بدأت القوى السياسية تعد العدة استعدادا للانتخابات البلدية والنيابية المفترض إجراؤها في النصف الثاني من العام المقبل، في ظل أجواء تؤشر إلى تكرار سيناريو "الفزعة الطائفية" التي جللت موسم الانتخابات البلدية الماضية في مايو/ أيار ،2002 فيما كانت حدتها اقل في الانتخابات النيابية التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول ،2002 بسبب مقاطعة التيار الإسلامي الشيعي العام، الذي تمثله جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، لتلك الانتخابات.
كما تشير التوقعات إلى أن تغييرات "جوهرية" ستصيب تشكيلة المجالس المنتخبة، بسقوط عدد مؤثر من أعضاء البلديين الخمسين، وسقوط عدد كبير نسبيا من النواب الحاليين، ودخول عدد أكبر وأكثر فاعلية من النواب الشيعة، حتى مع استمرار قرار المقاطعة، كما ستستحوذ التيارات الإسلامية بالعدد الأكبر من المقاعد التسعين "خمسين مقعدا في المجالس البلدية، وأربعين مقعدا في الغرفة المنتخبة من المؤسسة التشريعية"، وتواضع الآمال بوصول تيار ليبرالي "حقيقي"، وكذلك بفوز نساء، ما لم تحدث مفاجآت، على رغم أن التيار الإسلامي الشيعي، وتيار الإخوان المسلمين يؤيدان علنا وصول المرأة إلى المجالس الثمثيلية.
وصرحت عدد من الجمعيات السياسية أنها شكلت لجان للإعداد للانتخابات المقبلة، من بينها جمعية "العمل الديمقراطي"، و"المنبر الإسلامي"، و"الأصالة"، فيما تأمل "الوفاق" و"الوسط العربي" ، و"المنبر التقدمي" تشكيل لجان خلال الأسابيع المقبلة.
الانحياز المذهبي
وأجمع مراقبون وسياسيون تحدثوا إلى "الوسط" على أن المواطنين البحرينيين سيصوتون في الانتخابات المقبلة "بحسب التمايزات التقليدية"، التي يكرسها رسم المحافظات الخمس الذي "يعزز الطائفية"، حين "يحشر" نحو ثلث السكان "قرابة 130 ألف" في المحافظة الشمالية، الممتدة من "منطقة جدحفص الكبرى" التي تشمل قرى جدحفص والسنابس والديه، مرورا بقرى شارع البديع ذات الكثافة السكانية العالية، وصولا إلى مدينة حمد التي تضم نحو أربعين ألفا، بينهم مواطنون من ذوي أعراق وطوائف مختلفة، وانتهاء بقرى المنطقة الغربية "كرزكان، المالكية، دمستان، الهملة"، التي أدمجت "عنوة" في المحافظة الشمالية، بعد أن كانت تشكل ومناطق أخرى منطقة بلدية مستقلة، قبل صدور المراسيم المستحدثة في رسم المحافظات الخمس، الذي ألغي "لأهداف سياسية" تقسيما كان متبعا سنوات طويلة، كان يقسم البلاد إلى أكثر من ست مناطق بلدية.
فضلا عن ذلك، فإن "التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية يساهم في تكريس الاصطفافات الطائفية، وكأنه يؤشر للمواطنين للتصويت بحسب انتماءاتهم المذهبية"، وهو توزيع يرى رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان أن هدفه "ضبط عدد عناصر الموالاة والمعارضة في المجلس النيابي، وضمان وصول عدد شبه متساو من النواب السنة والشيعة".
ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين باقر النجار: "من الصعب تجاهل الانحيازات الطائفية في تصويت الناس في المدى القريب والمتوسط"، موضحا أن "هناك أسباب كثيرة تحفز هذه الجوانب داخل الأفراد"، متوقعا "اشتداد مثل هذه التصويتات إذا ما قرر الاسلام السياسي الشيعي الدخول في الانتخابات المقبلة".
واتفق مع التحليل السابق رئيس جمعية "المنبر التقدمي" حسن مدن، ورئيس جمعية "العمل الديمقراطي" إبراهيم شريف، ورئيس جمعية "الوفاق" الشيخ علي سلمان، ورئيس جمعية "الأصالة" الشيخ عادل المعاودة الذي توقع أن يكون التصويت "مختلطا في الدوائر التي تضم مواطنين من الطائفتين، لكن هذه الدوائر تمثل أقلية".
وعن ذلك يقول باقر النجار: "ستكون هناك اتجاهات نحو تصويت مختلط، تتجاوز الانحيازات التقليدية، ليس فقط في أوساط فئات وجماعات متجاوزة لذلك، وإنما لدى جماعات أخرى لديها هذا الانحياز، فمن مصلحة أقلية شيعية في دائرة انتخابية ذات غالبية سنية التصويت لشخصيات ليبرالية أو شخصيات متجاوزة للانحيازات المذهبية، والحال ذاته بالنسبة لأقلية سنية وسط غالبية شيعية"، مشيرا إلى أن هذا "قد حصل فعلا في الانتخابات الماضية". وتمثل في فوز النائب عبدالنبي سلمان "ذو التوجهات الليبرالية" على المترشح المحسوب على الإسلاميين محمد آل عصفور عن الدائرة الثانية "ذات الغالبية الشيعية" في المحافظة الوسطى، وفوز النائب فريد غازي "ذو توجهات ليبرالية" على العضو في جمعية المنبر الإسلامي وليد علي بنسبة 60 في المئة في دائرة ذات غالبية شيعية، وفوز النائب "المعتدل" عثمان شريف على الرجل المتهم بتبني "خطاب طائفي" الشيخ عبدالرحمن عبدالسلام، بفضل انحياز قطاع من أهالي عراد الشيعة إلى شريف، وقد حسم الفائزون الثلاثة المذكورون السباق لصالحهم في الجولة الثانية، ما يعطي صدقية للتحليل أعلاه.
من جانبه، أشار الناشط عبدالله هاشم إلى أن "التوجه العام يوضح أن الناخب لن يستند في تصويته إلى برنامج، وإنما إلى معيار طائفي"، متوقعا أن يكون نمط التصويتات في المناطق المختلطة "وفقا للتوجيهات التي سيتلقاها الناخبون من القوى الفاعلة، استنادا إلى تحالفاتها الانتخابية".
ولا يستثني هاشم المحرق من نمط التصويت "غير البرامجي"، متوقعا أن يحدث ذلك "في الدائرة الرابعة التي فاز عنها عيسى أبو الفتح ضد المترشح المرحوم عبداللطيف الرميحي، والتي يشكل فيها المواطنون السنة غالبية، وكذا في الدائرة الخامسة التي فاز عنها النائب عادل المعاودة والتي يمثل فيها المواطنون الشيعة نحو 30 في المئة، وفي الدائرة السابعة التي فاز عنها النائب عثمان شريف، والتي يقدر المواطنون الشيعة فيها بنحو ألف وخمسمئة، في مقابل سبعة آلاف وخمسمئة من المواطنين السنة. وفي هذه الدوائر، ينظر إلى الشيعة على أنهم أصوات مرجحة، ما يعطيهم أهمية بالغة في أي استحقاق انتخابي، بغض النظر عن خلفيات المترشحين، كما استحق الناخبون السنة ثقلا لا يمكن تجاهله في دوائر المحافظة الوسطى ذات الغالبية الشيعية، كما أشرنا أعلاه. ما يعني أن الأقلية لا يمكن تجاهل أصواتها.
وبالعودة إلى المحرق، يمكن القول إنه في الدائرة السادسة "سماهيج والدير"، التي تعد دائرة شيعية خالصة مع استثناءات لا تذكر، والدائرة الأولى "البسيتن وما حولها" والتي تعد دائرة سنية خالصة تقريبا، ستتنافس القوى من المذهب ذاته على الفوز بالمقعد المخصص لكل منها.
ضعف الليبراليين
إلى ذلك، فإن أحد الأسباب التي تعزز التصويتات التي تعتمد المعيار المذهبي أساسا لها، تزداد رسوخا مع ضعف ما يسمى التيارات الليبرالية، التي خسرت خسارة مدوية في الانتخابات البلدية الماضية، التي عكست، أكثر من الانتخابات النيابية، مدى النفوذ الشعبي الذي تتمتع به القوى الحزبية المختلفة.
وقد تمكن "ليبراليون" من الوصول إلى المجلس النيابي الحالي، خصوصا في الدوائر ذات الغالبية الشيعية "بسبب المقاطعة"، أو تلك التي دعم فيها الإسلام السياسي السني قوى محسوبة تقليديا على غير الإسلاميين، كما هو حال يوسف زينل، الذي فاز في الدائرة السابعة في المحافظة الشمالية على المترشحة السابقة فوزية الرويعي، وهي إحدى سيدتين خضن الجولة الثانية من الانتخابات النيابية الماضية، وفوز النائب يوسف الهرمي - الذي انضم لاحقا إلى كتلة المستقلين المحافظة على رئيس جمعية المحامين عباس هلال في دائرة ذات غالبية شيعية هي الدائرة السابعة في محافظة العاصمة، وكذا فوز النائب غير المنتمي جهاد بوكمال، بنسبة كاسحة "87 في المئة"، وهو يرأس حاليا لجنة الشئون المالية في مجلس النواب.
وتشير التصويات هنا إلى أن الإسلاميين، في المبدأ، لا يصوتون إلى إسلاميين من المذهب الآخر، فهم مع اسناد شخصيات إسلامية من المذهب ذاته أولا، وإذا كان غير متوافر، فيلجأون - ثانيا - إلى دعم شخصيات من المذهب ذاته وإن كانت غير إسلامية "نموذج يوسف الهرمي"، أو من المذهب الآخر مع تفضيل غير الإسلاميين، كما يبدو. "وربما تعد هذه مفارقة".
ويأمل رئيس جمعية العمل الديمقراطي إبراهيم شريف في كسر الطوق الذي يمنع وصول الليبراليين إلى مجلس النواب، من خلال تحالف "الجمعيات الأربع" في الشأن الانتخابي، وهو التحالف الذي يضم جمعيتين إسلاميتين شيعيتين "الوفاق، والعمل الإسلامي"، إلى جانب جمعيتين ذات توجهات "علمانية" "العمل الديمقراطي، والتجمع القومي"، وتبدو حظوظ الأخيرتين في الفوز بمقعد نيابي أو بلدي ليست مؤاتية، بل ضعيفة بالنسبة للتجمع القومي، ما لم يحصلا على إسناد مباشر من طرف إسلامي، شيعي بالتأكيد، في ظل مواقفهما "التجمع والعمل" المعارضة للسلطات، ذلك أن التيارات الإسلامية السنية مهادنة للسلطة في الغالب الأعم، خصوصا تجاه القضايا ذات الطابع الحقوقي والسياسي، في ظل تصور - لا يخلو من مصلحية - بأن مزيدا من الحقوق لعموم المواطنين، يعني تقليل "الكعكة" التي يتحصل عليها المواطنون السنة، حين يتقاسمها إياهم المواطنون الشيعة بالقدر ذاته.
الوضع في المحرق
ومع ذلك، فإن إبرهيم شريف يوضح أن جمعيته لديها فرصة سانحة في منطقة المحرق خصوصا، مضيفا أنه لم يتم تحديد بعد عدد الذين سيترشحون للانتخابات المقبلة، والدوائر التي سيترشحون إليها، وهو حال الجمعيات الأخرى التي حاورتها "الوسط".
ومن المتوقع أن يزيد تصريح شريف من احتدام المنافسة داخل هذه المحافظة التي يتنافس على مقاعدها الثمانية "إذا لم تتغير تركيبة الدوائر"، التيار السني "الإخوان والسلف"، والجماعات التي تسمى "وطنية" "وهو تعبير يطلق على الجماعات المحسوبة تقليديا على المعارضة، ولا توظف الدين شعارا انتخابيا"، كما ستتكرر المنافسة بين التيارات المذكورة في بعض الدوائر المختلطة في محافظتي العاصمة والوسطى، فيما سيظل العدد الأكبر من الكراسي التسعة في المحافظة الشمالية محسومة لصالح مترشحي "الوفاق"، الذين غابوا عن الانتخابات الماضية، باستثناء الدائرة الرابعة على الأقل، والتي ستكون "محجوزة" لصالح المترشحين السنة، بسب طبيعة رسمها المثير للجدل، وربما دائرة أخرى في مدينة حمد، إذا ما وافق الإسلاميون السنة في نسج تحالفات فاعلة.
كما ستكون الكراسي محسومة لصالح مترشحي القبائل "السنة" في المحافظة الجنوبية، ذات الثقل السكاني الأقل.
وبعيدا عن الخلاف بشأن مصطلح "ليبرالي"، مع ميل بعض من يسمون بالليبراليين إلى "المحافظة السياسية"، وربما "الارتهان" للتوجهات الرسمية، فإن التنافس الليبرالي، إن صح القول، في المحرق، وفي غيرها، سيضعف من قواها.
وكمثال على ذلك، ما يقال عن ترشح أعضاء من جمعية العمل الديمقراطي في الدائرة ذاتها "السابعة في المحرق" التي ترشح عنها المحامي عبدالله هاشم في الانتخابات النيابية الماضية، وجاء في المركز الثالث "أصلا" بعد عثمان شريف وعبدالرحمن عبدالسلام، حاصدا نحو 15 في المئة من الأصوات. وقد شكل هاشم طوال السنوات الثلاث الماضية خصما إلى التحالف الرباعي، خصوصا ضد جمعية العمل الديمقراطي الذي كان أحد مؤسسيها، وانسحب بعد "صراع على السلطة"، حسم لصالح زعيمها التاريخي عبدالرحمن النعيمي.
"العمل" و"الوفاق"
من هنا، يبدو إبراهيم شريف دائم الحديث عن توسيع المعارضة، لتشمل "الوسط والعربي" و"المنبر التقدمي"، داعيا إلى الاستناد إلى مرجعية تستند إلى تناقض الدولة/ المجتمع، لا تناقض العلمانيين/ الإسلاميين أو السنة/ الشيعة.
ويوضح شريف أن "التنسيق مع التحالف الرباعي في الانتخابات المقبلة، لا يمنع التحالف مع جمعيات أخرى، وشخصيات مؤثرة". وقد بدا شريف متفائلا بما سماه تحالفا أكثر "نضجا" مع "الوفاق"، التي أعطت ظهرها لهم في الانتخابات البلدية الماضية، حين كان أحد المدعومين منها في إحدى دائرتي عراد قريبا من الفوز، لكن "الوفاق" زجت بمترشح فيها، ما أدى إلى تشتت اصوات الشيعة في عراد، وحصول السلفي علي المقلة على المقعد.
ويقال إن "الوفاق" لم تدعم، حينها، عبدالرضا العرادي "القريب من العمل"، بسبب "شعارات عدم التمكين" التي تتبناها القيادة الدينية الشيعية، على رغم كون "العمل" التي ورثت "الجبهة الشعبية"، تعد أحد أبرز حلفاء التيار الشيعي الذي قاد الانتفاضة المطلبية في التسعينات.
ومع ذلك، فإن الشيخ علي سلمان أظهر، في تصريحه إلى "الوسط"، تحفظا إزاء الحديث عن تحالفات انتخابية، وقال: "هذا متروك للعملية الانتخابية في وقتها".
ويبدو أن شريف يدرك الصعوبات، وربما من هنا لم يشر في حديثه إلى ما يمكن تسميتها المناطق "الوفاقية المحصنة"، خصوصا في المحافظة الشمالية، وبعض الدوائر في محافظتي العاصمة والوسطى، واختار الحديث عن مناطق مختلطة، مثل المحرق.
تحالف شيعي/سلفي
وفي موقف لافت، عرض الشيخ السلفي عادل المعاودة على "الوفاق" التحالف في المناطق المختلطة، "ليكون التصويت في الدوائر ذات الغالبية الشيعية لمترشحي الوفاق، وفي الدوائر ذات الغالبية السنية لصالح مترشحي جمعية الأصالة السلفية"، التي يترأسها المعاودة.
لكن المعاودة أوضح أن التحالف الأقرب إلى جمعيته سيكون مع المنبر الإسلامي، الذي يمثل تيار الإخوان المسلمين، موضحا أنه كان يمكن لجمعيته السلفية أن تضاعف عدد نوابها في المجلس الحالي، "لكننا أخذنا في الاعتبار الكفاءة، ودعمنا مترشحين لا ينتمون إلى تيارنا في عدد من الدوائر التي كان يمكن أن نفوز فيها" كما قال، رافضا التصريح بأسماء المدعومين.
إلى ذلك، رأى رئيس جمعية "المنبر التقدمي" حسن مدن أن الانتخابات المقبلة "ستشهد مشاركة خريطة أوسع من القوى السياسية"، معتبرا ذلك "أهم" من نسبة المشاركة، ضاربا مثلا بالانتخابات البلدية الماضية التي لم تتجاوز فيها نسبة المشاركة حاجز الـ 55 في المئة إلا بقليل، لكنه أشار إلى أنه "كلما ازدادت النسبة كلما شكل ذلك علامة إيجابية دون شك". وكانت قوى المعارضة التي قاطعت الانتخابات النيابية الماضية اعتبرت أن مشاركة نحو 53 في المئة في الانتخابات دليل على عدم القبول بـ "شرعية" دستور ،2002 الذي بسبب اعتراضها على آلية ومضمون صدوره، رفضت الجميعات الأربع دخول المعترك الانتخابي، مطالبة بحصر التشريع في المجلس المنتخب، وجعل المجلس المعين للاستتشارة غير الملزمة، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة مطلقا.
تنامي قوى المشاركة
ومع أن الجمعيات الأربع مازالت تتبنى شعار المقاطعة، وإن لاحظ متابعون ازدياد قاعدة الراغبين في المشاركة داخل أروقة "الوفاق" "كبرى جمعيات المقاطعة"، فإن حسن مدن يتوقع أن يجري تغييرا "جوهري" على التشكيلة النيابية "والبلدية" المقبلة، مع ترجيح استمرار سيطرة الإسلام السياسي على هذه المجالس، مرجعا ذلك إلى كون "أداء المجالس البلدية والنواب كان أقل من التوقعات، ليس فقط بسبب محدودية الصلاحيات، لكن بسبب ضعف من وصلوا إليها".
واتفق المعاودة مع مدن، موضحا أن أبرز تغيير سيكون في عدد النواب الشيعة الذين سيصلون إلى البرلمان، وكذلك فاعليتهم، حتى مع عدم مشاركة "الوفاق". ويشكل النواب الشيعة في مجلس النواب الحالي 13 نائبا، وفي المجالس البلدية الخمسة 23 عضوا، "منهم 21 عضوا في جمعية الوفاق"، أما في مجلس الشورى المعين فعدد الشيعة يبلغ 19 عضوا من أصل .40
هذا، واعتبر باقر النجار أن عدم المشاركة يعكس "غباء سياسي ماحق"، فيما عبر عبدالله هاشم عن اعتقاده بأن "الوفاق" ستشارك "حتما" في العملية الانتخابية المقبلة، "وستشكل أكبر كتلة نيابية، مع أنها كانت ستشكل قوة كاسحة في البرلمان الحالي لو شاركت في انتخابات 2002"، مبررا التراجع المفترض لـ "الوفاق" إلى أن "الناس لم تعد تستجب إلى تكليف شرعي، وإنما إلى خطأ وصواب في الموقف السياسي"، فيما قال إبراهيم شريف إن "الوفاق مازالت في المقدمة، مع أن بعض أعضائها لم يكن أداؤهم جيدا في المجالس البلدية، وبالتالي فإن الانتخابات المقبلة ستكون أصعب لها من الانتخابات الأولى، لكنها ستظل هي القوة الأساسية".
وعلى صعيد الإسلام السياسي السني، لاحظ باقر النجار أن "هنالك تحول في مزاج الناخب السني فيما يتعلق ببعض الشخصيات، سواء تلك المستقلة أو المحسوبة على السلف أو الإخوان"، وأشار إلى "أن دخولهم في المجلس النيابي كما صرح به الكثير كان أقرب إلى الصدفة".
وتوقع أن "خريطة هؤلاء ستصاب بقدر مهم من التغيير في الانتخابات المقبلة"، موضحا أنه "إذا ما استثنينا المعاودة، فإن من الصعوبة القول إن المجلس الحالي يضم رموزا سياسية سنية"، فيما رأى عبدالله هاشم "وهو متهم بتبني خطاب يتسم بالطائفية" أن خريطة القوى السنية الممثلة في المجلس الحالي "ستتقلص بشكل ملحوظ لصالح قوى وطنية وشعبية أخرى، وأن كتلتي الأصالة والمنبر الإسلامي لن تتمسكا بمواقعهما الحالية".
المرأة
وبشأن وضع المرأة، قال هاشم "على رغم أن 60 في المئة من الهيئة الناخبة يمثلها نساء، فإنهن سيحتكمن في التصويت إلى معايير الرجال المستندة إلى الانحياز المذهبي"، مشيرا إلى أن "النساء سيكن الفيصل في فوز المترشح، فمن يستطيع استقطاب النساء سينجح في الوصول إلى القبة"، متوقعا ألا تصل امرأة إلى مجلس النواب "لأن الوضع الاجتماعي لا يساعد في ذلك".
فيما رأى باقر النجار أنه "كان ممكنا حدوث اختراق نسوي في الانتخابات الماضية، لولا بعض الفزعات"، ويبدو أن النجار يشير إلى ما حدث في الدائرة الأولى في المحافظة الجنوبية، التي فاز فيها النائب السلفي جاسم السعيدي على المترشحة السابقة لطيفة القعود، بأقل من مئتي صوت تقريبا.
وأضاف النجار "لا أعتقد أن البيئة الاجتماعية البحرينية، بشكل عام، ترفض وصول امرأة إلى البرلمان"، مشيرا إلى أن "فصيلين رئيسين، هما الوفاق والمنبر الإسلامي، يؤيدان دخول المرأة بشكل علني"، معتبرا "النساء الأكثر تأثرا بجلسات الوعظ، التي تكون مخترقة من قبل الإسلام السياسي، ووظفت في الانتخابات الماضية، وستوظف مع احتدام المنافسة في الانتخابات المقبلة، كصوت داعم لتيارات الإسلام السياسي، كون القطاع النسائي محافظا اجتماعيا، ومرتبطا بكثير من الطقوس الدينية، وسيأتي تصويته داعما للجماعات الدينية، وليس الجماعت الليبرالية".
وبشأن حظوظ التجار، قال النجار: " سيمثل هذا التيار في المجلس المنتخب المقبل، كما هو ممثل في المجلس الحالي، لكن ليس كتجار يمثلون تيارا ليبراليا يؤمن بقضايا الانفتاح الاقتصادي والحريات، وإنما سيكون كما هو الآن أقرب إلى التيارات الإسلامية المحافظة".
وأضاف "أن أي اختراق مهم من قبل التيار الممثل الآن في غرفة التجارة، والمتسم بقدر من الليبرالية الاقتصادية والانفتاح الاجتماعي يتطلب منه عدة أمور، أولها أن يكون ذا خطاب متميز عن الخطاب الرسمي، وليس بالضرورة معارضا له، وثانيا أن يعمل كجماعة منظمة تدخل في تحالفات سياسية واقتصادية مع الجماعات الأكثر قربا منها من الناحية الاجتماعية والسياسية، وذلك عبر ضخ المال في التيارات الليبرالية بما يعطيها شيئا من القوة".
إلى ذلك، يبقى أن قضايا مثل رسم الدوائر الانتخابية، ومدى التغير التي سيطالها، وهو أمر متوقع، وكذا احتمالات إجراء الانتخابات البلدية والنيابية في يوم واحد، وتصويت العسكريين، والأهم من ذلك، مدى القوة التي سيشارك بها الإسلاميون الشيعة في الانتخابات... كل ذلك سيكون مؤثرا في رسم المشهد الانتخابي المقبل.
الاحباط يلف الشارعين
لكن النائب الأول لمجلس النواب عبدالهادي مرهون يرى أن "الاحباط يلف الشارعين الشيعي والسني لأسباب قد تكون مختلفة في ظاهرها وتتلاقى في الجوهر"، مشددا على أنه "إذا لم يطرأ تغير إيجابي على المشهد السياسي، فقد يؤدي ذلك إلى خيبة الأمل، وعزوف أعداد غفيرة من المواطنين عن المشاركة في الانتخابات المقبلة"، فيما يرى باقر النجار أن "الشيعة سيصوتون للمرة الأولى، وإذا ما تكرر الأداء الباهت للمجلس المنتخب، فإن العزوف قد يحدث في ،2010 وهو حال المواطنين السنة ايضا، ذلك أنهم صوتوا في 2002 وفق متغيري الفزعة والعلاقات الشخصية"، متوقعا أن "يتغير نمط التصويت، بقدر لا يستهان به، وسيستند الى السجل الشخصي للمترشح وبرامجه".
والواقع، فإن العيون تدار الآن لمعرفة ما يقال إنها حوارات تدار "تحت الطاولة" بين الفرقاء السياسين، تشترك فيها مراجع دينية وسياسية، فيما يأمل التحالف الرباعي استثمار "الورقة الشعبية" إلى أقصى حد، قبل نهاية 2005 وانعقاد المؤتمر الدستور الثالث "الذي لا تنص عليه مقررات المؤتمر الماضي"، وذلك عبر تسيير التظاهرات والاعتصامات المتتالية، بهدف الضغط على السلطات، التي يرى مراقبون أن موقفها لا يخلو من حرج، لكنها قادرة على الممانعة بسبب رصيدها الذي بنته في العامين الأولين من توقيع الميثاق، وإن تآكل بسبب تعاطيها غير الحصيف مع مجلس النواب خصوصا، كما تزداد قوة الحكومة بالنظر إلى ارتفاع أسعار النفط، وعدم وضوح مطالب المعارضة.
وما يزيد الوضع إرباكا، أن السلطة ليست في وارد تقديم تنازلات كالتي تطالب بها المعارضة، فيما تبدو الأخيرة غير قادرة على القول إن المقاطعة خيار أثبت عدم نجاحه، وخصوصا أن المشاركة، سواء على صعيد النواب أو المجالس البلدية، لم تقد إلى الأحسن.
ويبقى التساؤل يدور حول موقف القيادة الدينية الشيعية، التي فضلت الصمت "موقفا" في أكتوبر ،2002 مع تأييدها المشاركة، كما صرح الشيخ عيسى قاسم. فهل ستختار الصمت أيضا في العام المقبل، مع ما يفرضه الخط الذي تبناه المرجع الديني الأعلى في العراق السيدعلي السيستاني من استحقاقات؟
مشهد مربك، ربما، لكن القافلة ستسير، ولكن إلى أين؟ على الأغلب إلى "لا توافق"، مادام الأنا غاضا الطرف عن مطالب الآخر
العدد 988 - الجمعة 20 مايو 2005م الموافق 11 ربيع الثاني 1426هـ