في فلسطين جرت انتخابات المجالس البلدية. وفي تونس عقدت انتخابات للمجالس البلدية. وفي لبنان ستجرى في 29 مايو/ أيار الجاري الجولة الأولى من الانتخابات النيابية. وفي مصر بدأت حرارة الانتخابات الرئاسية ترتفع منذ الآن.
"الديمقراطية" تشتغل في معظم الدول العربية وحتى الآن تبدو الأمور تراوح مكانها أو تسير إلى الوراء في حالات معينة. ففي فلسطين هناك اتهامات متبادلة بين "فتح" و"حماس" بالتزوير. وفي تونس تبدو الانتخابات تسير وفق جدول مقرر سلفا من الدولة. وفي لبنان ارتفعت حرارة الطائفية وتراجع منسوب "اللبنانية" بعد اختلاط الأوراق وانسحاب سورية العسكري. وفي مصر شنت شرطة الدولة سلسلة هجمات ومداهمات اعتقلت خلالها عشرات المئات من نخبة البلد السياسية.
"الديمقراطية" في المنطقة العربية شغالة إذا ولم تتعطل في معظم الدول، وهي تسير على قدم وساق مع اتهامات بالتزوير والتوجيه والقمع والمنع. فالأولى كما يبدو لا تلغي الثانية. والثانية كما يظهر هي شرط نجاح الأولى. وهنا بالضبط يكمن جوهر "الديمقراطية العربية" الممتدة من المغرب إلى اليمن. وهذا ما يميزها عن غيرها من الديمقراطيات في أوروبا وأميركا.
الديمقراطية تعربت وأخذت شكلها المحلي. في تونس "تتونست" وباتت الدولة تشرف عليها. وفي الجزائر تقوضت بعد أن ألغى الجنرالات نتائج انتخابات التسعينات من القرن الماضي حين نجح الإسلاميون في تسجيل غالبية كاسحة في المجلس النيابي والبلديات. وفي ليبيا أعيد تفصيل ثوب الديمقراطية ليتناسب مع مقياس "الجماهيرية". وفي لبنان لا تعرف القوى السياسية أين تبدأ الديمقراطية وأين تنتهي، فهل هي طائفية أم مذهبية أم مناطقية أم عشائرية؟ فالديمقراطية خلطة "تبولة" جمعت من كل صنف حفنة من الأشخاص لتمثيل الناس وفق نظام "الكوتا" التوافقي.
في مصر تبدو "الديمقراطية" نيلية اللون. فهي بضاعة مستوردة أعيد إنتاجها لتتوافق مع الدولة أو ما يسمى القطاع العام. فالديمقراطية في مصر هي الوجه الآخر للاقتصاد الرسمي والموجه. وبما أن القطاع العام هو الغالب في قيادة دورة الإنتاج فقد تحولت الديمقراطية إلى نموذج خاص يمكن أن نطلق عليه "ديمقراطية القطاع العام". ومن شروط القطاع العام أن تشرف الدولة عليه لأنه في النهاية مصدر رزق لمئات آلاف المواطنين. وهذا النموذج "ديمقراطية القطاع العام" لا يقتصر على دولة مصر فقط وإنما تحول في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة إلى حال تكيفت معها الكثير من الأنظمة العربية التي تعتمد "القطاع العام" أساسا لاقتصادها وترفض نظام "الخصخصة". وبما أن من شروط "الخصخصة" إعطاء فرصة للقطاع الخاص "المستقل والأهلي" بالعمل خارج سلطة الدولة وإشرافها على كل مواقع الإنتاج، قررت الكثير من الدول العربية اعتماد "القطاع العام" أساسا سياسيا لكل المؤسسات، بما فيها قطاع النشر والإعلام والأحزاب... والديمقراطية.
"الديمقراطية" موجودة في معظم الدول العربية ولكنها مصادرة من قبل "القطاع العام" لمصلحة الدولة. فهي ديمقراطية "مدولة" وغير "مخصصة"، وتخضع لقوانين ترسم موادها هيئات تابعة للقطاع العام ترفض مشاركة مؤسسات القطاع الخاص... حتى لو كانت من نوع "كفاية".
"الديمقراطية" في العالم العربي موجودة، ولكن يصعب على المراقبين معرفتها أو التعرف على هيكلها التنظيمي. والسبب في ضياع هوية "الديمقراطية العربية" أن الدول بذلت جهودها لتعريبها، ومن كثرة تعريبها تميزت بخصوصيات تتناسب كثيرا مع ظروف كل دولة ونظام وبيئة واجتماع.
هذا من جانب إعادة الإنتاج. أما من جانب طبيعتها فإنها تكيفت بحسب القوانين التي توجه الاقتصاد. وبما أن معظم الدول العربية تتحكم بها قوانين الاقتصاد الموجه الذي يعتمد القطاع العام لقيادة اقتصاد الناس، فقد جاءت "الديمقراطية" نتاجا سياسيا للبنى التحتية وصورة تعكس بدقة واقع القطاع العام. وبكلام آخر، انها ديمقراطية مصادرة من قبل الدولة وموظفة لخدمة القطاع العام.
في النهاية، المشكلة العربية معروفة في تعاطي الأنظمة مع "الديمقراطية"... إلا أن المصيبة هي في إدارة البيت الأبيض وخصوصا حين يتجول رئيسها على العواصم ليبيع "الديمقراطية" وكأنها مجرد حلوى لتسلية شعوب تعاني أصلا من البطالة وانعدام الرزق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 978 - الثلثاء 10 مايو 2005م الموافق 01 ربيع الثاني 1426هـ