعض الشروط الأوروبية التي تفرضها على تركيا من أجل ضمها إلى الاتحاد الأوروبي، ونتساءل: هل أن ذلك ينطلق من هاجس محاولة إقناع أوروبا بخروج تركيا عن الالتزام الإسلامي حتى في مثل هذا القانون المضاد لحقوق الإنسان، ولاسيما فيما يتعلق بالمرأة التي يطالب العالم بإعطائها حقوقها الإنسانية، مع أن تمسك تركيا بخصوصيات شعبها المسلم يجعلها في نظر الأوروبيين، وغيرهم، مدعاة للاحترام وليس العكس.
ولنا أن نسجل هنا استغرابنا التام لإعلان رئيس الحكومة الدستورية العليا في تركيا، رفضه رفع حظر الحجاب حتى لو صدر قرار من البرلمان التركي برفعه، ما يوحي بتوجهات استبدادية معاندة لقرار الشعب الذي يمثله البرلمان.
5- إننا لا نريد الدخول في جدال بشأن النظام الإسلامي الذي نتبناه والنظام العلماني الذي تلتزمونه في تركيا، إلا أننا ومن موقع حرصنا على تركيا، الدولة والأمة نرى أن مصلحتها المحافظة على استقرارها ووحدتها الاجتماعية التي لا تشعر معها شرائح واسعة من المجتمع بالظلم والاضطهاد، وخصوصا في مسألة تتعلق بالالتزام الديني الشخصي، ولا تسيء إلى علمانية الدولة في الوقت نفسه.
6- إن المسلمين والأحرار في العالم يرون ضرورة رفع هذا القانون الجائر، وإعطاء المرأة المسلمة التركية المحجبة حقها في الحرية الشخصية، انسجاما مع قيم العلمانية المعاصرة المنفتحة التي تلتزمونها، ومع حقوق الإنسان. وأنتم تعرفون أن الشعب التركي هو شعب مسلم مخلص لإسلامه، وأن التعصب لهذا القانون تعصب للخطأ.
وإننا، في الوقت الذي نطالب فيه الحكومة التركية بإعادة النظر في هذه القوانين المجحفة، نطالبكم بمواقف شجاعة تعيد تصحيح هذا الوضع المنافي لكل القيم والمبادئ الإسلامية والإنسانية، وإن الرجوع عن الخطأ في مثل هذه الحالة فضيلة كبرى تسجل لكم ولحكمتكم في النظر إلى الأمور الحساسة
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 989 - السبت 21 مايو 2005م الموافق 12 ربيع الثاني 1426هـ