العدد 977 - الإثنين 09 مايو 2005م الموافق 30 ربيع الاول 1426هـ

اشتراك في التوجيه ومعاني الحكمة

لامية الطغرائي ومعارضتها في شعر الوائلي "1 - 3"

جامعة البحرين - أنيسة منصور 

تحديث: 12 مايو 2017

تتألق لامية العجم للطغرائي معلما بارزا في فضاء الشعر العربي القديم، وتبرز كخطاب متميز في سمائه، يشد الأنظار، وقد اشرأبت إليها أعناق شعراء العربية إعجابا وعلى امتداد العصور، فعمدوا إلى قراءتها وتذوقها، ومن ثم إلى مجاراتها. والتفت إليها شعراء البحرين التفاتة قوية وعارضوها وحاكوا لغتها وأساليبها وإيقاعها.

والشيخ محمد بن عيسى الخليفة "الوائلي" هو أحد هؤلاء الشعراء، وولد في البحرين العام 6781م. وعاش في عصر تميز باستقرار الأوضاع وتهيؤ البلاد إلى الدخول في عصر جديد، أخذت فيه ملامح الحياة العصرية في التبلور والبروز. زار الكثير من بلدان العالم وخصوصا الدول العربية، وشغف بزيارة مصر، وتهيأت له فرصة التفاعل مع بيئات كثيرة، والاطلاع على تيارات فكرية متنوعة، فأغنت ثقافته، وشكلت تلك الجولات مصدرا معرفيا مهما. وعرف الوائلي بشغفه بالقراءة، والحرص على اقتناء الكتب، والاطلاع الجيد على التراث العربي وساهم شاعرنا بدور فاعل في تنشيط الحياة الفكرية. واستطاع من خلال دوره في النادي الأدبي، وكان عضوا فاعلا فيه، تحريك الجو الأدبي، وتشجيع الطاقات الواعدة. وتبنى الوائلي أفكارا إصلاحية، فدعا إلى فتح المدارس، وتربية الشباب وتعليمهم، وانتقد الاستعمار البريطاني، ودعا إلى الوحدة العربية وإلى مبادئ الحرية، وإلى النهضة والتقدم. وظل يتبنى هذه الدعوات حتى وفاته العام 4691م.

استثمار للتراث

اطلع على تراث العربية الأدبي والشعري، واستثمره لإغناء تجربته، وتفاعل مع كنوزه، واستلهمها وحاكاها. وحظيت لامية الطغرائي بإعجابه، فعارضها وسماها "لامية آل خليفة" وافتتحها بقوله:

العزم والحزم مفتاحان للأمل

والفوز إدراكه بالعلم والعمل

وبلغت أبياتها 42 بيتا.

أما قصيدة الطغرائي فبلغت 95 بيتا وطالعها:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

الحكم والقيم الأخلاقية

والقصيدتان تتقاربان في الموضوع وهو الحكم والقيم الخلقية والتوجيه الإرشادي، وتشتركان في البحر فكلتاهما من وزن البسيط، وفي الروي وهو حرف اللام، وفي حركته وهي الكسرة، فهي تكاد تكون من المعارضات التامة، ولعل ما يلفت النظر ان الوائلي يشير إلى الطغرائي وقصيدته بإعجاب ويشيد به، من دون ذكر اسمه، ويضمن قصيدته أحد أبياتها:

قد قال قبلي فذ في بـلاغته

مبرأ العقل من زيغ ومن خطل

إن العلا حدثتني وهي صادقة

فيما تحدث إن العـز في النقل

تجربة متشابهة

وينطلق الشاعران من تجربة تكاد تكون متشابهة مع وجود جوانب فارقة بينهما. فالطغرائي يعاني من إحباط خاص وشديد بسبب إخفاقه في تحقيق طموحاته، أو كما يسميه سوء الحظ الذي يرافقه ويقف في وجهه، ويقدم من هو أدنى منه، ويقابل ذلك بالفخر الذي يحاول من خلاله إيجاد تماسك نفسي وتوازن، فيفخر بعلمه ومثله العليا. ويعمد إلى استخلاص العبرة من تجربته بتقديم حكم وتأملات في الحياة وتعاملاتها وقيمها ويضعها بين يدي متلقيها.

أما الوائلي فيعاني من إحباط عام بسبب الوضع المزري لأمته العربية وتخلفها وهبوطها إلى الحضيض بعد أن كانت تتربع على القمة في ماضيها العريق. وبالآتي فينصب نفسه واعظا ناصحا فيحض العرب على النهوض والبناء والتقدم كي تستعيد الأمة ألقها الماضي ومجدها التليد في أسلوب يعبق بالفخر والاعتزاز.

المعــاني

من البديهي أن يتأثر الوائلي ببعض معاني أستاذه ويعالجها من منطلق رؤيته وعصره وطبيعة تجربته وثقافته. ومن المعاني المشتركة موضوع "العلا" فقد عالجه الطغرائي وبين انه يستدعي من طالبه المغامرة، والضرب في البيداء والتنقل، ودعا إلى المجازفة، كما أشار إلى نقيض العلا وهو الذل:

ودع غمار العلا للمـقدمين على

ركوبها واقتنع منـهن بالبلل

يرضى الذليل بخفض العيش مسكنة

والعز تحت رسيم الأينق الذلل

فادرأ بها في نحور البيد جـافلة

معارضات مثاني اللجم بالجدل

ولم يختلف الوائلي كثيرا؛ فرأى ان العلا تتطلب مجانبة الكسل والتواني، والانطلاق في فضاء البسيطة، ومن ثم دعا إلى ذلك وأيده بقول الطغرائي:

فمن أراد العـلا بالعجز قام له

من الحقيقة بـرهان على الفشل

سر في البسيطة وانظر في مناكبها

ما يبهج النفس من عز ومن دول

وطرق الشاعران موضوع الفخر، وأتى عند الطغرائي فخرا ذاتيا ملتحما بالمعاناة وخيبة الأمل بسبب إخفاق الشاعر في تحقيق طموحاته، فجاء كمعادل موضوعي يمنح النفس تماسكا وتوازنا وهو موزع على جسد القصيدة:

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

غالى بنفسي عــرفاني بقيمتها

فصنـتها عن رخيص القدر مبتذل

وعادة النصل أن يزهى بجوهره

وليس يعمل إلا في يــدي بطل

تقدمتني أنــاس كان شـوطهم

وراء خطوي إذ أمشي على مهل

وإن علاني من دوني فلا عجـب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

افتخاره بأمته

أما الوائلي فقد افتخر بأمته العربية وبماضيها التليد وما أنشأت من حكم عظيم بنته بالعلم وقوة السيف، فكان فخرا عربيا خالصا:

نحن الذين بيننا كـل مكـرمة

بالعلم طورا وطورا بالقنا الذبل

فمجد قحطان ليس العد يحصره

إلا إذا عد قطر الوابل الهـطل

ومجد عدنان كالشمس المنيرة في

رأد الضحى فتصفح مجدهم وقل

وتناول الطغرائي موضوع الصبر ودعا إليه من منطلق إن الحياة تتغير وأن لا شيء يدوم ومن ثم فالإنسان غير محتاج إلى الاحتيال لتغيير واقعه:

فاصبر لها غير محتال ولا ضجر

في حادث الدهر ما يغني عن الحيل

واقترب الوائلي من تخوم هذا المعنى فقال:

العزم والحزم مفتاحان للأمل

والفوز إدراكه بالعلم والعمل

وإذا كان الطغرائي قد قرر ان مجد الإنسان وعلاه يكمنان في تجواله في الأرض بحثا عن بغيته:

إن العلا حدثتني وهي صادقة

فيما تحدث إن العز في النقل

فإن الوائلي يستجيب لهذه النصيحة ويطبقها في حياته تطبيقا عمليا، فينتقل في بقاع الأرض فيكتسب ثروة معرفية كبيرة:

أنا الذي جبت أقطارا رأيت بها

أبناء حواء من حاف ومنتـعل

سلني فإني رأيت القوم قد دأبوا

على النضال بلا وهن ولا ملل

ويستثمر الشاعر جولاته في البلدان لهدف إصلاحي وهو الدعوة إلى البناء والنهوض، ويوظفها للحديث عن مشاهداته لتلك الأقوام ووصف ما يمارسونه من أنشطة اجتماعية لبناء مستقبل واعد فكانت إضافة عوضت حديث الطغرائي عن معاناته وإحباطاته وتجاربه القاسية في الحياة، ومن ثم جعل ذلك الحديث دليلا على جدوى العمل وعلى قدرة الشعوب على بناء مستقبلها بجهدها وكفاحها السلمي للوصول إلى أعلى الدرجات:

ففي المصانع أقوام لهم لجب

يثابرون بلا عجز ولا كـلل

وفي المزارع أمثال الجراد فمن

باد بحرث ومن مستثمر جذل

وفي الأرائك أقلام وألسنـة

تستجلب الرزق من سهل ومن جبل

الرفعة المنشودة

وأشار إلى النتيجة النهائية لمسيرة المثابرة عند الشعوب وهي تحقيق الرفعة المنشودة، وبارك هذا التوجه، وعاتب قومه على التواني:

فهم بعيش رغيد قابضون على

أزمة الكسب من مال ومن خول

هذا الجهاد الذي جدوا به وبنوا

مجدا فما بالنا نمشي على مهل؟

ثم بادر إلى حث العرب على النهوض والتقدم، ولامهم على عدم الجدية فأشار إلى بعض سلبياتهم وانتقدها متمنيا عودة المجد القديم:

ألستم ذروة في المجد قام لها

صرح العدالة وضاحا على القلل

يا آل عدنان والدنيا مغالبـة

ضيعتم الوقت في لغو وفي جدل

ضيعتم الدين والدنيا معا فمتى

يعـود ما فات من أيامنا الأول

لقد وظف الشاعر الفخر لطلب العلا والمجد واتخذ من الماضي المجيد جسرا لبناء المستقبل المشرق الذي يتوق إليه. ومن البداهة أن يرسم الوائلي طريق الرفعة والنهوض، فلفت الأنظار ومنذ المطلع إلى أولى آليات الرقي وهو العلم، ثم استثمار الوقت وعدم تضييعه:

العلم نور فخذ من ضوئه قـبسا

يهديك في هذه الدنيا إلى السبل

ولا تضع - صاح - أوقات الفراغ فكم

مرت ولم تنتفع منها على عجل

لقد اشترك الوائلي مع الطغرائي في التوجيه الاجتماعي والإرشاد الأخلاقي، وما يستلزمهما من معاني الحكمة والتأمل، لكنه خالفه في الكثير من الموضوعات أيضا نتيجة اختلاف العصر والأوضاع العامة، خصوصا فيما يتعلق بالأمة ومصيرها ونهضتها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً