العدد 979 - الأربعاء 11 مايو 2005م الموافق 02 ربيع الثاني 1426هـ

في انتظار الطبيب

قصة قصيرة

المنامة - حسن الصحاف 

تحديث: 12 مايو 2017

كسرت رجله اليمنى فجأة ففررت به مذعورا إلى عيادة الطبيب. ركبت سيارتي ووضعته على المقعد الذي بجانبي ولم تفارقه عيناي طوال الطريق للحظة. تهت مرارا قبل أن أصل إلى العيادة. لا أعرف كيف وصلت سالما إليها، سالما من دون أن أصطدم بشيء ما في الطريق. كان صوت أنينه يؤرقني ويؤلمني. هاتفي النقال لم يصمت منذ اللحظة التي خرجت منها من المنزل. الكل يسأل عن حاله. وبالخصوص زوجتي التي تألمت كثيرا وأنبها ضميرها لكونها اعتقدت بأنها لم تعتن به جيدا، ولم تلاحظه كما ينبغي.

وضعت السيارة في الموقف المخصص للسيارات بطريقة خاطئة ولم أكترث كثيرا إلى ذلك الوضع الخاطئ، حملته وهرعت به إلى العيادة. دخلت من هلعي عليه في المدخل الخطأ، سألت أحدهم عن غرفة الطبيب الذي يعالج الكسور فأشار لي بإصبعه إلى الخارج. قال: "يجب عليك أن تخرج من حيث أتيت وتأخذ الجهة اليسرى ثم تولج في الباب المقابل لماء السبيل". خرجت مسرعا من دون أن أقدم له شكري وجزيل امتناني. نظر نحوي بشيء من الريبة، وألقى نظرة خاطفة على المصاب وتأوه وتنهد. مما أوحى إلي بأنه يعتقد بأني مصاب بالجنون. لم أحفل بذلك ومضيت في طريقي.

في حال خروجي من الباب رأيتها جالسة تنتظر تحت الشباك المسيج للباب الذي أشار علي الرجل بدخوله. وقفت برهة وقد شدتني ملامحها. كانت جميلة في كل شيء. ولكي أكون أكثر صراحة مما عهد مني فإني أقول إنها كانت فاتنة. عيناها كانتا تتلألآن كجوهرة انتهى من صياغتها صائغ للتو والساعة. للحظة نسيت المصاب الذي أحمل، ونسيت ذعري. غير إني انتبهت إلى ذلك وهرعت من جديد وركلت الباب بقدمي وفتحته ودخلت. كان الطبيب ولحسن حظي أمامي ببذلته البيضاء ومجموعة الأقلام في جيبه كما النياشين على صدر قائد عاد لتوه من حرب ضروس. حياني وحييته. "ما الخطب" سألني. قلت: "كسرت رجله اليمنى". "ما كسرها؟" قلت : "لا أعرف، ربما سقط من علو". أخذه مني ووضعه على الطاولة وأخرج لفافات بيضاء مشبعة بمادة الجص ومادة دوائية مسكنة للألم. مسح منها شيئا على موضع الكسر ثم شرع بلف اللفائف الجصية البيضاء على الكسر. وحالما انتهى سلمني أنبوبة دواء مسكن للألم وبعضا من لفائف الجص في حال ما انفكت تلك اللفائف التي تم وضعها. ثم حملته وهممت في الخروج. ناداني الطبيب، وقال لي بعد أن سلمني علبة صغيرة: "هذه مجموعة من الفيتامينات ضع قليلا منها في طعامه عند كل وجبة". وتمنى له الشفاء العاجل وأوصى بأن أعتني بالجص لمدة اسبوعين وبعد ذلك آتي لنزعه وسيكون كل شيء بخير وتعود رجله كما كانت سابقا.

خرجت من الباب وإذا بي بالفاتنة الجميلة لا تزال تنتظر عند نافذة الطبيب. وقفت متأملا إياها من دون أن يصدر منها شيئا يوحي إلي بأنها لا ترضى بتطفلي ووقاحة نظراتي. عندها خامرني شك غريب، لا بد إنها تعاني من شيء ما وهي عاجزة عن الدخول إلى العيادة. تفحصتها جيدا وعرفت بما هي مصابة به لكونها لا تقوى على الحركة.

عدت أدراجي إلى غرفة الطبيب وأخبرته بأمرها فأسرع معي مشكورا مصطحبا أحد مساعديه. لم يستغرق منهم وقتا طويلا أخذها إلى غرفة المعالجة إذ تبين له ولنا نحن الحاضرين بأن جناحها الأيمن مكسور من جراء ضربة قوية أو صدمة. تم علاجها ثم إنها وضعت في قفص داخل العيادة حتى تشفى لكونها من دون راع. تلك الحمامة الفاتنة البيضاء لاتزال محبوسة في قفص العيادة حتى يتم التأكد من شفائها تماما وقدرتها على الطيران حيثما شاءت من دون أن يصيبها أحد ما بسوء.

عصفوري الذي انكسرت رجله شفي تماما وهو يغرد صباحا ومساءا في قفصه الحديد وينعم بغذاء صحي مليء بالفيتامينات. أعزم على إطلاق سراحه مرارا وتكرارا غير إني أتراجع خوفا عليه من الحمقى الذين لا يفتأون يضربون بعصيهم الجبانة عشاق الحرية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً