العدد 984 - الإثنين 16 مايو 2005م الموافق 07 ربيع الثاني 1426هـ

اشتراك في القافية... واختلاف في الذات الشاعرة

لامية الطغرائي ومعارضاتها في شعر الوائلي "2-3"

جامعة البحرين - أنيسة منصور 

تحديث: 12 مايو 2017

ان من أبرز أدبيات المعارضة الاشتراك في القافية، إذ توفر القصيدة المرجع رصيدا من القوافي يسهل عملية اختيار الروي، ويمكان الشاعر الثاني من توفير الكثير من الجهد والوقت. وتعد القوافي الموحدة أهم مظاهر القصيدة العمودية، وأكبر تحدياتها.

وهيأت لامية الطغرائي للوائلي 59 قافية هي عدد أبياتها، فاستعار منها 17 قافية وهي عدد القوافي المشتركة بينهما، فإذا وضعنا في اعتبارنا أن عدد أبياته 24 بيتا نجد أن حوالي 71 في المئة من قوافيه قد استعارها من القصيدة الأم، أي ما يقرب الثلثين، وهذا أمر مألوف في مجال المعارضة.

التصرف في بعض الدلالات

وبطبيعة الحال فالوائلي لم يتقيد بترتيب القوافي الأصلي فأنزلها في المواضع التي تتناسب ومعانيه. كما تصرف في بعض دلالاتها. إلا أن الكثير منها أخذه بمعناها وبالصيغة نفسها التي وردت عليها، من ذلك لفظة "الذبل" فقد وقعت قافية للبيت السادس في قصيدة الطغرائي:

طال اغترابي حتى حن راحلتي

ورحلها وقرا العسالة الذبل

وعنى بالذبل الرماح الدقيقة المهتزة، واستعملها استعمالا مجازيا، فجعلها تشعر بالغربة بسبب طول فترة البعاد. أما الوائلي فاستعملها بالدلالة نفسها في البيت ،21 وزرعها في سياق مجازي أيضا، ولكنه كنى بها عن الجهاد الذي خاضه العرب والمسلمون لتأسيس دولتهم، فكانت إحدى وسائل قوتهم:

نحن الذين بنينا كل مكرمة

بالعلم طورا وطورا بالقنا الذبل

ومن القوافي التي تصرف فيها الوائلي بتغيير دلالتها لفظة "كلل" الواردة في بيته الثالث عشر، وأتت بمعنى التعب أو التواني، ونفاها عن عمال المصانع الذين زار بلادهم، وكانوا مثلا للجد والمثابرة وجعلهم مثالا يحتذى في دعوته للنهوض:

ففي المصانع أقوام لهم لجب

يثابرون بلا عجز ولا كلل

وأتت المفردة نفسها في القصيدة الأم في البيت الثامن والعشرين بصيغة جمع "الكلل" وهي ستر رقيق يقي من البعوض وأوردها في سياق الغزل:

ولا أخاف الصفاح البيض تسعدني

باللمح من خلل الأستار والكلل

كما غير الدلالة في لفظة "جدل"، وأتى بها بمعنى الجدال والخصام:

يا آل عدنان والدنيا مغالبة

ضيعتم الوقت في لغو وفي جدل

أما الطغرائي فاستخدمها بمعنى الحبل المصنوع من إدم أو شعر والمحكم الفتل والذي يوضع في عنق البعير:

فادرأ بها في نحور البيد جافلة

معارضات مثاني اللجم بالجدل

تنكير المعرفة

وأكثر ألوان التصرف عند الوائلي تنكير المعرفة وتعريف النكرة. ومن النوع الأول قوله في وصف الشعوب العاملة الكادحة:

فهم بعيش رغيد قابضون على

أزمة الكسب من مال ومن خول

ومفردة "خول" أتت محلاة بـ "أل" في قصيدة الطغرائي:

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا

يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ومن النوع الثاني لفظة "البطل" في قوله:

والماجد الحر إن عزت مطالبه

جرى إليها بعزم الباسل البطل

وأتت اللفظة نفسها نكرة في القصيدة الأم:

وعادة النصل أن يزهى بجوهره

وليس يعمل إلا في يدي بطل

وقد يستعير الوائلي عبارة في مقام القافية ويضعها في السياق الذي يتواءم ومعانيه:

هذا الجهاد الذي جدو به وبنوا

مجدا فما بالنا "نمشي على مهل"

فقد استخدم تركيبا من ثلاث مفردات، استعاره من قول الطغرائي ونقل الصيغة من حالة الإفراد إلى حالة الجمع كأثر من آثار الفخر الجماعي:

تقدمتني أناس كان شوطهم

وراء خطوي إذ "أمشي على مهل"

ومن عبارات المقطع التي استعارها، وغير فيها صيغة المصدر، ووضعها في إطار ينسجم ومعانيه وهي لفظة "نجواه" في قوله:

الله يعلم أني لم أقل شططا

والحر من صان "نجواه عن الزلل"

ووردت اللفظة نفسها في القصيدة المرجع بصيغة المصدر الميمي:

ويا خبيرا على الأسرار مطلعا

اصمت ففي الصمت "منجاة من الزلل"

كما استعار الوائلي تركيبا من لفظتين وأبقاهما كما هما. والتركيب عبارة مكونة من جار ومجرور، واحتفظ بهما كما وردت في الأصل:

ألستم ذروة في المجد قام لها

صرح العدالة وضاحا "على القلل"

وأتت عند الطغرائي في سياق الحديث عن الحبيبة:

تبيت نار الهوى منهن في كبد

حرى ونار القرى منهم "على القلل"

لقد تأثر الوائلي بقصيدة الطغرائي واستلهمها، وهو وإن أخذ منها، إلا إن شخصيته بقيت بارزة وعطاءه فيها ظاهر.

الضـمير

الضمير عنصر فاعل في تجسيد تجربة الشاعر وفي بيان دلالتها وخصوصيتها. ويسيطر على القصيدة الأم ضمير المتكلم، فالذات عند الطغرائي، وعلى امتداد القصيدة، بارزة وجلية. جسدت حالة المعاناة التي عاشها، ومشاعر الإحباط والغبن إزاء الزمن الذي يعبث بأقدار الناس فيقدم من لا يستحق، ويؤخر من هو أولى. وقادته تلك التجربة إلى استخلاص العبرة، وتقديمها للمتلقي ما جعل ضمير الخطاب يبرز في مرتبة تالية بعد ضمير المتكلم وأتى ضمير الغياب متأخرا عنهما، ويظهر ضمير المتكلم المفرد منذ البيت الأول:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

أما قصيدة الوائلي فهي تخالفها، إذ يسيطر ضمير الخطاب ويمتد في جسد القصيدة، يليه ضمير المتكلم بلونيه المفرد والجمع. وتعليل ذلك أن الوائلي جعل قصيدته خطابا جماهيريا رمى من ورائه إلى إيقاظ الهمم، وشحذ العزائم، وحفز المتلقين ودفعهم إلى الاستيقاظ والنهوض، ولا نستبعد أن هذا الضرب من الأدب كان يلقى على جمهور حاضر وحاشد. ومن البيت الثاني يسيطر ضمير الخطاب المفرد:

العلم نور فخذ من ضوئه قبسا

يهديك في هذه الدنيا إلى السبل

وفي البيت الثامن عشر يعول على أسلوب مخاطبة الجمع:

ألستم ذروة في المجد قام لها

صرح العدالة وضاحا على القلل

وفي البيت الذي يليه يحدد المخاطب بقوله:

يا آل عدنان والدنيا مغالبة

ضيعتم الوقت في لغو وفي جدل

فوسع دائرة الخطاب وجعلها تشمل العرب كافة. وبطبيعة الحال فإن هذا اللون من الخطاب يتسق وتوجه الشاعر الإصلاحي لأن النهضة الحقيقية إنما تقوم على أكتاف الجماهير.

في مرتبة تالية يبرز ضمير المتكلم وهو أيضا يتدرج من متكلم مفرد:

قد قال قبلي فـذ في بلاغـته

مبرأ العقل من زيغ ومن خطل

أنا الذي جبت أقطارا رأيت بها

أبناء حواء من حاف ومـنتعل

بروز الذات

فالذات تبرز هنا من خلال قدرتها على استثمار المعرفة المكتسبة عن طريق ثقافتها، ومن خلال مشاهداتها وملاحظاتها لصالح التوجه الإصلاحي، ثم يندمج ضمير المفرد المتكلم مع محيطه ويندس في ثنايا قومه فيستخدم الشاعر ضمير الجمع المتصل "نا" في "أيامنا" فيغدو جزءا ملتصقا بأمته:

ضيعتم الدين والدنيا معا فمتى

يعود ما فات من أيامنا الأول

وفي مجال الفخر يعمد الوائلي إلى استعمال ضمير الجمع المنفصل "نحن" فيبقى جزءا بارزا من كل، ولكن ضمن إطار الالتصاق يدل على ذلك الضمير "نا" في "بنينا":

نحن الذين بنينا كل مكرمة

بالعلم طورا وطورا بالقنا الذبل

ويختم الوائلي قصيدته بضمير متكلم مفرد يؤكد من خلاله سلامة رؤيته، وصدق نصيحته، فتتفرد الذات عن المجموع في ارتقائها عن المنصوح إلى مستوى الناصح المخلص السليم البصيرة:

الله يعلم أني لم أقل شططا

والحر من صان نجواه عن الزلل

أما ضمير الغياب فيتضاءل حجمه، وكأن الشاعر ينطلق من الواقع الملموس، ويتجنب من لا يراه ومنه واصفا الإنسان الحر صاحب الإرادة القوية والعزم الشديد والذي ربما كان غائبا عن واقع الشاعر:

القلب يدفعه والعقل يمنعه

من أن يبيت على جسر من الوجل





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً