مسألة إقامة الجمعيات السياسية البحرينية علاقات مع منظمات دولية أو حكومات أجنبية مازالت تجابه بالجدل الواسع في المجتمع. ويبدو أن هذا الجدل لن يتوقف في ضوء حال الازدواجية في التعامل التي تبديها التنظيمات السياسية قبل الحكومة.
فالمتتبع لطبيعة العلاقات المتنامية بين التنظيمات السياسية البحرينية من جهة، والمنظمات الدولية والحكومات الأجنبية من جهة أخرى منذ مرحلة ما قبل الميثاق سيجد أنها علاقة متفاوتة، ففي بعض الأحيان تتوثق هذه العلاقات، وفي أحايين أخرى تكون العلاقات حساسة، بمعنى صعوبة الإعلان عنها، أو الاستمرار فيها بسبب ما قد تسببه هذه العلاقة من إحراج للتنظيم السياسي البحريني أو للمنظمات الدولية والحكومات الأجنبية. ولذلك مازال موضوع العلاقات بين التنظيمات السياسية والخارج موضوعا غامضا، وبحاجة إلى المزيد من الشفافية قبل البحث والدراسة.
واليوم مع بدء الإصلاحات في النظام السياسي البحريني، كان من الطبيعي أن تكون هناك علاقات بين التنظيمات السياسية والمنظمات الدولية، مثل علاقة الجمعيات الحقوقية بمنظمات حقوق الإنسان العالمية. ومثل هذه العلاقات لا ضير فيها مادامت تخدم القضايا التي تتبناها منظمات حقوق الإنسان، وخصوصا أنه من المعروف أن العمل الحقوقي أصبح عملا دوليا تشرف عليه منظمات لديها مكاتب في مختلف القارات، ومن أبرزها المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة.
إلا أن الإشكال الذي يواجهه النظام حاليا يظهر في إقامة علاقات مع منظمات دولية أو حكومات أجنبية بهدف ممارسة الضغوط على الحكومة البحرينية وإرغامها على تحقيق مطالب معينة، كما هو الحال بالنسبة لمطالب التحالف الرباعي بتعديل الدستور، أو إقامة بعض التنظيمات السياسية اتصالات مع حكومات أجنبية بهدف مناقشة الموقف من الانتخابات النيابية المقبلة ،2006 وإمكان تمويلها. وتبرز خطورة مثل هذه العلاقات على أنها إقحام لأطراف أجنبية دخيلة في الشئون الداخلية للبلاد، وهذا له من الآثار السلبية الكثير.
في النوع السابق، فإنه عادة ما يتم استهجان هذه العلاقات التي يوصمها البعض بـ "الاشتباه"، إلا أن بعض التنظيمات تبدي رفضها واستياءها من ممارسة الضغوط الأجنبية على النظام السياسي البحريني من أجل القيام بالإصلاح السياسي والاقتصادي، وفي الوقت نفسه تقوم باتصالات مع حكومات أجنبية ومنظمات دولية لتحقيق بعض المطالب. ومثل هذا الموقف المتناقض يفسر لنا حال الرفض النخبوي والشعبي والتنظيمي العام الذي قوبل به المعهد الوطني الديمقراطي NDI الصيف الماضي، ثم تلاشى هذا الرفض بسرعة بعد أن أدركت جميع القوى الحاجة إلى بناء علاقة صحيحة والاستفادة من القدرات والخبرات التي يوفرها المعهد لها في ضوء عدم وجود منظمات مماثلة داخل البلاد.
وأخيرا فإنه إذا كانت هناك تحركات نحو إقامة علاقات مع جهات أجنبية بهدف التدخل في الشئون الداخلية للبلاد فهذا أمر مرفوض. أما إذا كانت العلاقة رسمية وواضحة وقائمة على التعاون وتبادل المصالح، مثل التوعية والقيام بالأبحاث وأعمال التدريب فإنه أمر غير مرفوض لأنه سيعود بالنفع على المجتمع. كما ينبغي إدارك أن رفض المبادرات الأجنبية لتطوير النظام السياسي البحريني قد لا يكون في محله في بعض الأوقات إذا تم استيعاب أن هذه المبادرات سيتم تنفيذها سواء رغبت أو تحفظت التنظيمات السياسية البحرينية عليها. على ألا تكون هذه العلاقات مشبوهة مثل علاقات إحدى مؤسسات المجتمع المدني البحرينية بشركة الأسلحة البريطانية التي مولت بعض أنشطتها خلال الأعوام السابقة
العدد 985 - الثلثاء 17 مايو 2005م الموافق 08 ربيع الثاني 1426هـ