الصحافي السعودي جمال خاشقجي اقترح قبل فترة وجيزة منح المرجع الديني السيدعلي السيستاني جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام، وقبل ذلك اقترح الصحافي الأميركي توماس فريدمان منح السيستاني جائزة نوبل للسلام. وفي حديث مع الأخ جمال "الذي يعمل حاليا مستشار للسفير السعودي في لندن الامير تركي الفيصل" الاسبوع الماضي قال إنه بعد اقتراحه منح الجائزة للسيستاني تسلم في اليوم الأول "بعد كتابة المقال في صحيفة "الوطن" السعودية" أكثر من خمسين رسالة تأييد لاقتراحه.
أما عن الأسباب لاقتراح السيدالسيستاني لمثل هذه الجوائز فهي كثيرة... فهو الرجل الذي وقف مع الحل السياسي السلمي لأزمة العراق، وهو الذي دعا للمشاركة واحترام جميع الأطراف، سواء كانت مشاركة أم مقاطعة، وهو الذي حرم على العراقيين الشيعة الدخول في ردود فعل على عمليات استهدفتهم، وذلك لمنع حمامات دم واقتتال أهلي داخلي.
السيستاني قام بأمور أخرى أيضا، فهو الذي جمع شمل الفرقاء الذين لم يتمكنوا من الاجتماع مع بعضهم بعضا لأكثر من عشرين سنة، بعد ان فرق نظام صدام حسين صفوف المعارضة المنظمة وأرسلها إلى خارج العراق لتدخل في دوامة الخلافات التي لم يكن أحد يتصور انها ستنتهي في يوم من الأيام.
قبل إعدام السيدالشهيد محمد باقر الصدر في ،1980 كان هناك عمل منظم في العراق، وكثير من الكوادر كانت تعمل تحت اسم حزب الدعوة الإسلامية، وبعضها كان يعمل مع تنظيمات أخرى. ولكن بعد العام 1980 أصبح حزب الدعوة حزبين، ثم ثلاثة ثم أربعة ثم بدا وكأنه سيتلاشى. وظهر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق من أجل لم شمل الاحزاب العراقية الإسلامية الشيعية، ولكن المجلس أصبح جهة أخرى لها ثقلها المستقل عن التنظيمات التي سبقته.
غير ان السياسة لا تدوم على حال، فبعد سقوط نظام الطاغية صدام، عادت التنظيمات وعادت الفعاليات السياسية للظهور. وبدا وكأن الأمر معقد لاختلاف وجهات النظر بشأن كل شيء. ولكن قيادة السيستاني استطاعت ان تؤلف بين قلوب الفرقاء من خلال مد الجسور والسماح بتعددية الآراء وتوجيه العملية السياسية من دون الدخول في التفاصيل التي لا يضر الاختلاف حولها كثيرا.
السيستاني - برأي الكثيرين - هو شخصية فريدة من نوعها تفتقر إليها ساحتنا السياسية التي تتشعب كثيرا، وتتشتت فيها الأجندة وتتبدد فيها الطاقات الخيرة.
الحكومة العراقية الحالية هي حكومة مصالحة مع النفس ومصالحة مع تاريخ الحركة السياسية التي اختلفت في كل شيء على رغم ان عدوها كان واحدا. والحكومة العراقية أمامها مهمات كبيرة، ولكن أكبر مهمة هي ان تنقل "ثقافة التسامح السيستانية" من داخل صفوفها إلى صفوف المجتمع العراقي. فهذا البلد له أعرق تاريخ حضاري ويمتلك من الخيرات البشرية والطبيعية ما يؤهله لأن يتسنم قيادة جانب من العملية التنموية والديمقراطية التي نحتاجها في منطقتنا.
ربما ان ما يجري في العراق يوضح ان الخير بامكانه ان يخرج من بطن الشر، فالاحتلال الأميركي وما سبقه من وحشية ودكتاتورية نقل الشعب العراقي الى مرحلة جديدة، ونجاح العراق في بناء الدولة وصيانة المجتمع وحفظ أمنه واستقراره هو نجاح لكل المنطقة. وخلف هذا النجاح يوجد السيدعلي السيستاني ... الذي يستحق بجدارة جائزة نوبل للسلام ويستحق بجدارة أيضا جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 976 - الأحد 08 مايو 2005م الموافق 29 ربيع الاول 1426هـ