لعل من الاضاءات الاصلاحية التي نعيشها اليوم في البحرين هو التعاطي غير الأمني في قراءة الواقع السياسي. .. اليوم ندخل ونخرج من مطار البحرين من دون أن يوقفنا عفريت المباحث... اليوم نجلس حتى ساعة متأخرة من الليل في المقاهي والنوادي، ولا نرى مخابرا ينظر إلينا من تحت نظارته السوداء يشمشم كلماتنا ويسترق السمع لأصوات آهاتنا... هذه نعمة من نعم الأمان يجب ان نحافظ عليها... كان يتعاطى مع المسيرات بالهراوات ومسيلات الدموع والمطاط وكثيرا بالرصاص الحي... اليوم تغير الوضع واثبتت التجربة ان الحرية بمساوئها أفضل ألف مرة من القمع. وسؤالنا: ايهما أفضل عملقة "أجهزة الأمن" أم ادخار هذه الموازنة وضخها في مشروعات ليتعلم بها الموهوبون في افضل الجامعات في الخارج كما هو برنامج سمو ولي العهد؟ ايهما افضل قمع التظاهرات أم فتح الحوار ومناقشة القضايا عبر القوانين؟... لقد كان عدد كبير من المثقفين يهمسون في اذن السلطة ولسنين طوال بأن سياسة "الكرباج" هي افضل سياسة لإخافة الناس، وكانت الصحافة ترقص يوميا على ايقاع نظرية "انما العاجز من لا يستبد"، ونظرية العادل المستبد نظر اليها فكريا وثقافيا ليس في البحرين فقط بل حتى على مستوى العالم العربي، وكان الكثير من المثقفين يطمح إلى إبعاد النظريات المتطورة من قبيل نظرية ابن تيمية من ان الله "ينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مؤمنة".
يوميا نرشق الغرب الذي نشك في براغماتيته وميكافيليته وحتى انتقائه، ولكن يبقى ان الغرب يعمل لمصالح مواطنيه أيضا ولو من باب قول مظفر النواب "فالكلبة، حتى الكلبة تحرس نطفتها، والنملة تعتز بثقب الأرض"، فهناك اهتمام على أقل التقدير بحقوق المواطن الغربي.
كان الوزير البحريني يتحدث مع المواطنين من فوق "البلكونة" في عاجية مفرطة، وفي نرجسية ليس لها حدود. انا لا اقول انه الآن اصبح يجلس معهم ويأكل معهم الخبز الشعبي على الأرض، ولكن تلك الهيبة المصطنعة خفت عن الماضي، وهذه ليست دعوة لاسقاط هيبة الوزراء بقدر ما هي تحريض على احترام الوزير بقدر ما يحمل من مشروعات وأفق معرفي واستراتيجية واداء وبرامج.
انا لا اطمح إلى وزير معجون بالبقلاوة والبسكويت ولكن نريد وزيرا يمتلك ثقافة ووعيا وحضورا على مستوى الشخصية وكفاءة علمية أيضا. عندما اقرأ كتب الوزير غازي القصيبي ومقدار الأفق والجرأة والحضور الذي يملكه والثقافة المتسعة أشعر بمكانة الوزير الخليجي.
خلال هذا الشهر عقدت النية على قراءة أكثر كتب هذا الوزير، فقرأت له "حياة في الإدارة" وكتاب "الغزو الثقافي" و"التنمية - الاسئلة الكبرى" و"اميركا والسعودية"، فشعرت ان الرجل مكتبة ثقافية تمشي على الأرض. ليس معنى ذلك انه ليس عندنا وزراء أو مستشارون بهكذا حجم، ولكن الطموح ان تشكل الغالبية الوزارية من امثال هؤلاء. نحن في البحرين بحاجة إلى وزراء لا ينزلقون إلى حيث الطرح المناطقي، بل يجب ان يكونوا اقوى من لوبيات أية وزارة. قلت سابقا: قد يكون الوزير مصلحا ولكن ليس بالضرورة ان مراكز القوى في الوزارة مصلحة. الفساد، المحسوبية، التعيين على قدر الثقة لا على قدر الكفاءة اصبحت معايير في كل مفاصل حياتنا السياسية والثقافية.
كثير من الحلاقين يجربون حظوظهم في رؤوس "القرعان" وهم المواطنون "الغلابة"... احيانا تجد سكرتيرة متغنجة تفرض نفسها على مسئولها المباشر... بعض المسئولين سواء اكان مديرا أو رئيس قسم أو ... يحسب نفسه شمشموم الجبار على الموظفين، ولكن كل هذه الابهة تذوب أمام سكرتيرته التي تصغر ابنته الصغرى بعشر سنين!
الحكومة البحرينية بحاجة إلى قراءة الواقع في عدة وزارات منها وزارة التربية والتعليم في قضايا التوظيف... تكلمت سابقا عن التوظيف في الحاسوب... عندنا بحرينيون يدورون بشهاداتهم بلا توظيف، وعندنا غير بحرينيين يوظفون في أقسام شتى وهذا الموضوع سأطرحه. قضية قبول شهادات الجامعات في الخارج ومعادلتها مازالت المعايير فيها مطاطية، فالمعهد العالي بقي 12 عاما بلا معادلة الشهادة ثم تم ذلك، وهذا يعني خطأ التقييم الأول، الآن توجد جامعة النيلين وجوته وجامعات في لندن... كلها على الخط ولا نعرف المعايير.
وزارة الكهرباء تحتاج إلى فنيين ومهندسين، وعلى رغم ذلك لا نجد اعلانات، والأخ نواف كلما كلمناه في موضوع الشفافية في البعثات والتوظيف لازم الصمت ولم يجب ولا على سـؤال واحد. اتمنى من ديوان الرقابة ان يفتح ملفات الطيران المدني للتأكد من أن كل شيء تمام ولو من باب "ليطمئن قلبي".
سؤال أخير: مراكز البحوث في العالم لها دور كبير في ايصال قراءة واقعية للواقع، فما دور مركز البحرين للدراسات والبحوث اليوم وعندما احتجنا إلى اصلاح السوق ذهبنا إلى ماكينزي؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ