العدد 986 - الأربعاء 18 مايو 2005م الموافق 09 ربيع الثاني 1426هـ

الولايات المتحدة الأوروبية... حلم جميل أم حلم مرعب؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قد يكتب التاريخ نهاية عمر الائتلاف الاشتراكي الأخضر الحاكم في برلين بعد الانتخابات التشريعية العامة المقررة في سبتمبر/ أيلول العام . 2006 ويريد المستشار الألماني غيرهارد شرودر أن يرتبط اسمه بعملية توحيد أوروبا مثلما ارتبط اسم سلفه هيلموت كول بعملية توحيد شقي ألمانيا. غير أن شرودر، وسائر قادة ورؤساء دول الاتحاد الأوروبي يتحدثون لغة مختلفة عن لغة الشعوب الأوروبية. فقد أصبحت وحدة أوروبا عرضة للشكوك عند مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يسجلون أن هذه الوحدة تسهم في إلحاق خسائر بهم عوضا عن تحقيق أرباح. ويلاحظ وجود فرق كبير بين موقف القادة الأوروبيين الذين يستخدمون عبارات شعرية في الحديث عن الولايات المتحدة الأوروبية بينما الخوف منتشر عند شعوبهم الذين يجدون أن هذه الوحدة ستؤدي إلى خسارة وظائف العمل وخفض الأجور وزيادة معدلات الجريمة ونهاية عهد الرفاهية في أوروبا الغربية.

تركيا من أبرز الأمثلة على ذلك. فوفقا لحملات استطلاع الرأي التي جرت في ألمانيا فإن غالبية الألمان يرفضون انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم أن تركيا حققت قفزة اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة فإن الألمان يخشون من تدفق العمالة التركية الرخيصة على بلدهم الذي يعيش فيه 2,5 مليون تركي. وبعد مناقشات حادة ومشادات سياسية وافق الأوروبيون في نهاية العام الماضي على تحديد موعد هو الثالث من اكتوبر/ تشرين الأول المقبل لبدء مفاوضات عضوية تركيا. ووفقا لتأكيدات المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي دعم هدف تركيا في الحصول على موعد لمفاوضات العضوية، فإن هذه المفاوضات ستستغرق سنوات طويلة. بصورة أصح لن تنضم تركيا إلى نادي المسيحيين كما كان الأتراك يقولون في السابق في المستقبل المنظور. وتم وضع شروط جديدة للأتراك. أن يجرى حل النزاع القبرصي والاعتراف بجمهورية قبرص اليونانية وكذلك تحمل مسئولية المجازر التي راح مئات الآلاف من الأرمن ضحاياها إبان العهد العثماني قبل 90 سنة.

خوف شعوب أوروبا الغربية ليس من تدفق أقارب الأتراك الذين يعيشون اليوم في ألمانيا وسائر دول الاتحاد الأوروبي لأنها واثقة من وجود قرار سياسي أوروبي بعدم فتح باب العضوية أمام تركيا في القريب، وربما سيتم التوصل لاحقا إلى حل وسط تحصل تركيا بموجبه على شراكة متميزة مع الاتحاد الأوروبي عوضا عن العضوية الكاملة. ويتهم الأوروبيون حكومة طيب رجب أردوغان بوقف عمليات الإصلاح وعدم تنفيذ شروط العضوية. في الأسبوع الماضي لعبت صحيفة "بيلد" الشعبية الواسعة الانتشار بأعصاب الألمان حين ضربت على وتر حساس. فقد نشرت مجموعة من صور عمال رومانيين وبلغار تحت جملة تقول: متعطشون للحصول على وظائف عمل الألمان. في الغضون حول الألمان نظرهم إلى رومانيا وبلغاريا وهم لا يخفون مخاوفهم من تدفق العمالة الرخيصة من العضوين الجديدين.

من جهته قال شرودر: "من يعارض وحدة أوروبا اليوم فإنه لا يتعلم من دروس الحرب العالمية الثانية". في المقابل يؤيد غالبية الألمان موقف الاتحاد المسيحي المعارض الذي لا يحذر من العضوية التركية فحسب بل يرجو المستشار الألماني العمل في تجميد عضوية رومانيا وبلغاريا. آخر ما يعير شرودر أهمية له هو رأي شعبه الذي تزداد مخاوفه من مستقبل أوروبا يوما بعد يوم. حين زار اسطنبول أخيرا دعا شرودر إلى بدء مفاوضات العضوية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في موعدها المقرر من دون الاهتمام بنتائج عمليات استطلاع الرأي. يتحدث شرودر عن وحدة أوروبا بالمستوى نفسه الذي فعله قبله هيلموت كول الذي سرعان ما غاب عن المسرح السياسي وظهرت نقمة الألمان بعد سحب المارك وتداول عملة اليورو إذ أصبحت قيمة اليورو بمستوى قيمة المارك وأدى تداوله إلى غلاء فاحش في الدول التي استبدلته بعملتها الوطنية.

في الغضون تجرى مسيرات احتجاج كل أسبوع، في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا واليونان واسبانيا تكشف أن شعوب أوروبا الغربية تشعر بالقلق على مستقبلها. ولم تعد الشعوب تسمع خطبا حماسية عن أوروبا المستقبل ولا يهمها ان نشأت سياسة خارجية أوروبية أم لا. لم تعد شعوب أوروبا الغربية مستعدة لمزيد من التضحيات وقبول تدخل المفوضية الأوروبية في بروكسل في شئونهم ومصالحهم القومية. وتشعر غالبية هذه الشعوب بأن توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي لناحية شرق أوروبا يشكل تهديدا لها. تنظر هذه الشعوب أيضا بقلق إلى شركات أوروبية كبيرة تنشئ فروعا لها في دول أوروبية شرقية كما تنقل شركات أميركية فروعها من أوروبا الغربية إلى الشطر الشرقي إذ كلفة الأيدي العاملة زهيدة. ولا تفهم شعوب أوروبا لماذا حكومات دولهم المثقلة بالديون تريد توسيع العضوية وضم أعضاء جدد يشكلون عبئا على الخزينة الأوروبية. أصبح الأوروبيون يرفضون الخطب الحماسية ويسألون حكوماتهم عما بوسعها عمله لضمان وظائف العمل ومستوى حياة أفضل للأجيال القادمة. نادرا ما انتشرت مخاوف بين شعوب دول الاتحاد الأوروبي مثلما هي اليوم.

ولاحظت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" انتشار مشاعر خوف جديدة عند الألمان من دولة السوبر الأوروبية. وأشارت الصحيفة الأسبوعية "دي تسايت" إلى ازدياد سأم الأوروبيين من مشروع اسمه أوروبا. وهم يشعرون بغضب لأن المفوضية الأوروبية تحصل على نفوذ متزايد وتتحكم في حياتهم. ويشير المراقبون إلى احتمال أن يعبر الناخبون في ولاية شمال الراين وستفاليا عن غضبهم حين تجرى الانتخابات البرلمانية في أكبر ولاية ألمانية بتاريخ 22 مايو/ أيار الجاري. كما تشير عمليات استطلاع الرأي في فرنسا إلى ضعف حماس الفرنسيين لميثاق أوروبا إذ لا تشير نتائجها إلى أن الفرنسيين سيوافقون على الميثاق حين يطرح للاستفتاء في 29 الشهر الجاري. لكن المؤكد أن ألمانيا ستوافق على الميثاق لأن البرلمان الاتحادي ومجلس الولايات ينوبان عن الشعب الألماني في التصويت عليه وهذا من حسن حظ الحكومة الألمانية.

في الغضون نسي الأوروبيون مشاعر الفرحة بنهاية الحرب الباردة التي كانت أوروبا جبهتها الرئيسية واستيقظوا على الوجه الآخر لتوسيع الاتحاد الأوروبي. ففي ألمانيا يقوم عمال بولنديون بالعمل لقاء أجور زهيدة وكذلك الحال في فرنسا ما أثار نقمة شعبية. والآن تزداد هذه النقمة عقب اتخاذ قرار بضم رومانيا وبلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي. الرأي السائد عند رجل الشارع في ألمانيا وفرنسا أن النتيجة ستكون ازدهار الدعارة وفرق الأطفال اللصوص.

يبدو أن شيراك أدرك هذا الخطأ مما دفعه إلى اجراء عملية استفتاء في المستقبل ليقول الشعب الفرنسي كلمته بشأن كل دولة ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. تشعر الشعوب الأوروبية أنها وقعت ضحية عملية خداع وتسأل كيف يمكن ضم دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي وهي شبه مفلسة يعيش فيها جيش من العاطلين عن العمل الذين ينتظرون فرصة السفر إلى الخارج؟ في العام 1958 تأسست المجموعة الأوروبية لتسهيل التعاون بين ست دول أوروبية غير أن عدد دول الاتحاد الأوروبي سيصبح في القريب 27 أو 30 دولة. على أي حال فإن شعوب أوروبا الغربية تسخر من معشر الذين يزعمون أن ميثاق الاتحاد الأوروبي سيسهم في قيام دولة اجتماعية نموذجية. "مع أوروبا أو ضدها" انه الشعار الذي يتكرر على ألسنة القادة الأوروبيين الغاضبين من شعوبهم وهو الشعار الذي يذكر بقول الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 حين قال: مع الولايات المتحدة أو ضدها. في هذه الأثناء تكشف حملات استطلاع الرأي أن الاتحاد المسيحي المعارض يتقدم في ألمانيا على الائتلاف الاشتراكي الأخضر وستكون فرصة له باستعادة السلطة في العام 2006 إذا زادت مشاعر عداء الألمان للولايات المتحدة الأوروبية

العدد 986 - الأربعاء 18 مايو 2005م الموافق 09 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً