العدد 974 - الجمعة 06 مايو 2005م الموافق 27 ربيع الاول 1426هـ

حوادث العراق الدامية وتأثيراتها المحتملة على منطقة الخليج

منيرة أحمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

ألقى رئيس مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة ريتشارد هاس الأسبوع الماضي محاضرة في البحرين عنوانها "التحديات والفرص في الشرق الأوسط الكبير. .. وجهة نظر أميركية"، ومن ضمن محاضرته أشار هاس إلى الوضع الحالي في العراق مركزا على أن صوغ الدستور الحالي يشكل مفصلا رئيسيا في جلب الإستقرار إلى العراق، منوها بأن الدستور الجديد يجب أن يوازن بين سلطات الحكومة وينظم العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية ويضمن حقوق المواطنين.

وأضاف أن ما يحدث في العراق الآن سيؤثر على الدول المجاورة، وأن الانتخابات التي جرت هناك حديثا انعكست بشكل إيجابي على المنطقة والدول المجاورة، ولكن لم يعلق المسئول الأميركي على ثمن تلك التغييرات التي أغرقت العراق في بحار من الدماء الزكية التي لاتزال تروي أرض العراق على مدار الساعة.

لقد أصبحت حوادث العراق الدامية جزءا يوميا من روتين حياتنا نتعاطاها كأي حقيقة أخرى تهمنا ولا نملك فعل شيء تجاهها، ولكن هل ستؤثر تلك الحوادث على منطقة الخليج؟ وإلى أي مدى؟ فالعراق تاريخيا كان له بالغ التأثير وبالتحديد منذ العهد السومري عندما كان التجار القادمون من أرض الرافدين يتوقفون في موانئ دلمون "البحرين" وماجان "على الساحل العماني"، إذ يكملون رحلتهم إلى وادي السند. بل إن أسطورة جلجامش الذي يتكون من نصف إله ونصف رجل والذي عاش في بلاد ما بين النهرين قبل 2700 عام تذكر أنه قد جاء إلى دلمون "أرض الخلود" للبحث عن زهرة الخلود كي ينقذ صديقه أنكيدو.

هذه العلاقة بقيت منذ ذلك الزمن السحيق بين مد وجزر، ولكنها ازدادت متانة وقوة بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، وخصوصا بعد اختيار العباسيين بغداد عاصمة لدولتهم. ولا يخفى أن كربلاء والنجف وفيهما أهم وأقدس مزارات الشيعة تقع ان داخل هذا البلد إذ يتوافد الألوف من الحجاج الشيعة سنويا لزيارة الأضرحة المقدسة فيها. كما أن القبائل السنية العربية وخصوصا من المملكة العربية السعودية والكويت قد استوطنت جنوب العراق في منطقة الزبير والبصرة. وبعد اكتشاف النفط في منطقة الخليج رجعت تلك القبائل والأسر إلى موطنها الأصلي في السعودية والكويت، ولكن ظلت العلاقات قوية مترابطة بينهم وبين سكان المناطق العراقية الجنوبية. إضافة إلى كل ذلك أو نتيجة له نلاحظ أن الزواج المختلط بين أبناء الخليج والعراق قد انتشر على مر العصور، إلا أنه ازداد انتشارا في العقود القليلة الماضية بسبب سهولة الاتصال والتواصل بين المنطقتين. وحتى اللهجة العراقية وخصوصا لهجة سكان الجنوب تشبه إلى حد كبير لهجات مناطق الخليج وبالذات الكويت وشرق السعودية والبحرين. بل طال هذا التشابه العادات واللباس والفنون والموسيقى. ومع ازدياد أعداد العراقيين الذين نزحوا إلى الخليج في سنوات الحرب الأخيرة ازداد هذا التلاحم قوة.

وكما هو معروف فالعراق يجمع بين ثراء النفط وخصوبة التربة ونهرين يجريان منذ الأزل، مع وجود مؤسسات علمية وتعليمية تخرج كوادر قادرة على إدارة وطنها بحذق وبراعة. وكان التوقع أن ينتهي العراقيون، بمساعدة أميركية، إلى كتابة الدستور الجديد الذي سيكون دستورا علمانيا يصلح لكل الفئات التي يتشكل منها النسيج الاجتماعي العراقي. إلا أن ما يدور الآن خلف الأبواب وما يلاحظ من تشكيل الحكومة أن القبلية والطائفية قد لعبت دورا كبيرا فيها، ولابد أن يتأثر دستور العراق بما هو طاف على السطح حاليا، وأقصد هنا أن يتشكل دستور تحكمه الطائفية والقبلية والعرقية. وسيقال إن هذا دستور مؤقت سيتغير مستقبلا، إلا أننا من خلال تجارب تلك المنطقة نعلم أن ما هو مؤقت يبقى دائما. ولابد من أن ينعكس كل ذلك على منطقة الخليج وخصوصا البحرين، إذ تتشابه التشكيلة الاجتماعية والطائفية مع العراق إلى حد كبير. ويكفي تدليلا على ذلك المشادة العنيفة التي حدثت في مجلس النواب بين نائبين ينتميان إلى الطائفتين، إذ وصف أحدهما ما يحدث في الفلوجة بالعمل الإرهابي وأجابه الآخر بأنه عميل للأميركان، وكادت المسألة أن تتحول إلى ضرب بالأيدي لولا تدخل العقلاء.

إن كتابة دستور جديد للعراق عملية في غاية الدقة وتحتاج إلى تكاتف العقلاء من العراقيين لوضع دستور يتناسب مع العراق الجديد الذي بشرنا بقيامه، ولم نشاهد حتى الآن إلا مذابح وسرقات وفوضى عارمة تجتاح كامل ترابه ما عدا المنطقة الخضراء التي تحرسها دبابات المحتل، ولكن لابد في النهاية أن تحدث عملية مصالحة كبرى لإدماج من هم خارج اللعبة السياسية. وعندما حل بريمر الجيش العراقي المكون من أربعمئة ألف جندي في بداية الاحتلال الأميركي للعراق، فكأنه حرم هذا العدد وأسرهم من لقمة عيشها. وعندما منع حوالي مليوني عراقي كانوا منضمين لحزب البعث من حق التوظيف فهل نتوقع سكوت هؤلاء على هذا التعسف الصارخ؟

ويجمع الكثير من المراقبين وخصوصا الغربيين على أن المقاومة ليست سنية خالصة، بل تشترك فيها فئات شيعية مختلفة. معنى ذلك أنه يجب إعادة النظر في السياسة الخرقاء التي تنفذها الولايات المتحدة من حرمان البعثيين السابقين من تولي الوظائف والقائمة طويلة. الموضوع خطير ويتطلب تدخل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة وكذلك العقلاء من الشعب العراقي لإنقاذ العراق من حال الفوضى والدمار وبالتالي إنقاذ منطقتنا من مصير مشابه

العدد 974 - الجمعة 06 مايو 2005م الموافق 27 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً