إن الثقافة الغذائية هي مهمة في أي مجتمع يريد أن يصل بالمثالية في المستوى الصحي ليستفيد كثيرا من هذه المثالية لما لها من حسنات أهمها أنها تستطيع أن تقلل من كلفة العلاج ومتابعة الأمراض بشتى أنواعها وألوانها وأحجامها، وليس للثقافة الغذائية فحسب. .. بل أنها تشمل جملة كبيرة من الثقافات المتعددة التي تترابط مع بعضها بعضا لتنتج لنا مجتمعا مثاليا غير متخلف إلى حد معقول على الأقل.
ولكن ما سأتناوله هنا في هذا الشأن هو الثقافة الغذائية المسكينة والتي هي واحدة من المعدومات في مجتمعنا... نعم... فلو سألت أحدهم عن الثقافة الجنسية لأجابك بالمعلومة الصحيحة ومصدرها وأنواعها وتاريخها... بل هو على استعداد تام بأن يبحث لك عن المصادر التي من شأنها أن تقنعك، ولكن ما أن تبدأ معه في الثقافة الغذائية إلا وترى التخبط والتأليف والفتاوى تتحاذف عليك من كل حدب وصوب، فيكفيك أن تقول أريد أن أخفف وزني مثلا... فترى فتوى تقول لك اشرب ماء بكل ما أوتيت من قوة لتمشي وكأنك تنكر ماء متحرك... وآخر يشور عليك بالمنبهات والفيتامينات والمواد الكيمياوية وغيره يرشدك إلى ذلك البرنامج المجرب من نظام أكل لا تستطيع حتى الحيوانات تحمله من شدة قرفه! وغيرهم يأخذك للحواج... آآآآخ على الحواج فلديه تركيبة خاصة "تضعف" وأخرى "تسمن" والتركيبة السحرية في تخسيس الخاصرة وأخرى لتخسيس الدبة... وكأن جسم الإنسان مقطع كل قطعة لها حساب ودواء عند هذا الحواج الذي هو من يركب هذه التركيبات السحرية... ولا ننسى ذاك العشب "المجرب" الذي ينزل الوزن إذا طبخته ونقعته وقريت عليه وشربته؟!
أطباء التغذية شاب رأسهم وهم ينصحون... دكتور زهير الدلال يعمل 25 سنة فقط ليقول للناس طبيعة أكلكم خطأ... نوعية أكلكم خطأ... توقيت أكلكم خطأ... أسلوب طبخكم خطأ... ولا من منادي! وكأنه يؤذن في خرابة... 25 سنة وهو يقول المشروبات الغازية مضرة... الفاست فوود مضر... المقليات بكثرة مضرة... الزيوت على الرز على السلطة على الايسكريم على كل شيء على رغم لذة طعمها ولكنها مضرة... ولكن من يستمع أو من يستوعب إن صح التعبير!
ولكن العيب ليس في الأطباء فهم يكافحون عبر جميع وسائل الإعلام... بل المشكلة في الناس... نعم الناس التي لا تريد أن تفهم... ولا تريد أن تستوعب... وهي تنعق مع كل ناعق... انظر لهم كيف يتهافتون على برامج التخسيس التجارية والمضرة، انظر لهم وهم يركضون وراء الدجالين إذا ما زاروا البلد... انظر لهم وهم كيف يطبقون وبالحرف الواحد ما يتلقونه من معلومات خطأ من بعض برامج التلفزيون والانترنت ليكون مصيرهم النوم في أحد أجنحة السلمانية لأي مرض هم معرضون له... انظر لهم كيف يسممون أولادهم في مطاعم الفاست فود مع أكبر أحجام المشروبات الغازية لا وبخدمة إعادة التعبئة! تابع الناس في المطاعم كيف هي تأكل... يأكلون بنهم وكأن الاكل سيهرب... انظر إلى اطباعهم في العزائم... وانظر إلى شراهتهم في المحافل... إنها فعلا مشكلة... بأن يتحول جزء من أسلوب حياتنا وأهدافنا في الحياة أن نأكل... ولا شيء غير الأكل.
منذ متى وترى داء الضغط والسكري مستشريا بين الأطفال في البحرين... أليس من نقص الثقافة الغذائية أو انعدامها، ألم نتعود على وجود هذه الأمراض في كبار السن... وكنا نعذرهم فهم غير ملامين بنقص الثقافة الغذائية كما نحن ملامون الآن، ولكن لا حياة لمن تنادي... وعزاؤنا لك ولأصحابك يا دكتور زهير بأن تكونوا موجودين وسط مجتمع يصر على أن يكون متخلفا بدرجة خمس نجون غذائيا على رغم وجودكم وسطه... الله يساعدكم.
إضاءة
المثالية المعقولة جيدة وربما ممتازة... ولكن المثالية المفرطة التي تمارسها علينا وتحاول إقناع نفسك بها هي ضارة، لأن الوقت وببساطة كفيل بأن يقشع زيفها وبقسوة عليك فلا تستطيع تحملها، فكن واقعيا وحاول أن تمارس حياتك بتلقائية وواجه ما تخاف منه... فأنا متأكد كما أنت متأكد أيضا إنك شخص لتوك تتخطى سلم المثالية، وتذكر أن كل هدف في الحياة قد بدأ حلما فلا تتعدى هذه المقولة فهي في غير صالحك! أليس كذلك؟
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ
