العدد 984 - الإثنين 16 مايو 2005م الموافق 07 ربيع الثاني 1426هـ

سورية وسط تفاعل التحديات الخارجية - الداخلية

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

مازالت انعكاسات التغيير في العراق تلقي ظلالها على الوضع في سورية، ولعل الأبرز في هذه الظلال ما فرضته الحوادث العراقية من انحسار لدور سورية الاقليمي، إذ كانت سورية ذات وزن وتأثير في الواقع العراقي من خلال علاقة مزدوجة تعبيرها الأول العلاقة مع المعارضة العراقية التي نسجت علاقات مع سورية قاعدتها الخلاف مع نظام الحكم في بغداد منذ أواسط السبعينات، والتعبير الثاني علاقات مع النظام العراقي تطورت في الجانبين السياسي والاقتصادي منذ العام ،1998 وخسرت سورية علاقاتها مع النظام عند سقوطه نتيجة الحرب على العراق العام ،2003 ثم خسرت معظم علاقاتها مع المعارضة العراقية التي انتقلت الى السلطة أو قريبا منها بعد الاحتلال الأميركي وما تلاه من تطورات في الخريطة السياسية للعراق.

لقد بدل الحدث العراقي وما تلاه من علاقة المعارضين العراقيين مع سورية، فانتقلت تلك العلاقة الى حدود تتجاوز التبعية او التوافق المشترك بشأن الأوضاع في العراق ومستقبله الى قاعدة الرؤى المختلفة، التي بينت اختلاف وجهات النظر، وربما تصادم المواقف على نحو ما يبدو الامر في الموقف من الاحتلال الأميركي، ومن الانقسامات العرقية والطائفية في العراق، وفي الموقف من الكيان الكردي في شمال العراق الذي تصر الجماعات الكردية على وجوده فيما تعارضه سورية، وان كان ذلك لا يدفع للقول، ان سورية خسرت أصدقاءها في العراق، فمازال لسورية هناك بعض الاصدقاء، لكنهم لا يحددون سياساتهم بالتوافق مع السياسة السورية، او استجابة لمصالحها.

وإذا كان للموضوع العراقي مثل هذا التأثير على الموقع الاقليمي لسورية، فقد كان للموضوع اللبناني تأثير سلبي بدا أكثر عمقا، ذلك ان تأثير سورية ووجودها في لبنان كانا أكثر ثقلا بفعل ما بين البلدين من علاقات تاريخية تضاف الى الوجود السوري العسكري والأمني هناك والمرتبط بعاملين مشتركين ومتناغمين اولهما طول مدة الوجود السوري هناك، والثاني تأثيره على كل جوانب الحياة اللبنانية في السياسة والاقتصاد والمجتمع.

لقد اعترف الرئيس بشار الأسد باخطاء للسياسة السورية في لبنان، وهو امر ايجابي من شأنه ان يساهم في اعادة تأسيس العلاقات السورية - اللبنانية على قواعد افضل وأكثر صحة، وكي يستكمل هذا الاعلان ايجابيته، يستحق الامر الذهاب الى الكشف عن جوانب الاخطاء وتجلياتها من جهة ومحاسبة القائمين عليها من جهة ثانية، ثم تصحيح ما ترتب عليها من مظالم للشعب اللبناني، اذا كانت ثمة مظالم ترتبت على الاخطاء.

ولاشك، أن المضي في استكمال هذا المسار، سيؤكد ان سورية، لا تعترف باخطائها فقط وهو امر ضروري لسياسات واضحة وجدية، بل انها تذهب للاستفادة من الاخطاء التي جرى ارتكابها في ظروف وشروط ومواقع معينة، وهو ما يمكن ان يولد نمطا جديدا في السياسة السورية يقويها ويعطيها المزيد من التأثير والصدقية، وخصوصا في ظرف تتعارض فيه السياسة لتحديات داخلية وخارجية مزدوجة ومترابطة، ما يفرض اصلاحا سياسيا، يمثل الاعتراف بالاخطاء وتصحيحها والتعلم منها خطئا عمليا وملموسا.

ان موضوع مؤتمر حزب البعث الحاكم يمكن ان يكون مثالا عن الاخطاء السياسية وإصلاحها. ذلك ان المشكلات التي تواجه سورية في المجال الداخلي واحدة من ثمار النهج الذي اتبعه الحزب في خلال وجوده في السلطة منذ العام 1963 في إقامة نظام شمولي استئثاري، حاول بعثنة المجتمع في شعارات محددة من دون ان يكلف نفسه الوقوف بين وقت وآخر للنظر في الوقائع التي تمخضت عن حكمه لسورية طوال أكثر من أربعين عاما الا تحت ظروف غالبة وتطورات اقليمية ودولية تضغط على سورية وعلى عموم المنطقة.

واذا كانت الظروف والتطورات الاقليمية المحيطة بسورية، تدفع الى تغييرات فمن المهم محاولة رؤية محتوى ومضامين ومستويات هذه التغييرات، وصوغ اسئلة جديدة، تعكس الاجابة عليها عقلية السلطة التي تدير سورية تحت اسم وشعارات حزب البعث، مثل القول، اذا كان مؤتمر الحزب سيمهد لعملية اصلاح سياسي يتضمن حريات شخصية واجتماعية واعلامية للسوريين، وتأكيدا للحقوق الديمقراطية على قاعدة دولة الحق والقانون، إصلاح يتضمن اعترافا بحق الاحزاب والجمعيات المختلفة في الوجود والنشاط والتعبيرات عن نفسها وتمثيلاتها؟

قد يسعى البعث الى ضم احزاب جديدة الى الجبهة الوطنية التقدمية، وقد يغير شعاراته او اسمه في خلال مؤتمره القادم، لكن المهم هو مضمون هذا التغيير، بحيث يكون ملموسا فيه توافر الارادة السياسية التي تتجاوز ما خلفه أكثر من اربعين عاما من حكم الحزب الواحد في ظل قانون الطوارئ والاحكام العرفية، ان توافرت تلك الارادة خروجا من نهج الاستئثار بالسلطة واحتكارها الى نهج المشاركة في السلطة والتداول عليها. عند ذاك فقط يمكن القول، ان الحزب والسلطة في سورية يتغيران ويسيران بالسوريين نحو مستقبل افضل يخرج من تراكمات ما سبق، ويفتح الأبواب لمواجهة التحديات القائمة والمستقبلية

العدد 984 - الإثنين 16 مايو 2005م الموافق 07 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً