العدد 985 - الثلثاء 17 مايو 2005م الموافق 08 ربيع الثاني 1426هـ

الموازنة العامة... كل عامين والتاريخ يعيد نفسه

ماجد كاظم البلادي comments [at] alwasatnews.com

-

جرت العادة أن تقدم الوزارات ومؤسسات الدولة تقديرا لموازناتها لكل عامين بناء على تقديرات لاحتياجاتها من المبالغ للصرف على انشطتها وخدماتها ولكن ذلك مازال يتم بطريقة تقليدية تحتاج إلى تطوير جذري للخروج عن كونها مجرد أرقام موازنة إلى خطة وطنية تحمل بين طياتها اهدافا وبرامج ومؤشرات يمكن اخضاعها للقياس وتقييم الأداء لكي يتمكن المعنيون بوضع السياسات العامة الوطنية من التعرف على مدى جدوى وفاعلية تلك الموازنات وكفاءة الأجهزة القائمة على تنفيذها ومعرفة ما حققته المبالغ المرصودة في الموازنة العامة من إنجازات.

إن مشروع الموازنة المقترحة للعامين 2005 و2006 والتي قامت الحكومة بتقديمها لمجلس النواب في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 ومازالت في مرحلة المخاض حتى الآن وكل جهة تلقي باللوم على الأخرى فمجلس النواب يلوم الحكومة على التأخير في تقديمها والحكومة وكذلك مؤسسات القطاع الخاص وحتى عامة الناس تلوم المجلس على التأخير في البت فيها واتخاذ التوصيات النهائية لإقرارها ومن الطبيعي ان تقوم الحكومة بالصرف من موازنة هذا العام من دون انتظار اقرارها من قبل مجلس النواب وإلا لما دفعت رواتب ومستحقات جميع العاملين في وزارات ومؤسسات المملكة بما فيها رواتب النواب انفسهم.

الموازنة المقترحة للعامين 2005 و2006 لم تختلف عن موازنات الأعوام السابقة إذ تقوم الوزارات والمؤسسات الحكومية بتقديم تقديراتها لعامين مقبلين بناء على زيادة أو خفض في اعتمادات العامين الماضيين فإن كان هناك عجز في بعض البنود تطلب الوزارات اعتمادات إضافية للعامين التاليين، وإن كان هناك وفر نتج عن عدم استخدام بعض المبالغ تقوم وزارة المالية بخفض اعتمادات تلك البنود لأن الوزارات لم تصرف المبالغ المخصصة بالكامل وفي ذلك اجحاف وعقوبة للوزارات التي اتبعت أساليب ترشيد الإنفاق، أما بعض الوزارات فتقوم في الربع الأخير من السنة المالية بما يشبه ماراثون الانفاق فتقوم بالصرف يمينا وشمالا لكي تثبت لوزارة المالية انها استغلت المبالغ المعتمدة كاملة بل وتتجاوزها لكي تثبت أيضا انها بحاجة إلى اعتمادات أكبر من العامين الماضيين.

حاولت الحصول على نسخة الموازنة العامة ولم يحالفني الحظ مع أن من بين مؤشرات الأداء للاقتصاد الوطني هو الإفصاح والشفافية في البيانات المالية ولكني تمكنت من التوصل إلى معلومات عامة تحتاج إلى المزيد من التحليل والبحث من أهمها ما يأتي:

هناك عجز متوقع في الموازنة العامة يقدر بمئات الملايين من الدنانير ليس للعامين الجاريين فقط بل لأعوام مقبلة تليها حتى العام 2008 أو ربما ما بعد ذلك من الأعوام إذا استمر الوضع السلبي الحالي للموازنة ولم تتخذ خطوات جذرية لمعالجته وعلى رغم احراز طفيف في الناتج الإجمالي المحلي فإن الوضع الاقتصادي لابد أن يتأثر سلبيا في جميع قطاعاته نتيجة للعجز المستمر في الموازنة وتلك نظرية اقتصادية معروفة.

وبحسب تقديرات وزارة المالية فإن العجز المتوقع في العام الجاري قد يصل إلى 136,5 مليون دينار ويرتفع من العام 2006 ليصل إلى 171,9 مليون دينار ليصبح إجمالي العجز للعامين الجاريين 308,4 ملايين دينار. ولا يقف العجز عند هذا المستوى بل يستمر التوقع في الارتفاع ليصل إلى 201,1 مليون دينار في العام 2007 و206,6 ملايين دينار في العام 2008 ليبلغ إجمالي العجز المتوقع 407,7 ملايين دينار في موازنة 2007 و.2008

الموازنة العامة يرثى لها فهي ترضخ تحت وطأة العجز الطويل المدى وإن يكن هناك إزدياد مطرد في الصرف على المشروعات العمرانية والتوسع في مشروعات البنية التحتية والخدمية ولكن وصول مستوى العجز إلى هذا الوضع من الكم والمدى الطويل أمر خطير يحتاج إلى خطط وتغييرات جذرية وصارمة لمعالجته لكي نصل على الأقل إلى توازن عام بين المصروفات والايرادات أو كما يقال أضعف الإيمان تخفيض تدريجي للعجز في الموازنة.

أحد البنود التي لها علاقة مباشرة بالعجز في الموازنة هو تقديرات إيراد قطاع النفط إذ تم تقدير سعر برميل النفط الخام بمبلغ 30 دولارا للعامين 2005 و2006 وإن ما تم تقديره للعام 2004 كان 18 دولارا للبرميل ما يثير الاستغراب والكثير من الأسئلة وأهمها ما يأتي:

1- حققت أسعار النفط ارتفاعا كبيرا في العام 2004 ليصل سعر البرميل إلى مستوى يتأرجح حول 40 دولارا مقارنة بـ 18 دولارا في إيرادات الموازنة فكيف تتم معالجة الفارق الإيجابي في الإيرادات النفطية وإلى أين يوجه، وما هو دوره في تحسين أوضاع الموازنات المقبلة؟

2- استمرت أسعار النفط الخام في الارتفاع ليصل سعر البرميل أخيرا إلى 50 دولارا فعلى أي أساس تم تقدير 30 دولارا فقط للبرميل في إيرادات العامين 2005 و2006؟

في الختام كان لي حديث مع احد أعضاء مجلس النواب سألني فيه عن نقطة جاءت في تقرير الموازنة العامة تتعلق بتوجه وزارة المالية لتطبيق تدريجي لنظام موازنة البرامج والأداء وما هو المقصود منها، فقدمت له شرحا موجزا يفيد بأن ذلك أسلوب في إعداد الموازنة العامة سبقتنا إليه الكثير من الدول وهو يقوم على إعداد الأهداف والخطط والبرامج لكل وزارة ثم تحديد أولوياتها بحسب احتياجات المجتمع واعتماد الموارد المالية للاستجابة لمتطلبات تلك الأهداف والبرامج، فعلى سبيل المثال تضع وزارة الصحة أهدافا لتحسين الوضع الصحي للمواطنين بخفض نسبة الإصابة بمرض ما مثلا إلى نسبة كذا أو تدريب القوى العاملة لكي تتوافر ممرضة أو طبيب لكل عدد كذا من السكان وتوصيل الخدمات الصحية للقرى النائية لخدمة عدد كذا من السكان في نهاية العام المالي ومن ثم يأتي دور تقييم الأداء لقياس ما حققته المبالغ المرصودة تجاه تلك الأهداف والبرامج التي اقرت بموجبها الموازنة.

تبسم الأخ النائب وقال: بما أن وزارة المالية أوردت ذلك التوجه فإن هناك بصيص أمل وأن هناك نورا في نهاية النفق، فأجبته: إن ذلك تفاؤل جيد ولكن يشترط أن يكون هناك نفق في المقام الأول

العدد 985 - الثلثاء 17 مايو 2005م الموافق 08 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً