يعتبر الإعلان عن خطة تزود البحرين بالغاز القطري نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين بل بين سائر الدول الأعضاء في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي. تناقش السطور الآتية تطور العلاقات الاقتصادية بين مملكة البحرين ودولة قطر في الآونة الأخيرة فضلا عن واقع التبادل التجاري الاقتصادي بين البلدين الشقيقين.
استنادا للباحثة الصحافية هناء بوحجي تنوي البحرين استيراد ما بين 800 و1000 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي القطري. يتوقع أن تبدأ عملية التصدير في العام 2008 وذلك بعد الانتهاء من بناء الأنابيب الضرورية لنقل الغاز. وجاء في تقرير للصحافية منشور في صحيفة "الوسط" بتاريخ 5 مايو/ أيار الجاري نقلا عن أوساط مطلعة "أن استيراد الغاز من الخارج له بعد استراتيجي أكثر منه كونه حاجة ملحة إذ يوفر مخزونها الذاتي إمدادا آمنا يمتد لثلاثة عقود مقبلة".
فيما يخص إنتاج البحرين من الغاز الطبيعي تستهلك محطات الكهرباء والماء نحو 33 في المئة من المجموع وتذهب 22 في المئة لشركة ألمنيوم البحرين "ألبا" فضلا عن 22 في المئة أخرى لحقن آبار النفط. يشار إلى أن صناع القرار في البحرين يعملون على صوغ سياسة استراتيجية خاصة للغاز تتضمن مشروعا طموحا لتطوير القطاع الصناعي.
التجارة البينية
تشير الإحصاءات المتوافرة إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين دون المستوى في الوقت الحاضر لكن قد يحدث تطور نوعي بعد بدء تصدير الغاز القطري للبحرين. بحسب الجهاز المركزي للمعلومات بلغ حجم التجارة البينية غير النفطية في العام 2003 أكثر بقليل عن 38 مليون دينار. إذ بلغت قيمة الصادرات البحرينية لقطر نحو 29 مليون دينار بينما صدرت قطر سلعا للبحرين تصل قيمتها نحو 9 ملايين بحريني. وعليه مال الميزان التجاري لصالح البحرين بفائض قدره 20 مليون دينار. كما بلغت قيمة التبادل التجاري في التسعة الشهور الأولى من العام 2004 نحو 27 مليون دينار إذ احتفظت البحرين بفائض قدره 12 مليون دينار. حقيقة تمثل قيمة التبادل التجاري مع قطر "الصادرات والواردات مجتمعين" نحو 1 في المئة من قيمة التبادل التجاري الخارجي للبحرين الأمر الذي يعكس ضعف الشراكة الاقتصادية بين البلدين في الوقت الحاضر.
يشار إلى أن التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي أصلا ضعيفة بسبب تشابه الاقتصادات وخصوصا في مجال الصادرات إذ لا تتجاوز التجارة البينية عن الـ 5 في المئة من حجم تجارة الدول الست مع العالم. بالمقابل تصل قيمة التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى نحو 50 في المئة من تجارتها الدولية، بيد يأتي الإعلان عن خطة تزويد الغاز القطري للبحرين ببصيص أمل لرفع مستوى التبادل التجاري بل الاعتماد الاقتصادي بين بلدين عضوين في مجلس التعاون.
جسر المحبة بين البلدين
يأتي الإعلان عن خطة نقل الغاز القطري للبحرين بعد فترة قصيرة من التوقيع على مذكرة تفاهم بين البحرين وقطر لإنشاء جسر مشترك يربط البلدين. تم التوقيع على المذكرة لإنشاء "جسر المحبة" في نهاية فبراير/ شباط الماضي أثناء الزيارة التي قام بها سمو ولي العهد للعاصمة القطرية إذ التقى نظيره القطري ضمن الدورة الخامسة للجنة العليا المشتركة، يبلغ طول الجسر المقترح 37 أو 47 كيلومترا إذ يعتمد ذلك على الأخذ بأي مقترح وله مساران في كل اتجاه، ويتوقع أن تستغرق فترة إنشاء الجسر منذ تاريخ بدء العمل نحو 5 سنوات. المعروف أن الجانبين أنهيا كل الدراسات الفنية المتعلقة بالجسر بما في ذلك التأثيرات المحتملة على البيئة والحياة الفطرية. تبلغ كلفة إنشاء الجسر في حدود مليار و800 مليون دولار أميركي أي نحو 677 مليون دينار بحريني. حتى تاريخ نشر هذا المقال لم يتم الإعلان عن إحراز أي تقدم فيما يخص منح العقود المرتبطة بإنشاء الجسر.
تشجيع الاستثمارات المتبادلة
المؤكد أن حدوث تطورين نوعويين لتطوير الآفاق الاقتصادية بين البحرين وقطر في فترة قياسية لا تتعدى ثلاثة شهور يعكس رغبة القيادة السياسية في كل من الدوحة والمنامة في المضي قدما بخطط الشراكة الاقتصادية بين البلدين الشقيقين. يبقى أن الأمل معقود الآن على المستثمرين من القطاع الخاص في البلدين في تطوير العلاقات التجارية. ويبدو أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح فقد أعلن في العام الماضي عن توصل شركة الخليج للاستثمار الصناعي والتي تتخذ من البحرين مقرا لها لعقد تزويد "شركة قطر للحديد والصلب" كميات من كريات الحديد الخام. كما كشفت شركة "بلكسكو" البحرينية عن اتفاق شراكة مع بنك قطر الإسلامي لإنشاء مصنع لإنتاج ما بين 7000 إلى 8000 طن سنويا من قضبان الألمنيوم في المنطقة الصناعية جنوب الدوحة. حديثا وضمن خطة تشمل كل رعايا دول مجلس التعاون منحت السلطات المالية في قطر للمواطنين البحرينيين فرصة امتلاك 25 في المئة من أسهم الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية في الدوحة. بالمقابل لا تفرض البحرين أية قيود على المستثمرين القطريين الراغبين في التعامل في البورصة البحرينية.
الدوحة عاصمة الغاز في العالم
يذكر أن قطر في طريقها لتصبح عاصمة الغاز الطبيعي المسال على الصعيد الدولي "حاليا تحتل اندونيسيا المرتبة الأولى في العالم فيما يخص تصدير هذا المنتج الحيوي". وتعمل كل من "راس غاز" و"قطر للغاز" على رفع الطاقة الإنتاجية بينهما إلى أكثر من 60 مليون طن سنويا بحلول العام .2010 حديثا نجحت الشركتان المذكورتان "تعود ملكية الشركتين للكثير من المؤسسات العملاقة العاملة في مجال الطاقة فضلا عن الحكومة القطرية" في الحصول على عقود لتأمين جانب من احتياجات السوق الأميركية والبريطانية من الغاز الطبيعي. المعروف أن المؤسسات النفطية الأميركية لعبت دورا محوريا في تطوير صناعة الغاز في قطر وخصوصا بعد وصول أمير دولة قطر صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى سدة الحكم في منتصف العقد الماضي. وأبرمت الشركات الأميركية عقود شراكة الإنتاج مع مؤسسة "قطر للبترول" العائدة للدولة والتي بدورها تمثل الحكومة القطرية في ملكية كل من "راس غاز" و"قطر للغاز". صراحة يمثل ما حققته قطر في قطاع الغاز درسا لمجلس الأمة الكويتي والذي مازال يرفض منح المؤسسات الدولية حق المشاركة في تملك مصادر الطاقة في البلاد. من جانبها ترغب السلطات الكويتية في منح الشركات الدولية الفرصة لمضاعفة الإنتاج من أربعة حقول نفطية واقعة في شمال البلاد إلى 900 ألف برميل يوميا فيما يعرف "بمشروع الكويت" إلا أن البرلمان يقف حجر عثرة أمام طموحات الحكومة.
ختاما: يمثل التعاون المتوقع بين قطر والبحرين بارقة أمل لخطط التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون فمرحبا بكل ما من شأنه أن يعمق الترابط الاقتصادي الخليجي
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 974 - الجمعة 06 مايو 2005م الموافق 27 ربيع الاول 1426هـ