العدد 983 - الأحد 15 مايو 2005م الموافق 06 ربيع الثاني 1426هـ

لبنان وطوائفه

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أثار بيان مجلس المطارنة الموارنة منذ صدوره يوم الأربعاء الماضي "11 مايو/ أيار" ردود فعل سلبية ومخاوف من الطوائف اللبنانية الأخرى. فالبيان كشف عن خلل فاضح في رؤية الجماعات الأهلية لمستقبل الدولة وتوازناتها وأظهر إلى العلن ذاك الاختلاف بين المجموعات التي يتكون منها البلد. البيان عبر عن مخاوفه وفي الآن آثار مخاوف. فالمخاوف المارونية أشارت إلى

نوع من الاعتراض على اللوائح الانتخابية التي تغلب على مناطقها "محافظات أو أقضية" أرجحية إسلامية ويوجد فيها مجموعات مسيحية تحرم من حق اختيار من يمثلها بعيدا عن تأثير تصويت المسلمين. والمخاوف الإسلامية تركزت على معنى هذا البيان وغاياته من إثارة حساسيات في مناطق تختلط فيها الطوائف والمذاهب ومن الصعب فرزها إلى هويات ضيقة في فترة يبحث لبنان عن الجوامع المشتركة.

انطلق بيان المطارنة من حسبة عددية تقول إن اتفاق الطائف أعطى المسيحيين 64 مقعدا في المجلس النيابي لكن المسيحيين ينتخبون 15 نائبا منهم بينما يلعب الصوت المسلم دوره في ترجيح الاختيار في المقاعد الأخرى. وبرأي البيان أن هذه القسمة غير عادلة ويجب تعديلها حتى تصبح المجموعات المسيحية تنتخب من يمثلها.

هذا الكلام الانتخابي أثار ردود فعل سياسية وحساسيات طائفية تدخل العقلاء لضبطها حتى لا يعود لبنان إلى المتاريس. إلا أن ضبط الانفعالات فتح الباب أمام تفسيرات أقلقت الكثير من المراجع السياسية. فهناك من اعتبر البيان دعوة للتقسيم. وهناك من رأى فيه بداية فرز طائفي للمناطق التي لاتزال تتمتع بوجود متنوع من المذاهب والأديان. وهناك من ذهب للقول إنها دعوة مبطنة لنظام فيديرالية الطوائف "كل طائفة تدير شأنها في نطاق جغرافي محدد".

قد تكون كل هذه التفسيرات غير صحيحة أو تحتاج إلى معلومات دقيقة قبل الحكم عليها. إلا أن منطق القراءة افترض مثل هذه الشروحات لفقرات البيان المشحونة بالتوتر والتهديد والوعيد.

منطق القراءة يكشف عن وجود خلل في الذهنية السائدة في لبنان ربما يعكس حسابات غير مضبوطة للمواقف الدولية والإقليمية. فالمنطق السياسي يشير إلى وجود استحالة ميدانية/ انتخابية لتطبيق هذا المطلب التعجيزي وخصوصا أن لبنان يقوم على طائفية توزيع المقاعد والمناصب والدوائر ويصعب تجاوز نظام الحصص "الكوتا" قبل إلغاء الطائفية السياسية وفتح أبواب المناصب العليا على التنافس الحر ومن دون اشتراط المذهب أساسا للاختيار. فالمشكلة قائمة في النظام الذي تتلخص وظيفته في حماية التخلف السياسي وإعادة إنتاج آليات تضمن توزيع الحصص بين الطوائف كما تنص "الكوتا".

بيان المطارنة بدأ من المكان الخطأ واراد معالجة مشكلة التمثيل "الاختيار والتصويت" من دون التصدي للإطار العام وهو أن الدولة نفسها تقوم على دستور يضمن نسب الطوائف. وبما أن الوجود المسيحي منتشر مناطقيا وكذلك الوجود الإسلامي فإن إمكانات فرز المقاعد وفق تراتب يقفز فوق الطوائف والمذاهب والمناطق مسألة مستحيلة. وشرط نجاحها الوحيد لتصبح قابلة للتحقق ميدانيا هو عودة الحرب إلى كل لبنان وقيام كل طائفة كبيرة في منطقة بطرد الطائفة الصغيرة، ومن ثم يقوم كل مذهب سائد في محافظة أو قضاء بطرد المذاهب الأخرى ليصبح هو الطرف الوحيد المسيطر على منطقته.

هذا النوع من الفرز الميداني يحتاج إلى سلسلة حروب ومجازر تضغط على الآخر للنزوح إلى مناطق يغلب عليها اللون الواحد. هذا هو الشرط السياسي لتنفيذ الحسبة العددية الانتخابية التي طرحها بيان المطارنة الأربعاء الماضي وغير ذلك سيبقى المسيحي في المناطق المختلطة من أقضية ومحافظات ينتخب أو يختار المرشح المسلم مقابل أن يستمر المسلم في المناطق المختلطة الأخرى ينتخب أو يختار المرشح المسيحي. المناطق اللبنانية المختلطة لاتزال على رغم الحروب الممتدة في البلاد هي الغالبة في الجنوب أو البقاع أو الشمال أو بيروت أو النصف الجنوبي من محافظة جبل لبنان. فقط النصف الشمالي من الجبل يتمتع بغالبية مسيحية "مارونية تحديدا" إضافة إلى بعض أقضية محافظة الشمال "بشري وزغرتا".

منطق بيان المطارنة أثار المخاوف وأسهم في طرح أسئلة متوترة عن معنى قيام فيدرالية طوائف في ظل مشروع أميركي يرمي إلى تقويض منطقة "الشرق الأوسط". والأجوبة في النهاية تحتاج إلى معلومات لقراءة حيثيات البيان ودوافعه في لحظة تسيطر عليها هواجس الفتن ومخاطر الاضطرابات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 983 - الأحد 15 مايو 2005م الموافق 06 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً