لا أعتقد أننا إذا فصلنا الطلبة المشاركين في أعمال تخريب الممتلكات العامة وممارسة العنف في المدارس، سنكون ساهمنا في الوصول إلى علاج جذري وحقيقي للمشكلة، إذ إن هذه الفئة وهي مشغولة بالتحصيل العلمي أخذت منحا آخر في تصرفاتها، فأدى ذلك إلى تعطيل الدراسة وتأخّر تقدم المناهج وإنهائها في وقتها المحدد، فكيف سيكون حالها إذا كانت تعيش وقت فراغ طويل بسبب فصلها من مقاعد الدراسة؟
تلويح وزارة التربية والتعليم باستخدام أشد العقوبات في لائحة الانضباط المدرسي، نجد أن وراءه دوافع لا تخرج عن نطاق رغبتها في عدم انحراف المسيرة التعليمية، ولكن يجب مراعاة أن يكون ذلك بعيدا عن ممارسة صفة البوليس أو الشرطي في تعاملها مع المتهمين، على اعتبار أن الوزارة جهة منوط بها في المقام الأول تربية النشء ومن ثم تعليمهم، لا التعسف في استخدام الصلاحيات بحيث نجد أنفسنا بعد سنوات قليلة أمام شريحة واسعة من الأميين الذين لا يفقهون شيئا سوى البطالة والانشغال في إيذاء الآخرين.
ومسألة التأكيد على نبذ العنف والحرق والتخريب والتعدي على الفصول الدراسية والأدوات التعليمية بالإتلاف، هو أمر يأتي في صميم إيماننا بأن هذا البلد يجب أن يحافظ على مدخراته ومكتسباته كرصيد للأجيال المقبلة، ولن نخوض في كيفية تفعيل الأدوات التي توصلنا لهذا الهدف، فما يجب أن نركز عليه هو التحرك في المساحات المسموح بها للحفاظ على استمرار المدارس في أداء رسالتها بعيدا عن المزيد من الخسائر.
وزارة التربية بإمكانها فصل الطالب المشاغب فصلا دراسيا بأكمله أو سنة دراسية واحدة، حتى تفسح له المجال ليعود إلى رشده فيحسن من سلوكه وتصرفاته ويعي الطريق الذي كان يسلكه وكاد يؤدي إلى ضياع مستقبله، أما التفكير في الفصل من غير رجعة، فهذا أشبه بحكم الإعدام، ذلك أن الطالب إذا لم يكمل دراسته الثانوية العامة فلن يجد له عملا يمكّنه أن ينطلق منه لبناء حياته والاعتماد على ذاته، ولا شك أن الجامعات سترفض انضمامه إليها، وبالتالي ستتسع هوة البطالة وسيتراجع عدد خريجي الدراسات العليا.
وفي الواقع لا يوجد شاب أو مراهق إلا ما ندر، لم يرتكب حماقة في مرحلة ما من مراحل عمره وهو يعيش بين أفراد أسرته في المنزل، فقام بتكسير الأواني وربما زجاج النوافذ في خضم حالة انفعالية معيّنة، ولكن ذلك لم يدفع والده إلى أن يطرده من المنزل ليتلقاه المجرمون ومدمنو المخدرات في الأحضان، فيضاف على كاهل المجتمع عنصر جديد قادر على أن يجعل أفراده غير آمنين على أنفسهم من السرقة في بيوتهم أو التعرض للاعتداء الجسدي أثناء تنقلاتهم في الشوارع لقضاء احتياجاتهم المعيشية.
وهنا لا نقارن بين تكسير زجاج أو طاولة في البيت بالتعدي على الأملاك العامة في المدارس، ولكن نقول إن وزارة التربية والتعليم بإمكانها أن تكون في موضع الأب الحليم الذي يحسن التصرف، فيقوم بحرمان أبنائه من المصروف أو الخروج من المنزل للتنزه أو منع الآخرين من زيارتهم، لا أن يتركهم للمجهول خارج رعايته ومراقبته فيتعمقوا في الخطأ ويكونوا أداة في يد الغير لتوجيههم إلى المسلك الذي يعود عليهم وعلى وطنهم بالإساءة.
الخطأ أيا كان حجمه ومستواه ليس عيبا بل الاستمرار فيه هو المشكلة الكبرى التي من الضرورة تداركها قبل أن يتسع مداها، وهذا الأمر ليس عسيرا على وزارة التربية التي لها خبرة في التعامل مع هذه الظروف، وخصوصا في فترة التسعينيات التي شهدنا فيها استدعاء أولياء الأمور لتوجيه أبنائهم ونصحهم وإصلاح الأضرار التي خلفوها، وأحيانا إيقاف الطلبة عن الدراسة لفترة مؤقتة في حال تكرار أفعالهم، ولكن لم يصل الأمر إلى حد شطبهم من سجلات المدارس.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2405 - الإثنين 06 أبريل 2009م الموافق 10 ربيع الثاني 1430هـ