أخبار العراق مخيفة. عشرات القتلى والجرحى يتساقطون يوميا في العاصمة والوسط والغرب. تضاف إلى العشرات حوادث متفرقة من خطف وقتل على الهوية "الطائفية" واغتيالات تطال مسئولين وأكاديميين وأبرياء. كذلك هناك تفجيرات وعمليات انتحارية ومواجهات عسكرية لا يعرف من يخطط لها ويحرض عليها.
ببساطة العراق تحول إلى ساحة مفتوحة للصراع يتقاتل فيها أهل البلد ويقتلون من جهات غير واضحة الاسم وتتردد في إعلان أهدافها وهويتها. وكذلك نجد إلى جانب هذه الحروب المتلونة في غاياتها استمرار تلك المقاومة على حذر وحياء ضد قوات الاحتلال. فالحرب ضد الولايات المتحدة مستمرة ولكنها تراجعت أمام هول تلك الحروب الداخلية التي تخاض ضد العراقيين يوميا وفي أكثر من مكان.
أخبار العراق مخيفة. والمفزع فيها أن هناك ما يشبه الإجماع على عدم تحديد نهاية لها. فكل التقديرات بشأنها غير واضحة. وكل فريق يتهم الآخر بالمسئولية. وكل جهة تحمل خصمها أنه مسئول عما يحصل. الاحتلال يتهم جيران العراق بالوقوف وراء المقاومة والتشجيع على العنف. وجيران العراق يتهمون الولايات المتحدة بأنها تتحمل مسئولية ما يحصل لأنها هي التي قررت الحرب وخاضت المواجهة واحتلت العراق وقوضت دولته وأطلقت العنف لزعزعة استقرار المنطقة الأمني.
كل فريق يتهم الآخر. حتى الجهات العراقية الداخلية تتهم بعضها وتخون بعضها وتحمل الجهة الأخرى مسئولية الفوضى. فالشيعي يتهم السني. والسني يتهم الشيعي. والعربي يتهم الكردي. والكردي يتهم العربي. والتركماني مرة هنا ومرة هناك. وهكذا تتسلسل الاتهامات وصولا إلى الجزئيات الاجتماعية والمناطقية والعشائرية.
أخبار العراق مخيفة. فهو تحول الآن إلى "جمهورية الرعب" بعد أن عاش ثلاثة عقود في ظل "جمهورية الاستبداد". والرعب الآن لا يقتصر على فئة أو طائفة كما كان عليه العهد السابق بل تحول "ديمقراطيا" إلى سياسة تتبع المساواة بين كل الطوائف والمذاهب والمناطق. فالاحتلال "الفوضى البناءة كما يقول أشرار البنتاغون" نجح في تعميم الفوضى ونشر العنف بالتساوي بين المناطق والمذاهب والطوائف.
أخبار العراق مخيفة. والمخيف الآن أن نهاية الفوضى البناءة "العنف المجاني" لا تعرف متى تنتهي. مسئول أميركي عسكري قال الأسبوع الماضي إن العراق يحتاج إلى عشر سنوات إضافية للسيطرة على العنف. ومسئول أمني عراقي قال إن جماعة الزرقاوي شارفت على نهايتها. وتعبير "شارفت على نهايتها" يعني أن الوقت غير محدد. فكل شيء له بداية ونهاية في المنطق، إلا أن تحديد الفترة الزمنية يبقى النقطة الأهم، وهذا كما يبدو لا يظهر في أفق العراق.
أخبار العراق مخيفة. والمخيف ليس ما يحصل في حاضره فقط وإنما ما يتوقع أن يحصل في مستقبله أيضا. فالمستقبل في المنظور الراهن يبدو أسوأ. والاحتمال الأسوأ يرتكز على ما يصدر من تصريحات سياسية متبادلة بين الأجنحة والأطراف والأطياف التي تتشكل منها بقايا "دولة". فالكلام الصادر عن تلك التصريحات المتبادلة يدل على ذاك الانهيار العام الذي أصاب الدولة من رأسها إلى قاعدتها. فالكلام يشير إلى لغة متداولة تنتمي إلى عصر ما قبل الدولة العراقية التي تأسست حديثا في العام .1920 فالشيعي يتحدث عن "الإخوة السنة العرب". والسني يخاطب "الإخوة الشيعة العرب". وبين الشيعة والسنة هناك الأكراد "السنة" والتركمان "السنة" وبعدهم يأتي "النصارى" الإخوة أيضا.
نظام "الأخويات" لا يبشر بالخير، لأنه ينقل اللغة من عقلانية مصطنعة إلى واقعية اجتماعية متناثرة على طوائف ومذاهب ومناطق تتقاتل على مقاعد لا قيمة تشريعية لها وتترك الاحتلال يتفرج ويسخر ويشمت ويضحك سرا لأنه نجح في تصميم استراتيجية "الفوضى البناءة".
نظام "الأخويات" يعكس فكرة التكاذب المشترك، فيصبح "الأخ" تغطية لمفردة "العدو" و"الاخوة" تعني الوجه الآخر للخصومة الأهلية التي قد تقضي في النهاية على الأخضر ولا تبقي في بلاد الرافدين سوى اليابس والجاف والمحنط.
"جمهورية الرعب" التي أسسها الاحتلال في العراق مستمرة في حصد الأبرياء في مختلف المناطق من دون تفرقة بين المذاهب والطوائف. فالجمهورية اعتمدت المساواة لتسوية العراق سياسيا على الأرض، بهدف منع قيام دولة توحد أطياف المجتمع في الأمد المنظور.
أخبار العراق مخيفة. والمخيف في تلك الأخبار أن الأنباء تشير إلى لا نهاية لتلك "الفوضى البناءة"
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 985 - الثلثاء 17 مايو 2005م الموافق 08 ربيع الثاني 1426هـ