العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ

اتصلوا بتلك الأرقام

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

في العام ،1995 صدر مرسوم اميرى باعتبار خليج توبلي محمية طبيعية، لكن الشكاوى من اعمال الردم وتدمير بيئة الخليج الذي يعد أكبر حاضنة للروبيان وبيئة لانواع نادرة من الطيور ظل مستمرا حتى اليوم.

ولكي نبرهن على جديتنا، لا يتطلب الامر اكثر من قراءة اعلانات صغيرة لا يتعدى ثلاثة سنتيمترات في احدى الاسبوعيات الاعلانية في خانة اراض للبيع، يقول: "اراض في خليج توبلي، مخطط "..." سعر القدم "..." للاتصال..الخ". قرأت هذا الاعلانات يوم الاحد 7 مايو في آخر عدد من هذه الاسبوعية الاعلانية.

الاعلان يقول في خليج توبلي وليس على ساحل خليج توبلي مثلا او بالقرب من خليج توبلي، بل في الخليج. والجهة البائعة واضحة بالاسم وما على الذين يريدون حماية الخليج الان سوى ادارة الارقام والاتصال بالبائعين لكي يسألوهم سؤالا واحدا: "كيف تم شراء المخطط، ولماذا تباع الاراضي حتى اليوم "اذا كانت في الخليج"، متجاوزين مرسوما اميريا صدر قبل عشر سنوات وحملة لم تهدأ لحماية الخليج".

حماية البيئة مهمة مستجدة في بلدنا. وفي الغرب الصناعي ارتبطت حتى اليوم بالصراع الشرس بين المستثمرين والشركات والافراد الذين راحوا ينظمون انفسهم منذ السبعينات في منظمات مدافعة عن البيئة، منطلقة من ترسانة من التشريعات والقوانين. الامر نفسه هنا مع الفارق ان الحكومة هي التي بادرت الى سن القوانين والتشريعات لحماية البيئة. اما الناشطون البيئيون فمازلوا اضعف من ان يؤثروا في هذا الميدان الى الحد الذي يمكن ان يدفع الدولة لكي تصدر المراسيم والقوانين وتطبقها ولا تتركها حبرا على ورق. وعلى نحو ما احتكرت الدولة حماية البيئة، لكن عندما جاءت الامتحانات الحقيقية ثبت ان المهمة لم تنجز على النحو الامثل.

ففي ذروة ازمة "غاز المعامير" اكتشفنا ان اجهزة رصد التلوث في شركة النفط "بابكو" قديمة جدا وان لجنة حماية البيئة طلبت منها استبدالها باخرى جديدة. واكتشفنا ايضا ان الاجهزة والادارات المعنية بالبيئة ماتزال عاجزة عن التحرك الميداني السريع ومواجهة أية مشكلة بيئية بالسرعة والامكانات المطلوبة. واكتشفنا ايضا اننا نفتقد للمختبرات العلمية التي يمكن ان تقوم بفحص التربة والهواء والمياه لكشف اي تلوث أو أي تهديد بيئي طارئ. وامام هذا النقص اكتشفنا ايضا ان طريقتنا في مواجهة الكوارث ماتزال تعتمد على العمل البيروقراطي المكتبي في افضل الاحوال ولن يزيد التحرك عن الزيارات الميدانية السريعة.

هذه حال تصدق على ميادين شتى وليس على حماية البيئة فحسب. فان تملك القوانين ربما يكون نصف المهمة لكن المهمة الأكثر اهمية هي تفعيل هذه القوانين، فالقوانين لها تبعات وتحتاج للتطبيق وإلا ستبقى عبارات مكتوبة على الورق فحسب. وعندما يتعايش الناس مع إحساس ملازم بان شيئا ناقصا على الدوام رغم القوانين والمباني والمعدات فان في الامر خللا ما. وليس اكثر من ميدان الصحة لكي نتبين الامر على نحو جلي: فهناك المستشفيات المجهزة والاطباء المهرة لكن هذا لا يكفي لكي تسير الخدمات الصحية على افضل وجه ولكي يشعر الناس بالرضا. وعندما يتم التهوين من انتشار 70 حالة سرطان في بضعة اعوام في قريتين يسكنهما بضعة آلاف من الناس، فان الخلل لا يتعلق بالاجهزة ولا مهارة الاطباء بل بالعقلية التي تهون من هذا الامر. العقلية مسئولة عن الانظمة وطريقة التسيير اليومي واسلوب التعامل ومدى قدرة كل هؤلاء العاملين على التعامل الحسن مع المرضى والمترددين.

وثمة فارق كبير وجوهري بين ان تمتلك بضعة نواد رياضية نموذجية وبين ان نقتنع بان برامج الرياضة تستقطب غالبية الشباب في البحرين. وفي العام 1985 لم يكن الامر يحتاج اكثر من أن أصادف شابا مدمنا على الخمر يستجديني دينارا لكي اتساءل عما اذا كانت برامج احتفالات العام الدولي للشباب في تلك السنة قادرة على الوصول الى امثال هذا الشاب ام انها كانت برامج لاحتفالات تقام على مدار العام وكلمات تلقى فقط.

هكذا ترون ان حالة الانفصام هذه بين الواقع والمطلوب تلفنا في كل شيء. وفيما خص البيئة وخليج توبلي، فان تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية لم يغير في الامر شيئا. بل جاء الاعلان منشورا وكأنه لسان ممدود لكل هذا الجهود. اتصلوا على ذلك الرقم واكشفوا لنا الحقائق ولا بأس ان كذبتم توقعاتنا طالما ان الخليج سيبقى محميا وفق المراسيم والقوانين والافعال، اي كلما ما هو ضروري لكي نأخذ تصريحا واحدا ولو لمرة واحدة على محمل الجد

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً