هل ما قاله الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو أمام زملائه قادة العالم الثالث خلال مؤتمر باندونج "أخشى اننا سنجد مصائر التنمية عندنا في أيدي بيروقراطيات متعفنة في بعض البلدان، وعاجزة في بعضها الآخر" صحيح؟ نعم ذاك أمر صحيح. .. فمراكز الفساد هم وراء عرقلة التنمية... هم الاخطبوط يمتد بأرجله إلى كل مكان، لهذا فإن الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى وما عدت أصدق كثيرا ان هناك تنمية عربية حقيقية ما لم تتبعها مراقبة حقيقية وتطهير معقم لمواقع الفساد لإزالة الدمل... "راجع هذه الكتب": 1- النفط والقبيلة والعولمة لإسامة عبدالرحمن، 2- الحصاد المسروق لفندانا شيقا، 3- غسيل الأموال لمحسن أحمد، 4- الأيادي السود لنجاح واكيم، وأخيرا التنمية والأسئلة الكبرى لغازي القصيبي.
ينقل غازي القصيبي في كتابه عن اقتصادي شهير يدعى محبوب الحق ملاحظات قدمها الأخير عن وضع الفقر في بلداننا والتنمية، يقول: "كان من بين هذه النتائج تركز الدخل الصناعي والثروة في يد 22 مؤسسة عائلية، تمكنت هذه المؤسسات القليلة من السيطرة على ثلثي قطاع الصناعة، وعلى 80 في المئة من القطاع المصرفي، وعلى 70 في المئة من قطاع التأمين. في الوقت نفسه ازدادت هوة الفارق في الدخول بين شرق باكستان وغربها، وانخفضت الدخول الحقيقية للعمال والصناعيين بما يقارب الثلث. كان من الواضح باختصار أن غالبية الشعب لم تستفد من النمو الذي كان يتم لصالح فئة محظوظة صغيرة.
ويقول في النهاية: "وجد أحد الباحثين العرب ان التنمية لم تمس الا "القشرة الخارجية" للمجتمع تاركة السواد الاعظم من الناس من دون أي تحسن في أوضاعهم".
وفي مصدر آخر ترد الحال ذاتها في البرازيل: "فيما بين سنتي 1960 و1970 تمكنت الاقلية الثرية التي لا يتجاوز عددها 5 في المئة من السكان ان تزيد حصتها من الدخل من 24,7 في المئة الى 36,6 في المئة، بينما انخفضت حصة القاعدة العريضة من السكان التي تبلغ 80 في المئة من 45,5 في المئة إلى 37,8 في المئة".
للأسف هذه هي السمة البارزة للنمو في العالم الثالث، فالناس تزداد فقرا والصفوة المتشكلة من افرع عائلات وتوجهات تزداد غنى. هذه حقيقة في غالبية بلداننا.
الحكومة الذكية التي تفكر في مستقبل وطني مشرق ومستقر يجب ان تفكر في أوضاع المجتمع كيف ستكون بعد 20 عاما. لو حسبناها بطريقة برغماتية بحتة بعيدا عن أية نزعة انسانية أو وطنية فمقتضى الذكاء السياسي ان تعمل أية حكومة على ألا تخلق لها جيشا من الفقراء. لقد سمى أحد المفكرين الاقتصاديين التحديث في العالم الثالث بـ "تحديث الفقر".
أما عن المكسيك: "فالفساد ينتشر على نحو يلاحق المواطن من بداية حياته الى نهايتها، لابد من رشوة للحصول على شهادة الميلاد ولابد من رشوة للحصول على شهادة الوفاة". ويقول مصدر آخر "الأجهزة البيروقراطية تحولت في معظم العالم الثالث إلى مراكز قوة لا يمكن السيطرة عليها ولا تذعن إلى سلطان أحد وتعمل على تحقيق أهدافها الشخصية عن طريق الابتزاز المنظم والرشوة". وفي دراسة أخرى لمؤلف آخر يقول: "ان 75 في المئة من أعضاء البرلمان في تايلند يتقاضون العمولات والرشا وان كلفة الفساد في تلك الدولة قدر بـ 800 مليون دولار سنويا أي نحو نصف الموازنة المركزية". وفي زائير تقول دراسة أعدت سنة 1980: "ان نحو الثلثين من موظفي الدولة هم مجرد اسماء وهمية لا وجود لها وان ما تقاضاه هؤلاء الموظفون الأشباح بلغ في سنة ،1978 288 مليون زائير "العملة المحلية". المصدر: "التنمية والاسئلة الكبرى القصيبي نقلا عن مصدر آخر".
لعل البعض يسأل عن تاريخنا العربي وقصة الفتوحات. في العصر الحديث كانت هناك في مطلع السبعينات الطفرة النفطية وفي التاريخ كان هناك شبيه لها هو الفتوحات أيام الخلافة الأموية. فالرواية تقول: "مات زيد بن ثابت تاركا وراءه اموالا من الذهب تكسر بالفؤوس". وبعض العرب المترفين لم يعرف أين يضع الذهب لكثرته فراح يشد أسنانه بالذهب. أما الفساد الخلقي فلا يحتاج الى "فياغرا" ولا شيء. فينقل التاريخ ان المتوكل جيء اليه بـ 4000 جارية. يقول هادي العلوي في كتابه فصول من تاريخ الاسلام السياسي نقلا عن المسعودي: "ان المتوكل وطئهن جميعا" "ص 188".
لا علينا... أقول: التنمية مهمة ويجب أن تشمل الجميع. لا نريد جيشا من الفقراء ولاجيشا من العاطلين.
في البحرين بدأت تتغير الامور نسبيا لكنها مازالت متلكئة. فكي ننعم بمستقبل جميل يجب على الحكومة ان تقلل من الأجانب، تشرك الناس في التنمية، ترفع رواتب الموظفين وتحارب الفساد. الى اليوم لم يقدم شخص واحد الى المحاكمة بتهمة الفساد لا مدير ولا وزير... هل من المعقول ان طيلة تأسيس الدولة كنا نعيش مدينة أفلاطون؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 974 - الجمعة 06 مايو 2005م الموافق 27 ربيع الاول 1426هـ