العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ

احتدام الداخل السوري

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

حتى وقت قريب بدا الاحتدام الداخلي في سورية مقتصرا على الجانب السياسي، والأساسي فيه كان افتراق بين السياسة الرسمية ومواقف الجماعات المعارضة سواء كانت تعبيراتها الداخلية - وأبرزها التجمع الوطني الديمقراطي الذي يضم الأحزاب الرئيسية للمعارضة - أو في تعبيراتها الخارجية وأبرز تنظيماتها جماعة الاخوان المسلمين قبل ان ينضم إليها إلى هذا النسق من المعارضة الخارجية التيار الأميركي ممثلا بحزب الإصلاح السوري الذي يقوده فريد الغادري.

ووسط هذا الوضع من الاحتدام السياسي في سورية، كان ثمة تفريعات تتعلق بخلاف السياسة الرسمية وتناقضها مع مطالب ومواقف منظمات حقوقية وهيئات مدنية مثل لجان احياء المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان في سورية.

غير ان الاحتدام السوري، أخذ بالاتساع في الفترة الأخيرة، ليس فقط في جانبه السياسي لجهة تعدد وتنوع الاطراف في الداخل ومنها توسيع جبهة حلفاء السلطة على بعد ضم الحزب القومي إلى التحالف الذي يقوده حزب البعث، وولادة عدد من الأحزاب الجديدة في سورية، بل بامتداد الاحتدامات إلى داخل حزب البعث عشية انعقاد المؤتمر القطري العاشر للحزب والمفترض عقده مطلع يونيو/ حزيران المقبل، وزادت الاحتدامات عما سبق في انتقالها إلى الجانب الاقتصادي الذي تعددت مظاهر التعبير عنه في الفترة الأخيرة.

ان السبب الرئيسي للاحتدام بين السلطة والمعارضة هو اختلافهما في تشخيص الواقع السوري وبالتالي عدم توافقهما بشأن الوسائل والآليات المطلوب اعتمادها في التعامل مع الواقع، الامر الذي رسخ افتراقا عبر عن نفسه في اعتقالات واستدعاءات امنية تمت ضد نشطاء وشخصيات سياسية مازالت مستمرة.

اما سبب الاحتدامات المتصاعدة داخل حزب البعث فاساسها المنافسات الجارية بين قيادات وكوادر البعث عشية المؤتمر القطري العاشر المقبل، إذ من الواضح، انه وفي ظل الارتباك القائم داخل البعث وضبابية التوجهات والاحتمالات الممكنة سواء بالنسبة لحزب البعث أو لسورية، يحاول كل طرف أو تيار داخل البعث إقامة تجانس يدخل فيه المؤتمر ليؤثر على نتائجه اللاحقة. وعلى رغم ان تعبيرات الاحتدام داخل البعث بدت واضحة في الانتخابات الحزبية لاختيار أعضاء المؤتمر القطري، فتم إبعاد بعض الشخصيات، أو تصعيد بعضها، وجرى تسريب تعليقات على هذه النتائج إلى الصحافة العربية، فقد كان لمشاركة نشرة" كلنا شركاء" السورية التي يديرها أيمن عبدالنور وهو شخصية بعثية معروفة دور كبير في التعبير عن الاحتدام داخل البعث، وخصوصا بعد ما نشر فيها من نقد لممارسات قيادات بعثية من الصف الأول اتهمها "بالتقصير والفساد وعدم الكفاءة" بينهم أعضاء في القيادة القطرية، وكذلك الأمين العام المساعد للحزب عبدالله الأحمر الشخصية الثانية في الحزب، الذي رد على ذلك النقد في مذكرة مطولة نشرتها "كلنا شركاء"، تبعها تعليق انتقادي لمحرر النشرة.

وكانت إلى جانب ما سبق تعبيرات أخرى عن الاحتدامات داخل البعث منها ما نشر بشأن افلاس مجموعة الديري الاقتصادية في حلب ونشرت اسماء لمسئولين كبار شركاء في رأس مالها بينهم عضو القيادة القطرية ورئيس الوزراء السابق مصطفى ميرو ومحافظ حمص إياد غزال، وهو امر استتبع فتح ملف فساد للمدير العام لمؤسسة الوحدة فايز الصايغ الذي انتخب حديثا عضوا في المؤتمر القطري وسط توقعات باحتمال وصوله إلى القيادة القطرية المقبلة.

والجانب الآخر من الاحتدامات السورية الصاعدة، يمثله الاحتدام الاقتصادي، وتصاعدت في الآونة الاخيرة اعتراضات من جانب رجال أعمال من الصناعيين والتجار بشأن تمييز بعض رجال المال والاعمال من ذوي العلاقة الخاصة بالسلطة، والاعتراض على الاوضاع الاقتصادية الصعبة، وعجز الإجراءات الحكومية عن معالجتها، بل ان الاحتدامات عبر عن نفسها في الاعتراض على نتائج انتخابات غرف التجارة التي تمت حديثا وتدخل الحكومة فيها، واضطرت وزارة الإعلام السورية الأسبوع الماضي إلى منع تداول العدد الأخير من مجلة "المال" التي تصدر في دمشق بسبب انتقادات وجهها رجل أعمال سوري إلى سياسيات الحكومة التي وصفها بانها "حكومة تصريف أعمال".

ان احد تعبيرات الاحتدام الاقتصادي برز عشية عقد المؤتمر الوطني الأول للصناعة السورية، حين صاغ الصناعيون للمرة الأولى مطالبا هدفها إجراء تغييرات قانونية وإجرائية في الوضع الاقتصادي، اقترنت بالتأكيد على ان المؤتمر "لن يكون مؤتمر خطابات وتسجيل حضور" في ظل ما يعانيه قطاع الأعمال السوري، وما تشهده سورية من ضغوط وتحديات من الخارج.

خلاصة القول، ان الواقع السوري يشهد احتدامات داخلية متنوعة ومتصاعدة، باتت تتطلب حركة نشطة من جانب السلطات لمعالجة هذه الاحتدامات، أو على الأقل التخفيف منها من خلال اجراءات عاجلة، تتوافق مع مطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي التي كررتها المعارضة على مدار السنوات الماضية، ومن دون المضي في هذا الخيار، فإن من شأن الاحتدامات القائمة إذا استمرت متصاعدة ومن دون معالجة، ان تفاقم الأوضاع السورية، وتدفع سورية إلى ظروف خارج السيطرة في وقت تتعرض فيه لتحديات داخلية وخارجية كبيرة

العدد 987 - الخميس 19 مايو 2005م الموافق 10 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً