العدد 2405 - الإثنين 06 أبريل 2009م الموافق 10 ربيع الثاني 1430هـ

متطلبات النجاح المعرفي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحت عنوان رئيسي هو «التطورات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات» افتتح وزير التعليم العالي والبحث العلمي الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، منتدى الإمارات لأبحاث وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2009، والذي نظمته جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث يوم الأحد الموافق 5 أبريل/ نيسان الجاري، في مبناها في أبوظبي.

وفي كلمة الافتتاح، دعا نهيان إلى تعزيز القدرات الوطنية «من أجل تحويل المعرفة إلى تطبيقات مفيدة ولملاءمتها لإثراء حياة الناس اليومية».

ليست هذه المناسبة الوحيدة التي يجري الحديث فيها عن المعرفة ومجتمع المعرفة في الخليج العربي، ففي منتصف مارس/ آذار 2009، نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية، توقيع الأمير خالد بن عبدالله بن عبدالعزيز على «الوثائق والعقود النهائية لشركة مدينة المعرفة الاقتصادية في مقر الشركة بمدينة جدة».

ومشروع مدينة المعرفة الاقتصادية هو أحد مشاريع المدن الاقتصادية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في العام 2008. ومن المتوقع أن تأوي مدينة المعرفة الاقتصادية 130،000 شخص وأن تبلغ تكلفتها 8 مليارات دولار.

وفي مارس الماضي أيضا، رددت الدوحة أصداء أصوات الإعلان عن مشروع واحة المعرفة، والتي هي المدينة التعليمية التي ترعاها وتشرف عليها مؤسسة قطر (Qatar Foundation ). وستضم المدينة العديد من فروع الجامعات العالمية مثل جامعة كومنولت فرجينيا وكلية كورنيل الطبية فرع قطر وجامعة تكساس أي اند إم وجامعة كارنجي ميلون وجامعة جورج تاون.

لا شك أن إنشاء مثل هذه المؤسسسات المعرفية، هي خطوات إيجابية وصحيحة على طريق إعداد المواطن كي يلحق بركب التطور العلمي وثورة الاتصالات والمعلومات التي يشهدها العالم اليوم من جهة، وتهيئة الوطن للدخول في محيط الاقتصاد المعرفي من جهة ثانية. كما أنها، مهما بلغت كلفتها ينبغي أن تحتل خانة الأولويات عندما نقارنها بما ينفق على أنشطة أخرى ترفيهية، لا ترقى في دورها التنموي إلى ما تقوم به مؤسسات المعرفة كتلك التي أشرنا إليها أعلاه.

لكن هذه الخطوة، كي تكون في الاتجاه الصحيح، وكي نضمن عدم تحولها إلى مادة ترويجية إعلانية، يقصد منها احتلال عناوين الصفحات الأولى في الصحف، ومقدمات البرامج في الفضائيات، عوضا عن أن تكون مشروعات تطويرية، ينبغي أن ترافقها مجموعة أخرى من الخطوات التكميلية التي يمكن رصد أكثرها أهمية وإلحاحا على النحو التالي:

1. تشييد البنية المعلوماتية، فقبل الوصول إلى المجتمع المعرفي، لابد من المرور بمجتمع المعلومات، الذس تدشن فيه البنية التحتية الأساسية التي لا يستغني عنها، بأي حال من الأحوال، مجتمع المعرفة.

تماما، كما احتاجت النقلة من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي، إلى تشييد البنى التحتية الضرورية لتوفير مقومات النجاح لتلك النقلة، فشهدنا شق الجادات السريعة، وتطوير الموانئ الضخمة، والتحول النوعي في وسائل المواصلات، وفي مرحلة لاحقة الاتصالات، كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع المعرفي، بحاجة إلى بناء قنوات رصد وجمع وتحليل المعلومات ثم إعادة بثها، كي نضمن وصولها إلى من يحتاجها من أفراد ومؤسسات. تأتي بعد ذلك قوانين الاقتصاد المعرفي التي تزودها بالقيمة المضافة التي تحتاجها والتي تضمن توفير الحماية الضرورية لها للانتقال من اقتصاد المعلومات إلى اقتصاد المعرفة.

2. إعداد الموارد البشرية المحلية، ففي مؤسسات المعرفة، يحتل العنصر البشري سلم الأولويات. ولابد لنا هنا من التأكيد على صفة «المحلي»، فمهما حققت تلك المؤسسات، مدنا كانت أم مراكز علمية، من نجاحات، ومهما احتضنت من أجهزة ومعدات متطورة، يبقى دورها هامشيا، وأهدافها ناقصة، ما لم توفر الإطارات البشرية المحلية الكفؤة القادرة،على إدارة «العملية المعرفية» بكفاءة، معتمدة في ذلك على قدراتها الذاتية، بدلا من الوقوف محتاجة أمام أبواب الدول أو المؤسسات الأجنبية. وليس المقصود هنا، بالطبع، مقاطعة كل ما هو غير محلي، بل المطلوب عكس ذلك تماما، فمجتمع المعرفة مجتمع كوني يتجاوز الحدود الوطنية، بل وحتى الإقليمية. لكن شتان بين التعاون المتكافئ، وبين الاستيراد الأعمى من الخارج، من جراء النقص في الإطارات المحلية أو تردي مهاراتها الذاتية، علمية كانت أم مهنية.

3. النظرة المستقبلية، فالعرفة، بطبيعتها وفي جوهرها الداخلي، والمجتمع المعرفي أكثر منها، مستقبلية. فالبناء المعرفي، يعني فيما يعنيه، تهيئة الحاضر، كي يكون قادرا على تلبية احتياجات المستقبل. واحتياجات المستقبل، ليست بالضرورة، كما قد يتوهم البعض منا، محصورة في السيولة النقدية، التي توفرها اليوم في المجتمعات الخليجية، العوائد النفطية. احتياجات المستقبل عبارة عن تمويل متدفق مستمر يضمن، دون أي توقف، توفير رأسمال النقدي والبشري والمواد الخام، والتي هي في حال المجتمع المعرفي، المعلومات. فالمعرفة، بخلاف الكثير من أنشطة الإنسان الأخرى، تنقطع أنفاسها، وتتهاوى كجثة هامدة، عند انقطاع أي من تلك المصادر عنها.

4. التخطيط المتكامل، فبخلاف كل المجتمعات التي سبقته، يقوم المجتمع المعرفي، على مرتكزات التخطيط المتكامل، غير القابل لأي شكل من أشكال التجزئة. والحديث هنا لايقصد منه بعض الاقتصادات المتقدمة في تقنيات الاتصالات والمعلومات، كما هو الأمر في دول الخليج العربي. المقصود هنا تخطيط»عنكبوتي» متكامل مشبك، يبدأ بالتعليم، وفي مراحله الأولى، ويعرج على أدوات ووسائل الإنتاج، كي يتوقف دون أن ينتهي به المطاف، عند البنية الفوقية من قوانين وتشريعات. وما يميز «المعرفة» كمسير للاقتصاد عن سائر الاقتصادات الأخرى، ذلك التشبيك التكاملي الذي يجعل من ضعف إحدى المكونات أوعجزها عن أداء دورها في عملية التشبيك التكاملي هذا، سبب في وقف عجلة الإنتاج، وربما يصل الأمر إلى انهيار كل ركائز المجتمع الأخرى

هذه بعض المتطلبات الرئيسية لبناء المجتمع المعرفي، التي إذا لم ندركها ونعمل من أجل توفيرها، تتحول إلى أحلام وردية تشبع غرور من يعيشها، دون أن تتجسد في حقائق ملموسة ينعم بفوائدها من هو في أمس الحاجة لها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2405 - الإثنين 06 أبريل 2009م الموافق 10 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً