يتناول المقال الذي بين يديك جانبا من الكلمة التي شاركنا بها في ندوة إصلاح سوق العمل التي استضافتها جمعية المهندسين البحرينية بتاريخ 12 مايو/ أيار الجاري. تكمن أهمية الكتابة عن الموضوع في ضوء إرسال الحكومة مشروع قانون هيئة تنظيم سوق العمل إلى البرلمان من أجل تصديقه. بدورنا نرى أن عملية إصلاح سوق العمل تتضمن الكثير من الإيجابيات تستحق الوقوف عندها ومناقشتها.
أولا: الاعتراف بوجود مشكلات البطالة ونقص التشغيل والأجور
تشير الدراسات المرتبطة بمشروع إصلاح سوق العمل إلى وجود أزمة بطالة في البحرين، إذ يعتقد أن هناك نحو 20 ألف فرد بحريني عاطل عن العمل يمثلون 16 في المئة من صفوف القوى العاملة البحرينية. والأسوأ من ذلك أنه يخشى أن يرتفع عدد العاطلين إلى 70 ألف مواطن في العام ،2013 ما يعني أن نسبة البطالة ستبلغ 35 في المئة من القوى العاملة البحرينية.
يرى القائمون على مشروع إصلاح سوق العمل أن هناك حاجة إلى إيجاد 8 آلاف وظيفة جديدة سنويا في الاقتصاد البحريني للداخلين الجدد فضلا عن توفير ألفي وظيفة أخرى للعاطلين حاليا حتى يتسنى القضاء على البطالة في غضون عشر سنوات.
أيضا تشير الدراسات إلى ظاهرة البطالة المقنعة أو نقص التشغيل والتي بدورها تزيد من عمق الأزمة، إذ تؤكد أن نحو 15 في المئة من المنضمين الجدد لسوق العمل قبلوا بوظائف أقل من مهارتهم في الفترة ما بين 1990 و.2002 بيد أنه يتوقع أن ترتفع النسبة إلى 70 في المئة من المنضمين الجدد للسوق في العام .2013
فيما يخص الأجور تؤكد الأرقام أن متوسط الأجور في هبوط، إذ انخفض بنسبة 16 في المئة في الفترة ما بين 1990 و2002 وتحديدا من 420 دينارا إلى 352 دينارا شهريا. بيد أنه يتوقع أن تنخفض الرواتب مرة أخرى بواقع 11 في المئة في العام .2013 طبعا يتوقع أن يحدث كل ذلك في حال عدم إجراء تغييرات في سوق العمل.
ثانيا: إزالة القيود عن عمل القطاع الخاص
يؤكد مشروع إصلاح سوق العمل منح القطاع الخاص مجموعة من المزايا حتى يتسنى له أخذ زمام المبادرة في الاقتصاد. وتشتمل هذه المزايا على إعطاء مؤسسات القطاع الخاص حرية توظيف وتسريح من تشاء وإلغاء مبدأ البحرنة والتخلص من مختلف القيود الرسمية الأخرى. المعروف أن القطاع الخاص ومنذ فترة يطالب بالحصول على الحرية الاقتصادية.
يتمثل التصور الموجود في أن هذه الإجراءات ستسهم في إحداث كفاءة وفاعلية في سوق العمل، ما يعني تحقيق نمو في الاقتصاد الأمر الذي يعني بالضرورة إيجاد وظائف جديدة. وهنا يأتي دور الرسوم المقترحة على العمالة الأجنبية حتى يحصل المواطنون وليس الأجانب على الوظائف الجديدة المزمع إيجادها عن طريق تحريك الاقتصاد. وعليه، تم إقرار فرض رسوم على العمالة الأجنبية العاملة واستخدام جزء من هذه الأموال المحصلة في تدريب وتأهيل البحرينيين وخصوصا ذوي المهارات المتدنية.
ثالثا: المرونة في فرض الرسوم
استنادا إلى المقترح الأصلي للمشروع من المفترض أن يبدأ تنفيذ الرسوم على النحو الآتي: ابتداء من العام 2006 يبلغ حجم الرسوم على العمالة الأجنبية 35 دينارا شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 10 دنانير لرسوم العمل". أما في العام 2007 فإن المبلغ سيرتفع إلى 50 دينارا شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 25 دينارا لرسوم العمل". وسيرتفع المبلغ مرة أخرى في العام 2008 إلى 75 دينارا شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 50 دينارا لرسوم العمل". وأخيرا سيستقر حجم الرسوم في العام 2009 عند 100 دينار شهريا "25 دينارا لتغطية رسوم الدخول أو التجديد زائدا 75 دينار لرسوم العمل". بمعنى آخر: فإن الرسوم المفروضة لتوظيف كل عامل أجنبي ستصل إلى ألف ومئتي دينار سنويا بدءا من العام .2009 ويرى القائمون على المشروع أن من الحكمة رفع كلفة العمال الأجانب بغرض مساواة الكلفة مع المواطنين حتى تتم المنافسة بين البحرينيين والأجانب على أساس الكفاءة.
ويلاحظ أن الخطة تقتضي إجراء زيادة سنوية على الرسوم الشهرية حتى يتسنى للمؤسسات تعديل ظروف العمل وأوضاعها المادية. يذكر أن مشروع القانون المرسل للبرلمان لم يشر إلى موضوع الرسوم وتواريخ تنفيذها، إذ جعل ذلك من صلاحية هيئة تنظيم سوق العمل.
رابعا: العمل على تقليص العمالة الأجنبية
يوجد سبب وجيه للتقليل من العمالة الأجنبية في البلاد وهو سيطرتهم على الوظائف. يبلغ حجم القوى العاملة في البحرين 321 ألف عامل. يشكل المواطنون 125 ألف عامل أي 39 في المئة من العدد الكلي للقوى العاملة والباقي وعددهم 196 ألف شخص هم من الأجانب يشكلون 61 في المئة من المجموع. من جهة أخرى يوجد في البحرين نحو 269 ألف فرد أي 38 في المئة من السكان. وتوصلت الدراسات المتعلقة بمشروع إصلاح سوق العمل إلى معادلة مفادها أن كلفة كل فرد أجنبي يعمل أو يعيش في البحرين تبلغ 40 دينارا شهريا. هذه الكلفة يتحملها المجتمع أو الاقتصاد البحريني عن طريق استخدام أو سوء استخدام المرافق العامة.
خامسا: تقديم المساعدة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
يؤكد المشروع تقديم المساعدات المالية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بواسطة صندوق العمل. حقيقة يهدف صندوق العمل إلى القيام بمبادرات وبرامج لمساعدة هذه المؤسسات على التكيف مع الوضع الجديد ودفعها في التركيز على أنشطة ذات قيمة مضافة بشكل أفضل. على كل حال ربما يكون من صالح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التركيز على استخدام التقنية أو حتى التفكير في الدمج.
سادسا: وضع ضوابط لعمل هيئة تنظيم سوق العمل
ينص قانون تنظيم سوق العمل على أن يقوم أعضاء الهيئة بالتشاور مع الجمهور والجهات المعنية قبل إصدار أية أنظمة أو لوائح. كما ينص القانون على قيام مدقق أداء خارجي بمراجعة أداء الهيئة كل ثلاث سنوات للتأكد من تنفيذها عملها بالشكل المطلوب. فضلا عن ذلك، سيتولى مدقق خارجي آخر تدقيق حسابات الهيئة. ولغرض محاربة الفساد المالي وضمان الشفافية ينص القانون على إفصاح أعضاء الهيئة عن ذممهم المالية قبل وبعد ترك العضوية أو عند التجديد لهم مرة كل ثلاث سنوات.
ختاما، قد يختلف المرء مع بعض تفاصيل مشروع إصلاح سوق العمل مثل فرض الرسوم على العمالة الأجنبية. لكن في الوقت نفسه لا يمكن للمراقب المنصف تجاهل أهمية مستقبل سوق العمل في البلاد، إذ إن إهمال الموضوع سيعني بالضرورة تفاقم مشكلة البطالة، وقد تؤدي البطالة فيما لو تركت من دون حل إلى تقسيم المجتمع البحريني إلى جزأين أحدهما عامل والآخر عاطل، الأمر الذي يهدد وحدة كيان المجتمع بأسره
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 981 - الجمعة 13 مايو 2005م الموافق 04 ربيع الثاني 1426هـ