العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ

ممسكينة أيتها الديمقراطية ... فكم من الجرائم ترتكب باسمك!

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

البعض يسألوني، ماذا تتوقع أن يكون مستقبل الوضع العربي من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية وحتى الاجتماعية؟ ليست عندي إحصاءات دقيقة وأرقام إلا في بعض المواقع، ولكن بقراءة نابعة من تلمس بعض مواقع المجتمع، نجد أن هناك صعوبة في تغيير الظروف، المشكلة هناك أزمة ثقة متبادلة، هناك فساد ضارب في الجذور وتنفذ في كل مفاصل المواقع المهمة، وكل من تملك سلطة صغيرة أو كبيرة يريد اختزال كل العالم في شخصه ولو كان مدير مزرعة دواجن.

في عالمنا العربي هناك عملية احتكار للمواقع، للمؤسسات، حتى "صندقة" بيع الطماطم هناك احتكار وإقصاء. الفارق هو عملية التغليف الخارجي. كلنا ندعي الديمقراطية والإيمان بالرأي الآخر، ولكن غالبيتنا ولا أبالغ إذا قلت بنسبة 98 في المئة يردد ولو بالتلميح، لو نازعتني فيها أكانت سلطة ناد أو سلطة بقالة أو سلطة مزرعة دواجن أو سلطة حكومة لأخذت الذي فيه عيناك.

في العالم العربي تحولت الجمهوريات إلى إقطاعيات وتملك. الفارق بيننا هو التبرير. أكبر اختيار لأي إنسان عندما تعطيه سلطة. إذا أردت أن تختبر رجلا فأعطه سلطة. هنا يكمن الاختبار الصعب، هنا تتضح حقيقة شعار الديمقراطية التي يحملها. أضرب مثالا: بعد الثورة البلشفية في روسيا، رفع الشيوعيون شعارات تعددية، ولكن ماذا حدث بعد ذلك في السجون الروسية من التعذيب وقطع الأظافر؟ الثورة الفرنسية جاءت بشعارات السلام والإخاء والمساواة، ولكن بعد ذلك أخذت تأكل أبناءها. السادات رفع شعار التحديث وتحالف مع الاخوان لضرب الناصريين ثم وضع الجميع في المعتقل. صدام حسين رفع شعار الوحدة العربية والعروبة "ذات رسالة واحدة" وفي يوم توليه أخذ يصفي "الرفاق" إلى أن وصل إلى قتل أزواج بناته، وغالبية الحركات الثورية التي حكمت بعض دولنا العربية، مثل بعض الحركات القومية التي كانت ترفع شعار الإيمان بالحرية، ولكن الذي ثبت أنها كانت "تؤمن" بالحرية وهي في صفوف المعارضة وكفرت بها عند وصولها إلى السلطة.

أقرب المثال أكثر اختبر صديقا لك ليكون مسئولا عليك في وزارة، ان يكون مديرا لك مثلا، فإنه سرعان ما يتحول إلى شخص ثان، وأول ما يقمع يقمع الذين باركوا له وهنأوه تسلمه المنصب الجديد ووزعوا يوم المناسبة الحلاوة والبسكويت.

فعلا، السياسة فن السفالة الأنيق. الحكم الواقعي كما يقول الفقهاء هو حكم واقعي، الفارق أن هذه السفالة الأنيقة أحيانا نصب عليها ماء ورد سياسي إذا كانت في السياسة، وماء ورد إداري إذا كانت في الإدارة واجتماعي إذا كانت اجتماعية، ولكن كل هذه الألوان والعطورات لا تغير من جوهرها... إنها "سفالة".

حسب الديمقراطية رفعة ادعاء الجميع لها، وحسب الدكتاتورية ضعة تبرؤ الجميع منها وغضبهم إذا نسبوا إليها.

درس الإمام الغزالي قديما ظاهرة "عشق السلطة" واعتبرها آخر ما يخرج من قلوب الصالحين وهي لذة لا توازيها لذة في الدنيا عندما تتحرك الجموح بإشارة من يد وتخر الرقاب ساجدة بالحمد بيد. فكيف إذا بالإنسان العادي وهذا المفهوم يلتقي تماما مع ما طرحه السيدمحمد باقر الصدر عندما راح يقول "من منكم لو امتلك دنيا هارون الرشيد لما اعتقل الإمام موسى بن جعفر؟".

المشكلة أننا نعاني من نقص حاد وعقد سيكولوجية، تنظر إليه تراه شخصا عاديا وما أن يصبح مسئول عمال مجار حتى تنتفخ نرجسيته إلى درجة كبرى وتتضخم بشكل ملفت ويتكلم من منخريه، ويحاول أن يقمع هؤلاء العمال وكل يوم ينظر إلى المرآة ويحدث نفسه: "معقول أنا فلان صرت مسئول عمال مجاري... ياه اشقد أنا كبير"، ويبدأ بقمع العمال فعلا ويجتهد في القسوة عليهم وهم من دمه ومن أبناء جلدته... لو قدر لهذا الشخص التافه أن يكون مديرا ماذا سيفعل؟

الدكتاتورية موزعة على غالبيتنا، ولكن الفارق هو النسب. هتلر كان ينظر للتعددية في كتابه "كفاحي" ولكن ماذا فعل بعد ذلك؟ وعندما يغيب النقد يبدأ كل بشر يتحول إلى إله... ألا نعاني من اختلاط الإلهي بالبشري سياسيا اجتماعيا ثقافيا؟ الحقيقة المرة إذا قيلت ان لم يكفرها المجتمع كفرتها الدولة وهكذا.

من منا يستطيع أن يقول - أكان مثقفا أو وزيرا أو عالما - "من رأى في اعوجاجا فليقومه! ولا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها! ولكن ذلك لا يعني عدم وجود أمثلة لشخصيات لم تلهث وراء السلطة كماندلا وغاندي وأحمد ياسين وموسى الصدر وغيرهم. وضعنا العربي لن يتغير مادمنا دائما نبحث عمن يقول: نعم... كل شيء صحيح

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً