بعدما استقرت الأوضاع الأمنية في البحرين وبعد انتفاضة التسعينات المباركة، بدأت تلوح في الأفق تباشير المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، أصبحت هناك حركة دائبة وحثيثة باتجاه تأسيس وإشهار الكثير من الجمعيات على تعدد أنواعها ومشاربها، تحت عنوان مؤسسات المجتمع المدني امتثالا لـ "السلطة الخامسة"، وكان هناك وعي وتجاوب كبيران سواء من قبل المواطنين كإرادة أو من قبل وزارة الشئون الاجتماعية كجهة رسمية، على كل حال تأسست الكثير من الجمعيات إلى الحد الذي أصبحنا الآن نعاني من التخمة المفرطة ووصل بنا الحال في الوقت الراهن أن تخرج وزارة الشئون الاجتماعية وتطالب بدمج الجمعيات التي تحمل الأهداف والأولويات نفسها ضمن جمعية واحدة، حفاظا على الجهود المبذولة من قبل الوزارة سواء كانت تنظيمية أو مالية، على كل حال ليس هذا الموضوع الذي أود التطرق إليه لعلي أستشهد بهذا لتهيئة القارئ إلى الموضوع الأساسي. من بين ما تأسس وأشهر جمعية الرفق بالحيوان الذي سمعنا عن إشهارها، ولكن لم نسمع عن أنشطتها ولا عن نوعية برامجها إلى الآن، وهذا ليس بغريب فالكثير من الجمعيات التي تم تأسيسها وإشهارها لها الواقع نفسه، لها كيان ولكن لا صوت يسمع لها ولا دور يشهد لها.
بعد تلك المرحلة التي قطعت في تأسيس وإشهار الجمعيات وصلنا إلى مرحلة نستشعر من خلالها أهمية توافر ووجود جمعيات ذات طابع يختلف كثيرا عما هو موجود حاليا طبعا بعد مرورنا بالكثير من المخاضات العسيرة ، استشعرنا حاجة ماسة إلى وجود جمعية تعنى بالإنسان من جميع النواحي يطلق عليها اسم "جمعية الرفق بالإنسان" بدلا من الرفق بالحيوان، فالإنسان أسمى المخلوقات التي تستحق منا كل الرعاية والعناية، وخصوصا أنه، أي الإنسان، قد تعرض للكثير من المحن والمعاناة وعلى أكثر من صعيد كان آخرها معاناة "الإنسان" في قرية المعامير تلك القرية الموبوءة خصوصا بعد المحنة والمعاناة التي مرت بها من تردي الأوضاع الصحية والبيئية من جراء تسرب الغازات والأبخرة من شركتي ألبا وبابكو وتعرض الكثير من أهالي المنطقة لشتى صنوف الضرر من أمراض جلدية والتهابات العيون وأمراض مزمنة وأمراض قاتلة وسرطانات وأمراض، وهذا ما حصل لعائلة عبدالعظيم أحمد مدن المعاميري، إذ فقدت هذه العائلة أربع شموع في عمر الزهور، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه ، ستنكمش القرية بل أنها ستنقرض، لذلك كان لزاما علينا أن نستشعر أهمية وجود جمعية الرفق بالإنسان، فالإنسان بطبيعة الحال أحق بأن يحصل على الرعاية والاهتمام والعناية، كما اننا بحاجة ماسة إلى جمعية حماية الإنسان من الانقراض ألم أذكر لكم بأن الأمر إذا ما استمر على ما هو عليه سينقرض أهالي قرية المعامير، أتصور إننا قد نحتاج إلى جمعية حماية الحيوان من الانقراض وجمعية الرفق بالحيوان، ولكن لا يختلف عاقلان بأننا أحوج إلى جمعية الرفق بالإنسان تطالب بالرفق به، من الحياة الصناعية الزاحفة ومخلفاتها القاتلة، 70 عاما والغازات المنبعثة من شركة بابكو يتنفسها أهالي المنطقة ولا حسيب ولا رقيب وكل ما فعلته الشركة هو زراعة بعض أنواع الأشجار في القرية بغية تخفيف أضرار التلوث.
الغريب العجيب في الأمر أن الجهات الرسمية إلى الآن لم تعترف بحجم الأضرار التي لحقت بأهالي المنطقة وكل ما يحاولون فعله هو الدفاع المستميت، والبحث عن أسباب واهية لا علاقة لها بالمشكلة من باب إثارة التطمينات، ولكن لو كانت هناك جهة متخصصة تعمل على الرفق بهؤلاء البشر لما وصل الأمر إلى ما وصل إليه، إذ بلغت أعداد المتضررين إلى الآن 81 حالة من حالات إجهاض وأمراض جلدية، هذا علاوة على المصابين بأمراض تنفسية وأمراض في الدم وسرطانات، ناهيك عن حالات السرطانات التي إلى الآن لا أحد يقدر عددها وهي في تزايد مستمر.
حياة الإنسان أصبحت رخيصة، وعلى وزارة الصحة الكشف عن احصاءات دقيقة بأعداد المصابين بالسرطانات من أهالي المعامير، كذلك الحال بالنسبة لأمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية، ونطالب مركز الدراسات والبحوث بإجراء دراسات وبحوث علمية بشأن حالات السرطانات في المعامير، والذين يتجاهلون القضية أو يقللون من شأنها عليهم التالي: الأول متعلق بأمر موضوعي وهو أن تقرير الهيئة العامة للبيئة والحياة الفطرية الذي نشر قبل شهرين تقريبا أكد أن نسبة التلوث في المعامير تصل إلى 90 في المئة، وهذا يؤكد أنها تفوق الأرقام والمعايير الدولية وهذا يجب عدم تجاهله وبالتالي لابد من الالتفات جيدا إلى هذا الأمر فالمسألة ليست بالسهولة المطروحة. الأمر الثاني الذي لا يصدق الوضع المأسوي الذي تعاني منه المعامير في الوقت الراهن ويراهن عليه أنه نتيجة الاستقلاب الحراري، نقول له إن البحرين ليست من الآن تعاني من الاستقلاب الحراري وليست المعامير فقط التي تعاني من الاستقلاب الحراري بل كل البحرين بلا استثناء تعاني منه لماذا المعامير من دون غيرها تعاني من هذا الوضع، أليس الأمر مرتبط أيضا بوجود مصانع وشركات كبيرة تبث سمومها ليل نهار على أهالي المنطقة لا حسيب ولا رقيب وبالنتيجة النهائية نقلل من شأن المسألة؟ لسنا هنا نتكلم في المطلق أبدا والشواهد خير برهان على ذلك، والذي يعتبره كلاما في المطلق عليه أن يكون عمليا وميدانيا جدا، عليه أن يترك منزله والمنطقة التي يعيش فيها ويسكن ليلة واحدة فقط في المعامير ولمدة 24 ساعة وعليه أن يسجل يومياته في ظل الأجواء البيئية غير الصحية.
الجانب الأهم في المسألة لتحقيق انفراجة معقولة يكون عبر الأتي:
تأكيد أهمية توفير بيئة صحية خالية من التلوث من خلال تكاتف كل الجهود الرسمية والأهلية، لابد من وجود لجنة تحقيق أهلية تعمل على تقصي الحقائق وعلى الجهات الرسمية التعاون معها، محاسبة شركتي ألبا وبابكو ومطالبتهما بوضع برنامج عملي يعمل على القضاء على التلوث الغازي أو ما شابه ذلك، وتعويض جميع المتضررين، نأمل أن تقف الصحف المحلية مع أهالي المنطقة المتضررة والتعامل مع القضية باعتبارها قضية إنسانية ولا يجب أبدا تضليل الرأي العام والتشويش الإعلامي فلسنا بحاجة إلى تعتيم إعلامي فأرواح الناس غالية لا رخيصة ولا يجب المساومة عليها ونأمل ألا نكون بحاجة إلى جمعية للرفق بنا، فنحن أقدر على توفير الرعاية والاهتمام لبعضنا بعضا، لا نريد أن نحجم من الجهود الخيرة التي تبذل في سبيل الارتقاء بالنوع البشري الذي هو أفضل مخلوقات الله تعالى وكلنا محاسبون أمام الله
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 975 - السبت 07 مايو 2005م الموافق 28 ربيع الاول 1426هـ