العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ

ربيع الإصلاحات بدأ واضحا في المنطقة العربية ولكن...

النجار في قراءة لتقرير التنمية العربية 2004:

تمام أبو صافي comments [at] alwasatnews.com

قال أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين باقر النجار ان ربيع الإصلاح بدأ واضحا في كثير من الدول العربية وان لم تتضح نتائجه بمضمونها الكبير. وأشار النجار في حديث خاص بـ "الوسط" بشأن ما جاء به "تقرير التنمية الإنسانية العربية 2004" الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمشاركة مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية "أجفن" تحت عنوان "نحو الحرية في الوطن العربي"، إلى أهمية تأثير التقرير الأول والأجواء الدولية المحيطة في خلق مزاج وأجواء جديدة شكلت صيغة التعامل مع عملية الإصلاح في المنطقة العربية.

وفي الوقت الذي يرى فيه النجار ان القوى السياسية في البحرين تتخذ أحيانا مواقف مغايرة تماما لموقف ووجهة نظر المؤسسة السياسية، وأن هذا الاختلاف خلق حالا من الحراك السياسية في الحال البحرينية، ولربما الكويتية قلما نجدها في الحالات الخليجية الأخرى. إلا انه اعتبر ان الكثير من الإطراف ذات الفكر السياسي التقليدي السكوني، لا تجد في هذا الحراك إلا كما يقول البعض منهم تهديدا لحال "السلم والتوافق الاجتماعي"، ولربما السياسي لذلك فإن المشروع السياسي الإصلاحي خلق حالا من الحراك العام لا يجب أن يتوقف أو يعوق من أي من الأطراف الفاعلة في العملية والعمل السياسي.

يقول النجار: "يجب أن نقر من البدء أن الحراك السياسي هو وليد الإصلاحات كما هي الإصلاحات تأتي كنتاج لعمليات الحراك السياسي. وأشار التقرير الثاني للتنمية البشرية في المنطقة العربية الى عدة أمور يعتقد أنها بدأت تحرك الأجواء السياسية في اتجاه الإصلاح في المنطقة العربية. وهذه التحركات جاء بعضها من الداخل اذ يستعرض التقرير مجموعة من المبادرات وهي بالأصل مبادرات أهلية جاءت من قوى المجتمع المدني وقوى سياسية تطالب بإجراء الإصلاحات السياسية. وقد بدى واضحا ذلك في حال المغرب والبحرين والسعودية وسورية حديثا. وعلى رغم أن التقرير لم يشر الى تحركات حركة "كفاية" في مصر ودورها في تفعيل حركة الشارع والقوى السياسية المصرية المطالبة بالاصلاح وتنامي حركة المعارضة اللبنانية المطالبة بالانسحاب العسكري السوري من لبنان كما هو القيام بحزمة من الإصلاحات السياسية في الداخل تطال أجهزة الدولة والجهاز الأمني وقد أجبرت هذه التحركات الشعبية ولأول مرة في الوطن العربي الحكومة اللبنانية على الاستقالة.

ويضيف: "يشير التقرير الى التفاوت في وجهات النظر بشأن عملية الإصلاح عموما بين الطموح الاميركي الذي يعتبره التقرير طموحا كبيرا في حين أن هذا الطموح يعتبر من كثير من الأوساط الرسمية وبعض الأهلية أنه طموح جامح... في الوقت الذي تأتي التدخلات الأوروبية في المنطقة العربية لتعطي مفهوما جديدا يختلف عن المفهوم الأميركي والداعي لإصلاح ما سمي في حينه بـ "الشرق الأوسط الكبير" إلا أن المفهوم والمبادرة ذاتها عدلت و"لطف" من حماسها بفعل التدخل الأوروبي الذي جاءت مبادرتهم لتشير لما يسمى الآن بمبادرة مفهوم "الشرق الأوسط الموسع". وعلى رغم الموقف الذي قد يتخذه التقرير من قوى الضغط الغربية الدافعة نحو الإصلاح فإننا يجب أن نقر بحقيقة تنامي شعور ومواقف في أوساط مؤسسات الحكم الغربية والأميركية وكذلك مؤسسات صنع القرار والمؤسسات التفكيرية من أن استمرار الوضع القائم من دون حراك سياسي واضح قد ساهم في تفشي ظاهرة الارهاب وعدم الاستقرار بل انهم "أي الغربيين" باتوا يأتون بالكثير من التعبيرات التي تشير الى ان الخوف من حال الفوضى التي قد تأتي بها أية عملية إصلاح دراماتيكي أفضل بكثير من الحال السكونية التي هي عليها العالم العربي، وأن مثل ذلك يمثل قوة دافعة محلية تدفع نحو الإصلاح".

وعن المحاولات الرسمية لإيجاد شكل من إشكال الإصلاح في داخل بعض الدول العربية يقول النجار: "هناك محاولات للإصلاح من الداخل تأتي في طليعتها المحاولات المغربية وتليها المحاولات البحرينية وبعض المحاولات المتواضعة في بعض الدول والإطراف العربية. ولكنها بحسب التقرير لا ترتقي للطموح المرجو من تحقيق الإصلاحات ومع ذلك فان الخريطة التي يرسمها التقرير حول حركة الإصلاح بين قوى الداخل وضغوط الخارج تبدو مع ذلك سوداوية وهي ونتيجة لظروف التقرير لا تستطيع الوقوف أمام بعض التجارب المحدودة للإصلاح في المنطقة العربية من هنا فإن الصورة القاتمة لحال الإصلاح وتلكؤه في المنطقة العربية قد صبغت عموما التقرير حتى توظيفه للتعبير الفلكي "الثقب الأسود" في وصف الدولة العربية أو السلطات التنفيذية العربية في قدرتها على ابتلاع أو تدمير كل ما يقترب منها لا يمثل حقيقة شكل الدولة وممارساتها الاستقطابية أو القمعية في كل الدول العربية، إذ تبقى هناك اختلافات ثانوية وأحيانا جوهرية في طبيعة الدولة وأدائها وممارساتها بين الأقاليم العربية المختلفة.

وفي سؤال عن تمكين المرأة في المنطقة العربية بحسب ما تناوله التقرير يقول النجار: "أصبح تمكين المرأة من المؤشرات الرئيسية التي تقاس بها عمليات التنمية البشرية في العالم. ولكون التقرير العربي الاول اشار الى إخفاقات في هذا الجانب نجد ان عيون العالم بدأت تتفتح على وضع المرأة في هذه المنطقة من العالم".

ويضيف النجار: "طبعا ان المرأة لها دور في كثير من الاقطار العربية الا ان عملية التمكين السياسي للمرأة وكما يشير التقرير يبقى تمكينا شكليا، بل انه يبدو في بعض حالاته، على رغم أهميته، مجارات لأحد المطالب الدولية. وكما أشار التقرير فإن المنطقة العربية تبقى، من حيث تمكين المرأة، أقل من المستوى المطلوب مقارنة بكثير من الدول الافريقية من حيث دور وموقع المرأة في الحياة السياسية. لذلك نجد وتحديدا في الدول العربية الصغيرة محاولات لإعطاء المرأة أدوارا أكبر كما هو الحال بالنسبة إلى البحرين وعمان وقطر ودولة الإمارات وأيضا العراق التي لم يكن لها في السابق سفراء على مستوى العالم. لكن بلاشك ان التقرير وضع أحد معضلات الإصلاح الجانب المتعلق بتمكين المرأة سياسيا في المنطقة العربية لان هناك دولا عربية مازال دور المرأة فيها مغيبا ليس فقط على الجانب السياسي وإنما أيضا في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأخرى"، وعلى رغم أن مسألة تمكين المرأة اقتصاديا قد جاء على ذكرها التقرير الأول فإن التقرير الأخير ركز على مسألة التمكين السياسي في إطار اهتمام التقرير العام بمسألة الحريات والحقوق السياسية في الوطن العربي.

وعن التغيرات السياسية التي شهدتها البحرين خلال الثلاثة الأعوام الماضية وكيف يبدو الحراك السياسي في ظل العملية الإصلاحية يقول النجار: "لقد احتفى التقرير الأول وبشكل واضح بالتغيرات السياسية التي حدثت في البحرين ولذلك وضعها في مصاف الدولة الثانية بعد المغرب من حيث التوجه نحو الإصلاحات، إلا أن التقرير الأخير على رغم امتداحه لمسيرة الإصلاح عموما إلا أنه يرصد مع ذلك ما قد يسمى ببعض التلكؤات وتحديدا فيما يتعلق بتقنين ممارسة حريات التعبير والنشر وحريات العمل السياسي. ومع ذلك يجب الإشارة هنا، وكما أشرت سابقا، إلى أن عملية الإصلاح قد خلقت حالا من الحراك السياسي واصابت قوى المجتمع والمعارضة كما هي قد أصابت النسق السياسي، وعلى رغم ما قد تبدو عليه الأمور أحيانا من جنوح أو نزوع نحو القسرية والشدة في بعض الأحيان إلا أن ذلك طالما قاد إلى حلول وسطى أو تراض بين النسق السياسي والمعارضة. ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أن الثقافة السياسية التقليدية السائدة عند البعض طالما اعتبرت أي شكل من أشكال الاختلاف نذير فرقة ويهدد السلم الاجتماعي. بالمقابل إلا ان أحد مضامين المهمة في التقرير يفصح عن حقيقة أن المجتمعات القادرة على السير في عمليات الإصلاح هي تلك المجتمعات المتسمة بقدر غير عادي من الحراك والاختلاف السياسي. لذلك تبدو عملية الحراك السياسي في البحرين والكويت في منطقة الخليج أكثر بروزا عندما تقارن بالمجتمعات الخليجية الأخرى وذلك بفعل فاعلية القوى السياسية وقوى المجتمع المدني.

وعلى رغم أن عمليات الإصلاح قد تتسم في بعض أقطار المنطقة بسقفها المحدود ولربما المحدد فإن فاعلية القوى السياسية المحلية وقوى المجتمع المدني تدفع نحو سقف أعلى لديمقراطياتنا المحلية. وقد دخلت الكثير من القوى السياسية في البحرين والكويت في قدر من الاختلاف ولربما العراك السياسي بشأن قضايا الإصلاح والمدى الذي يجب أن اخذه إلا أن كل ذلك باعتقادي لم يخرج عن حدوده المقبولة وأن بدى في بعض حالاته جانحا للعنف أو الشدة. بمعنى آخر أن جوهر عملية الحراك السياسي هو الاختلاف والقبول به وبتداعياته لأن هذا الاختلاف، كما هو في الديمقراطيات الأخرى، يحل عن طريق المساومة والتنازل المتبادل، ومن المهم القول إن قوى المعارضة البحرينية وكذلك هي في الحال الكويتية قد حملت مواقف ووجهات نظر مغايرة لوجهة نظر الدولة، وقد بدا واضحا ذلك الاختلاف بشكل جلي فيما سمي بالقضية الدستورية وفيما يتعلق ببعض مشروعات القوانين المقدمة من قبل الدولة للمجلس النيابي مثل الموقف من قانون التجمعات وقانون الجمعيات السياسية وقانون مكافحة الإرهاب، بل أن موقف الناس الذي يبدو أكثر قوة من موقف بعض نواب مجلس النواب في كثير من القضايا التي يتبناها. هذه كلها مؤشرات على حركية المجتمع والقوى المطالبة بالإصلاح والتي باتت تشكل قوى ضاغطة. وهي من دون شك إحدى القوى الرقابية التي باتت تفوق بادائها قدرة السلطة التشريعية الحالية على أداء دورها الرقابي ولربما التشريعي، حتى قوى السلطة التشريعية داخل المجتمع البحريني".

ويضيف: "على رغم ان هناك تقاربا كبيرا بين الواقع الموجود في البحرين ودولة الكويت فإن السلطة التشريعية ودورها الرقابي في الكويت يعتبر الأفضل في المنطقة العربية من حيث قدرتها على ممارسة دورها الرقابي والمحاسبي على رغم ما قد يلوح به دائما من تهديد بالحل. كما مثلت من ناحية أخرى قوى المجتمع المدني داخل المجتمع الكويتي قوى ضاغطة وقد اتضح دور وفعالية هذه القوى من خلال الضغوط التي تشكلت أخيرا والتي اثمرت بحصول المرأة على موافقة مجلس الأمة للمشاركة في الانتخابات البلدية. هناك أيضا الكثير من الامثلة عن الحراك السياسي في بعض الدول العربية كما هو الحال بالنسبة إلى المواقف التي تتبناها حركة "كفاية" المصرية والتي حركت الساكن ووسعت من إمكانات التعبير عن الرأي التي لم تكن تتاح أو ممكنة حتى سنوات قريبة جدا، وبالمثل يمكن تكرار القول عن الحال اللبنانية التي باتت تمثل حالا فريدة على قدرة المجتمع المدني في إحداث الإصلاح".

ويختتم النجار حديثة بالقول: "انني اتفق الى حد بعيد مع الرأي القائل ان خريف الدكتاتورية في المنطقة العربية قد أزف إلا أن ربيع الديمقراطية على رغم تلكؤ وصوله هو قادم لا محالة. ومن الملاحظ انه ومنذ نحو العام 2002 إذ صدر تقرير التنمية البشرية الاول فإن قدرا من الحراك السياسي قد شهدته المنطقة العربية بل أن عملية الحراك بدت تغزو مواقع لم تكن هذه الاجندة مطروحة من قبل قواها السياسية او قوى المجتمع المدني او حتى الدولة. ما يدعم فكرة أن هناك اجواء ومزاجا عاما جديدا خلفه التقرير وخلقتها كل الاجواء الدولية المحيطة".

وكان التقرير الذي صدر في مطلع هذه الشهر قد طالب بمباشرة إجراء إصلاحات قانونية وسياسية، والحد من احتكار السلطة الذي يحظى به المتنفذون في معظم دول المنطقة.

ورأى التقرير، الصادر بعد تأخير أشهر نتيجة الكثير من الخلافات، ومنها الخلاف مع واشنطن بشأن بعض مضمونه الذي ينتقد احتلال العراق وفلسطين، انه "حتى مع وضع القهر الخارجي جانبا، فإن الحريات مستهدفة من سلطتين، أولاهما الأنظمة غير الديمقراطية وثانيتهما سلطة التقليد والقبلية المستترة بالدين أحيانا". مشيرا إلى أن "تضافر السلطتين على الحد من الحريات والحقوق الأساسية أدى إلى إضعاف مناعة المواطن الصالح وقدرته على النهوض".

ولفت التقرير إلى أن الحريات، وخصوصا حرية الرأي والتعبير والإبداع، "تعاني أوجه الكبت والقمع في غالبية البلدان العربية". وأوضح التقرير انه باستثناءات قليلة وشكلية في بعضها، لا تجرى في البلدان العربية المعنية انتخابات رئاسية حرة يتنافس فيها أكثر من مرشح في انتخاب عام. كما اشار التقرير الى كثرة العمليات الانتخابية التي تجرى على الساحة العربية، مضيفا انها في غالبها طقوس إجرائية تمثل تطبيقا شكليا لاستحقاقات دستورية، عانى معظمها تزييف إرادة الناخبين، وتدني تمثيل المعارضة، وبهذا لم تؤد دورها المفترض كوسيلة للمشاركة.

فيما عرض التقرير بعض الإيجابيات في مجال الحرية في الوطن العربي، مشيرا إلى توجه بعض الحكومات وفي شكل حذر نحو الانفتاح السياسي على قوى المعارضة، والافساح في مجال العمل العام، وذلك مع عدم نفي استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من الدول العربية، ومعاناة منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من القيود في عدد آخر، مشيرا إلى مسألة تمكين المرأة إذ يرى أن المغرب حقق الإنجاز الأكبر بإصدار المدونة الجديدة للأسرة التي لبت الكثير من مطالب الحركة النسائية في ضمان حقوق النساء

العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً