العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ

إيران وبحر قزوين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يعقد في مدينة رشت شمال إيران هذه الأيام الملتقى الدولي لبحث التغييرات السريعة في ارتفاع مستوى مياه بحر الخزر، وأسباب وعوامل هذه التغييرات وتأثيراتها على البيئة وذلك بمشاركة الكثير من الباحثين من أميركا وأوروبا وروسيا، ويبدو أن عقد هذا الملتقى يأتي في سياق سلسلة التحركات الإيرانية المتعددة والمستمرة لتأكيد حضورها في منطقة بحر قزوين الذي تتشاطأ معها فيه كل من روسيا "شمال غرب" وكازاخستان "شمال شرق"، وتركمانستان "شرق"، وأذربيجان "غرب"، فإيران ترى أنها الأجدر من بين المتحاصصين معها في طريقة الاستفادة من ثروات البحر باعتبارها الوحيدة التي تطل على الخليج بمساحة 3200 كم الذي لا يبعد عن الحوض سوى 600 إلى 700 كم، بالإضافة إلى بحر عمان والجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي وهو ما يعطيها حرية الاتصال بالأسواق الدولية عبر البحار، أما الدول الأخرى فلا تستطيع الوصول إلى أسواق العالم إلا عن طريق سكك الحديد وخطوط الأنابيب عبر بافق - مشهد أو جابهار "المتاحة أصلا في الأراضي الإيرانية وهي أقصرها وأكثرها أمنا وأنسبها اقتصاديا لربط منطقة قزوين بالقارة الهندية واليابان والشرق الأدنى وحتى شمال وشرق أوروبا"، بالإضافة إلى كل ذلك فإنها "أي إيران" تقع بين مخزوني الشكل البيضوي الاستراتيجي للطاقة القزوينية البالغ حجمها 200 مليار برميل وهو ما يعطيها ميزة استراتيجية كبرى.

ثروات بحر الخزر

يعتبر بحر قزوين أكبر تجمع مائي محاصر في العالم "1200 كم" ويقع بين أوروبا وروسيا ويحتوي على أكثر من 170 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و200 مليار برميل من النفط متقدما بذلك على نفط المملكة العربية السعودية "259 مليار برميل" ونفط الشمال "17 مليار برميل" ونفط الولايات المتحدة الأميركية "22 مليار برميل" كما أنه مكتنز بالكبريتات وأسماك السلمون وبويضة الكافيار على رغم أن بعض المحللين يقللون من تلك الأرقام ويقدرون أن ثروات البحر تأتي يقينا بعد منطقتي الخليج وسيبيريا .

ونتيجة لتلك الثروة الهائلة في بطن البحر أصبحت لدى الدول المطلة عليه ورقة اقتصادية مهمة يمكن أن تجذب لها الكثير من التجمعات الاقتصادية والشركات الضخمة العاملة في مجال النفط.

الدول المتشاطئة

في الفترة الممتدة ما بين 1921 و1940 وقعت إيران والاتحاد السوفياتي "سابقا" اتفاقيتين حددتا فيهما الحقوق الإقليمية لبحر قزوين، وقد استمر العمل بالاتفاقيتين حتى سقوط الاتحاد السوفياتي في العام ،1991 إذ بدأ الصراع المكتوم بين الدول الناشئة في آسيا الوسطى والمطلة على البحر بالإضافة إلى إيران وروسيا، وقد جرت محاولات دبلوماسية عدة لاحتواء الإشكالات القائمة بين تلك الدول من دون تحقيق حل مرض للأطراف المعنية .

وقد تباينت مواقف تلك الدول بالنسبة لعملية تقسيم ثروة البحر، فالجمهورية الإسلامية دعت بأن تحصل كل دولة على حصة عشرين في المئة وتقاربت معها في ذلك تركمانستان فيما رأت أذربيجان أن الطريقة المثلى للحل هي باتباع قواعد خطوط العرض الجغرافية وهو ما يفضي بالتالي إلى المحاصة الآتية:

كازاخستان 29 في المئة، وروسيا 19 في المئة وأذربيجان 21 في المئة وتركمانستان 17 في المئة وإيران 14 في المئة وهو تقسيم لا يرضي أبدا الأطراف الأخرى وخصوصا أن حكومة باكو قد تمادت كثيرا في عملية الاستفراد بعمليات التنقيب أحادية الجانب، مستقوية في ذلك بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية إذ بدأت باستخراج خمسة آلاف مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من حقول شيراق، وآذري، وجونشلي، وشاه دنيز، وبير الله بالإضافة إلى أنها بدأت في استقدام شركات أميركية وبريطانية كـ "برتش بتروليوم" "BP" للتنقيب في البحر على رغم أن موضوع التقسيم لم يحل بعد .

خيارات إيران

1- أن تتحالف طهران مع تركمانستان باعتبارهما الخاسران من عملية التقسيم وفق العمق الساحلي، والبدء في عملية استمالة لروسيا باعتبارها أيضا الخاسر رقم ثلاثة وبالتالي تختلط الأوراق من جديد مع خروج موسكو من دائرة الصمت تجاه ما تقوم به باكو، فتخسر الأخيرة ثقلا سياسيا مهما، وكانت سفينة تابعة لشركة بتروليوم تعمل لحساب أذربيجان أرغمت في شهر أغسطس/ آب من العام 2001 على ترك هذا الموقع في بحر قزوين تحت تهديد سفينة حربية إيرانية، وأعلنت الشركة آنذاك أنها علقت أبحاثها لحين حل النزاع الحدودي بين الجانبين، أضف إلى ذلك فقد تسعى إيران عبر تحالفها مع تركمانستان إلى إلغاء مشروع الولايات المتحدة الأميركية الساعي إلى مد أنبوب في قاع بحر قزوين بين تركمانستان وأذربيجان، ثم الطلب من تركيا تجميد أو إلغاء مشروع مماثل يسمى خط باكو - جيحان والذي يمر عبر الأراضي التركية

2- أن تسارع إيران في تسوية مشروع المسار البري لخط الأنابيب البالغ طوله 2500 كلم مع الهند بهدف إيصال الغاز الطبيعي إليها عبر باكستان، وذلك لما يشكله ذلك المشروع من دفع جديد للحضور الهندي الطموح في منطقة آسيا الوسطى، أضف إلى ذلك فإن الهنود قد أبدوا رغبتهم في استكمال مشروع مد الخط الحديد بين بافق ومشهد ليربط الخليج بمنطقة الخزر وآسيا الوسطى ويبلغ طوله 700 كيلومتر، كما أن الاتفاق الذي تم بين نيودلهي وطهران في أغسطس 1995 والقاضي بتأسيس شبكة من خطوط أنابيب الغاز لربط حقول الغاز الإيرانية وحقول في آسيا الوسطى لربطها بالهند بطول 2000 كيلومتر قد يفرض استحقاقات جديدة أخرى .

3- يمكن للإيرانيين المراهنة على سلسلة الاتفاقات التي وقعوها مع الصين وبين الأخيرة وتركمانستان في العام 1997 لمد خط أنبوب لنقل الغاز، مع عدم الالتزام بأية اتفاقات تخص التقسيم وفق القواعد الجغرافية، وهو ردة فعل طبيعية لعدم التزام أذربيجان بمحاصصة 20 في المئة من ثروات البحر.

4- أن تبادر إيران لإلغاء الشراكة بينها وبين أذربيجان التي انعقدت في منتصف التسعينات للتنقيب عن النفط، وفي الجانب الآخر ممارسة ضغوط على باكو عبر منظمة التعاون الإقليمي للتنمية .

إلا أن الموضوع القزويني يبقى متشعبا ويحمل الكثير من التصورات والقراءات التي قد لا تستوفى الآن

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً