يتأمل المقال الذي بين يديك في بعض الأوراق والإحصاءات التي قدمت لمؤتمر "الاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين ودول مجلس التعاون: الفرص والتحديات". يذكر أن مركز البحرين للدراسات والبحوث أعد للمؤتمر الذي عقد في المنامة بين 17 و18 مايو/ أيار الجاري.
المؤكد أن البحرين وشقيقاتها في دول مجلس التعاون بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة نظرا إلى وجود طموحات اقتصادية لديها تفوق حجم مواردها الذاتية "وفي هذا إشارة إلى كلمة رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث محمد جاسم الغتم". فهذه الدول مخيرة بين الاقتراض أو جذب الاستثمارات لغرض سد النقص المالي لديها. ولاشك أن خيار الاقتراض متوافر، لكن له الكلفة ذاتها. ويتمثل الخيار الآخر وهو الأفضل في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتوظيفها في المجالات الحيوية مثل إنشاء المصانع.
الاستثمارات الأجنبية تساعد على النمو الاقتصادي والإنتاجية
أشار ادوارد غراهام من معهد الدراسات الاقتصادية بأميركا والأستاذ بجامعة "كولومبيا" إلى تأكيد الدراسات وجود علاقة إيجابية بين الاستثمار الأجنبي المباشر والنمو الاقتصادي ورفع مستوى الإنتاجية كما هو الحال في الصين. ويبلغ حجم النمو الحقيقي في الصين "المعدل لعامل التضخم" 9 في المئة سنويا. من جهة أخرى أكد غراهام عدم توافر أدلة دامغة تؤكد حدوث نقلة نوعية في التقنية في بلد ما بسبب الاستثمار الأجنبي المباشر مع وجود بعض الاستثناءات هنا وهناك.
قطاعات الخدمات الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة
بدورها أشارت نزهة بينابيس من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" إلى التحول النسبي للاستثمارات الأجنبية لقطاعات الخدمات مثل الاتصالات. ورأت الخبيرة التي تعمل رئيسا لقسم ترويج الاستثمار في "أونكتاد" أن هذه الظاهرة تعود لسياسات الانفتاح والخصخصة التي تجتاح العالم فضلا عن ارتفاع الأهمية النسبية لقطاعات الخدمات في العجلة الاقتصادية إضافة إلى دور تقنية المعلومات في تسهيل التعامل مع الخدمات عموما. كما لاحظت الخبيرة الدولية حدوث نوع من تغيير حتى في تركيبة قطاعات الخدمات المستقطبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة على مستوى العالم إذ تدنت أهمية قطاع الخدمات المالية من 40 في المئة في العام، 1990 إلى 29 في المئة في العام .2002 بالمقابل سجل ارتفاع في قطاع الاتصالات من 3 في المئة في العام 1990 إلى 11 في المئة في العام .2002
الإعفاء الضريبي غير مغر للاستثمارات الأجنبية
من جهته أكد مهمت أوكستو من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس أنه لم يعد كافيا أن تتم إزالة القيود عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى يتم جلبها لبلد ما نظرا إلى أن غالبية دول العالم قامت وتقوم بالخطوات المشابهة نفسها. كما لاحظ أوكستو الذي يعمل رئيس المنتدى الدولي للاستثمار الأجنبي المباشر والبرامج الإقليمية في المنظمة أن منح الإعفاء الضريبي لا يمثل بالضرورة عامل جذب للاستثمارات. بل استنادا للدراسات الميدانية يؤكد المستثمرون أن هناك عوامل رئيسية تجذبهم للاستثمار في منطقة ما وتحديدا وجود البيئة التجارية وحجم السوق ونوعية البنية التحتية المتوافرة وإنتاجية العمالة. ولاحظت الدراسات أن الأهمية النسبية لوجود حوافز مالية مثل الإعفاء الضريبي تأتي في أدنى سلم الأولويات بالنسبة إلى المستثمر الأجنبي. وفي جانب آخر من ورقته أكد أوكستو أن الإعفاء الضريبي قد تكون له انعكاسات سلبية وخسارة لخزانة الدولة لمصدر مالي حيوي "أشار أوكستو إلى أن الإعفاء الضريبي يكلف دولة مثل ماليزيا نحو 2 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي".
لاشك أن ما يقوله أوكستو يحمل الكثير من الدلالات، إذ من الخطأ التركيز على منح متغير الحوافز المالية فقط بل المطلوب توفير أمور مثل البيئة التجارية على غرار القوانين التي لا تعرقل الاستثمارات الأجنبية. أيضا هناك عامل السوق وهنا تكمن أهمية ربط الأسواق الخليجية ببعضها لأن السوق البحرينية لوحدها تعتبر صغيرة نسبيا "يبلغ حجم الناتج الإجمالي في البحرين أقل من 9 مليارات دولار أي أقل من صافي أرباح بعض المؤسسات الدولية الكبرى في العام 2004". أيضا المطلوب من وجود بنية تحتية مساعدة مثل الطرقات والموانئ والمطارات فضلا عن توافر الكهرباء. الشيء الجميل هو حدوث تطورات في هذه الجوانب في البحرين في الوقت الحاضر وخصوصا في قطاع الكهرباء "يلاحظ أن الحكومة أسندت للقطاع الخاص مهمة محطة العزل في الحد فضلا عن التأكيد أن القطاع الخاص سيتولى إنتاج أية طاقة إضافية في المستقبل". أيضا هناك الحاجة إلى زيادة إنتاجية العمالة. وبحسب المعلومات المتوافرة فقد بلغت نسبة النمو السنوية في إنتاجية العمالة في البحرين 1,5 في المئة في العام .2003 بيد أن المطلوب زيادة هذه النسبة إلى 5 في المئة سنويا في الفترة ما بين 2005 و.2015
الصين استقطبت 60 مليار دولار في العام 2004
بحسب تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن منظمة "أونكتاد" للعام 2004 تحتل أميركا المرتبة الأولى في العالم، إذ استقطبت 120 مليار دولار في العام 2004 أي نحو 20 في المئة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام 2004 والذي بلغ 612 مليار دولار. ويكمن سر نجاح الولايات المتحدة في وجود البيئة التجارية المغرية مثل السوق الاستهلاكية "يعرف عن الشعب الأميركي ميله للاستهلاك" زائدا البنية التحتية من المطارات ومحطات القطارات والطرقات السريعة فضلا عن النظام القضائي المستقل. وتأتي الصين في المرتبة الثانية في العالم من حيث جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ بلغ 60 مليار دولار. وهذا بدوره يعني أن الصين كانت تستقطب نحو مليار و200 مليون دولار أسبوعيا في العام الماضي. بالمقابل يلاحظ أن دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة استقطبت 3 مليارات دولار أي أقل من واحد في المئة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم في العام الماضي.
تدفق سلبي للاستثمار الأجنبي المباشر للبحرين
وللوقوف على حال نجاح السياسات المتبعة عندنا لا بأس بالإشارة إلى آخر الأرقام التفصيلية المتوافرة فيما يخص تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البحرين وإليها. وبحسب تقرير "أونكتاد" للعام 2003 فقد ارتفع حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البحرين من 217 مليون دولار في العام 2002 إلى 517 مليون دولار في العام .2003 ويمثل هذا الارتفاع زيادة قدرها 138 في المئة في سنة واحدة، الأمر الذي يشكل إنجازا بحد ذاته. بيد أنه تتغير الصورة بملاحظة أن حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البحرين إلى الخارج في الفترة نفسها زاد من 190 مليون دولار إلى 741 مليون دولار. ويمثل هذا الارتفاع زيادة قدرها 290 في المئة في غضون سنة واحدة. وبالتالي كان هناك تدفق سلبي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام .2003 ختاما، الأمل معقود على مشروع الإصلاحات الاقتصادية في البحرين والذي يقوده سمو ولي العهد في تحسين المناخ الاستثماري في المملكة
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 988 - الجمعة 20 مايو 2005م الموافق 11 ربيع الثاني 1426هـ