العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ

سؤال "الديمقراطية"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سؤال "الديمقراطية" في المنطقة العربية يعادل ذاك التساؤل عن انعدام وجودها، وإذا وجدت تكون شبه معطلة أو غير صالحة للتطبيق. فالسؤال في أساسه ليس دقيقا؛ لأن قراءة التطور السياسي في المنطقة لا تبدأ من "الديمقراطية" وإنما تنتهي فيها. فالمسألة في النهاية ليست نظرية بقدر ما هي مرتبطة أصلا بالتاريخ. وتاريخ المنطقة السياسي قام على معادلات لا تنسجم كثيرا مع تلك النظرية على رغم وجود مؤشرات تحاكيها.

إسقاط النظريات بالمظلات الحزبية والعسكرية على المنطقة لا يفيد في تطور الاجتماع البشري "العمران". الإسقاط يسهم في تطوير النقاش الايديولوجي، ويفتح الذهن على المزيد من التفكير. ولكن التفكير في أزمة الواقع شيء، وحل الأزمة والسيطرة على عناصرها مسألة أخرى. مثلا إذا استوردنا الدستور الفرنسي كما هو، وطبقناه بحذافيره على دولة عربية فهل سيصبح شعب تلك الدولة في ثقافته وتاريخه وعلاقاته كالنمط الفرنسي؟ الأمر مستبعد؛ لأن الدستور في النهاية يعكس روح الشعب، ويلبي حاجات تطوره التاريخي في محطة معينة. فالموضوع في أساسه يتعلق بالتطور، ودرجة التطور تفرض شروطها الاجتماعية - الاقتصادية - الثقافية على تكوين النمط السياسي وسياقه القانوني "الدستور".

هذه المشكلة. مشكلة الفارق الزمني بين النظريات والتطور الاجتماعي اكتشفتها النخب السياسية في مطلع القرن الماضي، وحاولت اختصار تلك الفجوة بتأسيس أحزاب تدفع الوعي السياسي عند الناس نحو التقدم للتكيف مع نمط من التفكير يلبي طموحات التطور ولكنه لا يعكس بالضرورة نسبته.

ميشال عفلق مثلا اكتشف في الأربعينات أهمية الجيش "المؤسسة العسكرية"، فاعتبر في كتاباته أن هذا الجهاز هو الأكثر تطورا قياسا بتلك المؤسسات القائمة في المنطقة العربية. وبناء على هذا الاكتشاف السيئ راهن عفلق على دور خاص للمؤسسة العسكرية في تطوير المنطقة نحو "الحداثة" باعتبار أن جهاز المؤسسة هو الأكثر تنظيما وتقدما على غيره... وكانت النتيجة تشجيع الحزب على الانقلابات العسكرية والاستيلاء على السلطة واستخدامها كسلاح سياسي لتطوير الاجتماع البشري "العمران" عنوة. فكرة اختصار الوقت عن طريق الانقلاب على المؤسسات التقليدية والموروثة جلبت للمنطقة كوارث سياسية دفعت المجتمع نحو الانكفاء، وعزلت قواه الأساسية عن التكيف فأصبحت الدولة محكومة بنخبة انقلابية تفرض شروطها الايديولوجية على مجتمع غير مستعد "أو مؤهل" لاستقبال أنماط من السلوك لا تتناسب مع حاجاته ورؤيته للعالم.

أنطون سعادة مثلا راهن في الثلاثينات على "الجيل الجديد". فالحل برأيه لا يستقيم مع جيله بل مع الأجيال الآتية في الغد. وحين جاءت الأجيال الجديدة كانت أسوأ من القديمة وأحيانا أكثر طائفية ومذهبية من تلك التي عاصرها.

الموضوع إذا لا صلة له بالنظريات. النظرية تثير الجدل وتفتح الذهن نحو النقاش، ولكن الواقع يملك شروطه التاريخية المستقلة عن النظريات التي صاغتها مجموعات أكاديمية في جامعات الغرب ومؤسساته.

إلى هذا العامل الذاتي "الداخلي/ المحلي" تلعب العوامل الخارجية دورها في إنضاج التطور ودفعه عنوة بالتشجيع عليه أو فرضه بالقوة. إلا أن هذا السلوك أثبت فشله العملي إذا لم يكن المجتمع مستعدا أو في حال من التقدم تسمح له فيه الظروف المحلية بالاستفادة من الفضاءات الإقليمية والدولية. اليابان مثلا في نهاية الحرب العالمية الثانية كانت دولة صناعية متقدمة على كل جنوب شرق آسيا. فالتصنيع والتحديث والتقنيات لم تجلبها معها الولايات المتحدة وإنما كانت موجودة أصلا. لذلك نجحت اليابان في الاستفادة من حاجة أميركا لإعادة تجديد دورها لمواجهة ما تسميه آنذاك "الخطر الصيني". وألمانيا أيضا كانت من أكثر دول العالم تقدما في التقنيات الصناعية. فالولايات المتحدة لم تخلق ألمانيا من العدم وإنما ألمانيا انتجت نفسها مستفيدة أيضا من حاجة أميركا إلى نموذج متقدم لمواجهة ما كانت تسميه آنذاك "الخطر السوفياتي".

الجواب على سؤال "الديمقراطية" موضوع له صلة بالاجتماع "العمران" ولا يتعلق بالنظرية. فالنظرية من الأمور السهلة. وبسرعة يمكن قراءة عناصرها الفكرية. الصعوبة تبدأ بالتطبيق. والتطبيق يتصل بالواقع وما تمليه التجربة العملية "الميدانية" من شروط ليست بعيدة عن التطور التاريخي ودرجة وعي مسألة التقدم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً