قرأت بإمعان التصريح الذي أعلن في الصحافة على لسان رئيس مجلس إدارة الأوقاف الجعفرية لـ "الوسط" بشأن "عرض عشرة ملايين دينار على إدارته، مقابل الأراضي التي صودرت منها، على أن تكون الملايين العشرة على شكل موازنة سنوية بواقع مليون دينار لكل عام"، ولي هنا ملاحظات على هذا الخيار.
أولا: لا يجوز لأحد شرعا أن يبت في قضية مهمة وخاصة تمس الأوقاف الجعفرية كعوض عن ممتلكات بلا غطاء شرعي في الموضوع، ذلك أن الشرع يركز على عدم تضرر مصالح الوقف، وحتى الفقيه ليس بإمكانه البت في موضوع كهذا ما لم يوضع في الصورة لجميع ملابسات الوقف ودقائقه من ناحية موضوعية وواقعية وعلمية حتى يتمكن من تشخيص المصلحة، وذلك لا يكون إلا بوجود لجنة مشكلة من اختصاصيين واقتصاديين ومستثمرين ذوي خبرة يعطون تقريرا علميا مرقما لمعرفة مقدار الخسائر والربح.
ثانيا: يجب التعاطي مع الوقف بذهنية فقهية وكذلك اقتصادية بعيدا عن العواطف، لأنك تتعاطى مع مؤسسة لها بعد وقفي وبعد اقتصادي ومؤسسة أهملت سنين طويلة وكانت محل أعين كثيرة وتعرضت مصالحها لخسائر كثيرة، فلا يتعاطى معها بـ 10 ملايين قبال أراض أخذت... هكذا تطلق المسألة في الهواء.
ثالثا: يجب أولا رصد عدد الأراضي التي أخذت من قبل أي منتفع من الحكومة أو غير الحكومة وكم مساحتها وما المدة الزمنية التي بقيت فيها عند الآخذ وأين تقع وكم كانت الاستفادة منها طيلة مدة الأخذ، وما أسعار الاراضي؟ فأرض في السيف مثلا تختلف عن أرض في قرية نائية بجوار مقبرة، ولابد من وجود متخصصين حياديين غير محسوبين على الحكومة يتم التوافق عليهم لتشخيص كل هذه المسائل، أما القبول بعشرة ملايين هكذا فذلك إجحاف لحق الوقف، ولا تعدو أن تكون قسمة ضيزى.
هناك أراض اقتطعت من قبل وزارات، وهناك أراض ضاعت مع الريح يجب البحث عنها، وهناك أراض بل مئات الأراضي مسجلة في سجل السيدعدنان الموسوي بسبب قرار محكمة التمييز، توقف تسجيلها وللأسف، ونحن اشتغلنا في مشكلات هذا المأتم وذاك المسجد وهذا الموكب. من هو يخرج قبل الثاني وهذا يستفز ذاك وذاك يستفز هذا على البيضة والدجاجة، ونسينا خطورة الوضع لأوقاف الإمام الحسين "ع". في الحقيقة، كلنا نحمل عتابا كبيرا على الحكومة البحرينية، فعلى رغم كل الكتابات التي كتبتها عن الإهمال والتجاوزات في الأوقاف الجعفرية طيلة العامين الماضيين وعلى رغم الأعباء التي قامت بها لجنة الدفاع عن الوقف، على رغم ذلك لم تقم الحكومة البحرينية بأية خطوات عملية تصحيحية حتى شعرنا جميعا أن هذه المؤسسة خارجة عن اهتمام الحكومة على رغم أهميتها وعلى رغم ما تملكه من ممتلكات وأموال وأراض وعقارات.
لقد سعدنا عندما ذهب ديوان الرقابة إلى الأوقاف ومكث ثلاثة أشهر في مراجعة بعض التجاوزات وحصلنا على تقرير الديوان الذي بدوره عزز ما كتبناه، وهذا الموقف عكس جزءا من الاهتمام لكنا لم نر بعد ذلك قرارات في هذا الأمر، لذلك الكل يتساءل إلى متى ستبقى هذه المؤسسة عرضة للرياح، وليس صحيحا ما ردده البعض من أن أي تغيير إصلاحي للمؤسسة سيفهم منه أن الحكومة رضخت لأطروحات اللجنة الشعبية أو لكتابات الصحافة. هذا الطرح خاطئ... هذه المؤسسة أصبحت في مهب الريح وتمت فيها تجاوزات ومحسوبيات وأخطاء إدارية أيضا، فلابد من تصحيحها لأن الناس أصبحوا يقولون: لماذا يتم إهمال التصحيح لمؤسسة بهذا الحجم وبهذه الأهمية؟ أتمنى أيضا من العلماء التنسيق في طرح أية ملاحظات عن الوقف مع اللجنة الشعبية للدفاع عن الوقف في طرح أي تصور وخصوصا أن المعلومة لها مدخلية في طرح التصورات.
ارتفاع أسعار أراضي الوقف - بعد كل ما كتب - جعل الجميع يشعر بثمار العمل الذي قامت به اللجنة، وقد ذكرت الصحافة ارتفاع الأراضي وتأجيرها بشكل كبير، وهذا في النهاية صب في خدمة أوقاف الإمام الحسين. أتمنى من المجتمع المدني ومن المآتم ومن المجتمع التعامل بشكل أفضل مع اللجنة، ومواصلة دفع هذا الملف حتى يتم إنجاحه.
إذا، تعويض عشرة ملايين دينار مقابل الأراضي المصادرة يجب أن تخضع لدراسة علمية قبل أي شيء. أقول لأي محبط من أن متابعة ملف الأوقاف لن تجدي نفعا: إن ارتفاع أسعار الأراضي مع خيار التعويض مع ذهاب ديوان الرقابة إلى الأوقاف وإقراره ببعض الأخطاء في تقرير رسمي هي ثمار لهذا الجهد، ولكن يجب أن ندقق في الخيارات. علينا طرق الباب والمواصلة وتعليق الجرس، فالإصلاح في هذه المؤسسة قادم، إن لم يكن اليوم فغدا.
ملاحظة:
بعد كتابة هذا المقال رأيت تعليقا من رئيس الأوقاف، وبغض النظر عن التفاصيل سواء أكانت الأراضي متداخلة أو مصادرة الكلام في مسألة التعويض، فلابد من دراسة فقهية اقتصادية عن تناسب المبلغ مع قيمة الاراضي.
وهل من الإنصاف أن تبقى الأوقاف لمدة عشر سنوات تنتظر اكتمال المبلغ؟ ولو سلمنا جدلا أن المبلغ المعوض يتناسب مع قيمة الأراضي، فهل يوجد في دائرة الأوقاف الجعفرية فريق اقتصادي ذو عقلية استثمارية يستطيع التعاطي مع هذا المبلغ، بما يصب في مصلحة الوقف اقتصاديا؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 979 - الأربعاء 11 مايو 2005م الموافق 02 ربيع الثاني 1426هـ