العدد 979 - الأربعاء 11 مايو 2005م الموافق 02 ربيع الثاني 1426هـ

المفارقة العربية - اللاتينية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اختتمت أمس القمة العربية - اللاتينية في برازيليا برعاية ومبادرة من الرئيس البرازيلي لويس لولا داسليفا. فالرئيس لولا أراد من القمة إرسال إشارة إلى الدول الكبرى بوجود قوى أخرى في هذا العالم تملك من عناصر القوة ما يعطيها ميزة لتكون في موقع الريادة في صنع المستقبل. وأراد أيضا أن يقول إن القمة ليست تكتلا ضد أوروبا أو الولايات المتحدة وإنما هي رسالة تحاول التأكيد على مبدأ الاستقلال والاعتماد على النفس.

المشكلة ليست في قراءة الرئيس لولا وطموحه لبناء مستقبل مشترك. المشكلة في الدول العربية التي لم تكتشف هذا الأمر. فمعظم الأنظمة العربية أشبه بالطبول الفارغة وهي "آخر من يعلم". وإذا علمت تفضل السكوت وتميل إلى تجاهل عناصر قوتها وترغب في الاعتماد على الخارج أكثر من قابليتها للاتكال على نفسها.

هذه المفارقة بين رغبتين "لاتينية وعربية" تفسر إلى حد كبير تجاهل معظم الدول العربية تلبية دعوة الرئيس البرازيلي. فالرئيس لولا يريد حث الأنظمة على إعادة اكتشاف نفسها والسعي لبناء موقع مستقل عن الهيمنة الأميركية. ومعظم الأنظمة فقد قابليته للتحدي وبات في وضع النائم الذي يستسهل الاتكال على الآخر بدلا من الاستجابة لوقائع التطور وما تستوجبه من يقظة غير متوافرة عند الكثير من العواصم العربية.

المشكلة إذا في الدول العربية، وهي مشكلة تتضخم سنويا وتتفاعل عكسيا، وهذا ما سيعرضها إلى مزيد من التداعيات السلبية. ومحاولة لولا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة... ولكن "لا حياة لمن تنادي".

لماذا بادر لولا إلى دعوة الدول العربية إلى مثل هذه القمة التي أقلقت تل أبيب وأثارت حفيظة واشنطن؟ هناك الكثير من الأسباب منها وجود جاليات عربية ضخمة في كل دول القارة اللاتينية لعبت دورها المميز في الامتزاج مع شعوب القارة وقدمت الكثير من الجهود على امتداد قرابة القرنين في تأسيس شخصية سياسية - ثقافية لدول القارة.

إلى الجاليات العربية وموقعها ومكانتها في الحياة اللاتينية العامة هناك شخصية الرئيس لولا المميزة. فهذا جاء إلى الرئاسة من موقع النقابات العمالية، وهو يملك تجربة غنية في النضالات السياسية ضد الهيمنة الأميركية ودور الولايات المتحدة السلبي في تقويض استقرار أميركا اللاتينية وإثارة الفتن والقلاقل وتشجيع الفساد والانقلابات العسكرية لوأد "الديمقراطية" وحركات التحرر والاستقلال. فالتاريخ متشابه بين دول القارة اللاتينية والدول العربية ودور الولايات المتحدة في العالمين لم يختلف لا في شكله ولا مضمونه. فأميركا اللاتينية عانت من الجبروت الأميركي ما عانته وتعانيه الدول العربية. وهذه المرارة المشتركة أراد لولا منها أن تكون بداية لتفكير مشترك في مستقبل واعد للعالمين بشرط أن تكتشف الدول العربية واللاتينية عناصر قوتها ومدى استعدادها لتلبية الشروط الموضوعية والذاتية للتطور.

القارة اللاتينية دفعت الكثير من نهضتها وتقدمها بسبب السياسة التدخلية التي مارستها الولايات المتحدة منذ إعلان "مبدأ مونرو". وهو مبدأ أطلقه الرئيس الأميركي جيمس مونرو "1817 - 1825" وعرف باسمه ويقضي باعتبار أميركا اللاتينية منطقة الحوض السياسي - الاستراتيجي للولايات المتحدة. ومنذ تلك الفترة دفعت القارة ثمن الطمع والطموحات من ثرواتها واقتصادها وبشرها حتى أيامنا. فأميركا لاتزال حتى الآن تتدخل في شئون كل دولة ترفض الانصياع لأوامر واشنطن، وهي لا تتردد في تهديد وابتزاز واستفزاز كل رئيس دولة لاتينية كشف عن رغبته في الاستقلال أو اتباع سياسة غير متطابقة مع الشروط الأميركية "كوبا وفنزويلا والبرازيل أمثلة حية ومعاصرة".

المناخ اللاتيني إذا ليس بعيدا عن الأجواء العربية. إلا أن الفارق بين العالمين أن دول القارة بدأت تكتشف قوتها وأخذت تؤسس البنى التحتية التي تسعفها على الاستقلال والتقدم من دون اعتماد على الخارج، واستنادا إلى تطورها الذاتي وحاجة سوقها ورغبة شعوبها... مقابل أن دول العالم العربي لاتزال تخاف من شعوبها وتميل إلى الاتكال على الخارج لدعمها ومساندتها لوقف التقدم الذي تضغط القوى الأهلية الحية في المجتمعات العربية نحوه. والفارق هذا بين الوضعين يفسر حماس الرئيس البرازيلي للقمة وتردد معظم الدول العربية نحو تلبية الدعوة، خوفا من الداخل والخارج على السواء.

اختتمت أمس القمة العربية - اللاتينية على مفارقتين: الأولى لاتينية، تظهر مدى تقدم القارة التي ستصبح الأولى اقتصاديا في النصف الثاني من القرن الجاري. والثانية عربية تظهر مدى ضعف الدول الخائفة من شعوبها، وهو خوف يكفي لذر الرماد في العيون ومنع الأنظمة من وعي قدراتها وعناصر قوتها في حال قررت التصالح مع شعوبها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 979 - الأربعاء 11 مايو 2005م الموافق 02 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً