عندما وصل لي عبر رسالة هاتفية خبر رحيل أخي الغالي رئيس صندوق مدينة عيسى الخيري الحاج علي ميرزا الحايكي، الذي صدع قلبي وأدمع عيني حسرة على فراقه، ولا اعتراض على قضاء الله وقدره وجميعنا سائرون إلى هذا الدرب الذي لابد منه، والفائز منا من يجتاز الصراط بأعماله، والراحل الغالي ممن جمع لذلك اليوم العصيب من الأعمال الخيرة ما يغبطه عليه الكثيرون.
ولكن أقول إننا لفقدك يا أبا حسين لمحزونون، خبر رحليك حبس لساني عن الكلام ولم أستطع التفوه بكلمة من شدة وقع المصيبة على قلبي وفراقك صعب على نفوسنا ونسأل الله أن يصبرنا جميعا على تحمله، فقد كنت الأخ العزيز الذي لا يمل منه جليسه. لقد عشقت الأعمال الخيرية وعشقتك وبذلت من أجلها الكثير وأعطت الكثير من الأجر والثواب وحب الناس لك، كانت غايتك خدمة أبناء هذا الوطن، وما تميزت به مودتك لكل الناس وتواضعك لهم، وكنت دائما تقابل الإساءة بالإحسان، ومن الله عليك بطيب القلب والسريرة وصفاء النفس ولم تعرف الحقد والكراهية أبدا، ويداك مبسوطتان لكل محتاج، وقلبك وهبته لكل إنسان، فراقك أيها الغالي ترك لوعة وحسرة في قلوبنا جميعا، فقد كنت القطب الذي يرجع إليه وقت الشدائد، ولم تهزك النوائب والمحن، وكنا نلوذ بك إذا ما أصابنا الهم والغم، وكنت تقابلنا بثغر باسم وابتسامة ملؤها التفاؤل، لا تعرف اليأس أبدا، وجودك معنا كان كالبلسم الذي يضمد الجروح، لم تعرف الملل ولم يداخل نفسك الكلل ولم يقعدك المرض عن العمل الخيري، كنت فيه كالنحلة التي تبحث عن رحيق صاف لتصنع به غذاء فيه شفاء للناس، وكنت لا تكل في البحث عن سبل العيش الكريم للفقراء، همك إسعادهم، ويؤلمك أنين المعوزين، لقد وهبت نفسك لخدمة المستضعفين من الناس، أتذكرك في آخر عمل خيري لم ولن تغيب عن بالي لحظة واحدة كيف كنت تحرص على توفير أكبر كمية من الدم في حملة الإمام زين العابدين "ع" التي نظمها صندوق مدينة عيسى الخيري الذي كنت رئيسه، كان همك نجاح الحملة وتوفير كميات كبيرة من الدم لإنقاذ أي إنسان مهما كان عرقه أو جنسه أو مذهبه، وكنت تقول وتردد إذا ما استطعنا المساهمة في إنقاذ نفس إنسانية من الموت فإننا بذلك حققنا الهدف السامي الذي من أجله ضحينا بجهودنا ووقتنا وبأموالنا لنيل الأجر والثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى.
وأتذكرك عندما نجحت الحملة كيف كان شعورك؟ وأتذكر فرحتك الكبيرة حينها، وكنت تعاني من مرض عضال، ولكن ذلك المرض الذي نحل جسمك من شدته لم يمنعك من أداء الواجب الذي أملاه عليك ضميرك الحي وأوجبته عليك إنسانيتك الراقية تجاه مجتمعك. لقد أعجزت المرض حقا بعزمك القوي وإرادتك الفولاذية، وتحديته بكل صلابة، ولم أنس أبدا حرصك على تزويج الشباب من ذوي الدخل المحدود في زواج جماعي، وكنت تقول لن يهدأ بالك إلا إذا رأيت كل شاب استقر من أبناء وطننا الغالي في بيت الزوجية هانئا، وقبل رحليك اجتمعت معنا في مقر الصندوق للتنظيم للزواج الجماعي الرابع، وعندما أخرنا موعده إلى نهاية شهر ربيع لأسباب طارئة، أزعجك هذا التأخير كثيرا بصورة لم نعتدها منك من قبل، ولهذا أسرعت بالاتصال بك وتحدثت معك طويلا لأطيب خاطرك وأخبرك بالتاريخ الجديد، وكان ردك علي لم أتصوره عندما قلت لي، لماذا تريدون حرماني من حضور هذا الحفل؟ لم أدرك هذه الكلمة في حينها، وكأنك تعلم أن المنون سيخطفك من هذه الدنيا ويحرمنا من وجودك بيننا، وسافرت إلى العلاج وأنت توصينا بالشباب خيرا، وكنا ندعوا لك بالعودة إلى أرض الوطن سالما في كل صلاة لتكمل مشوارك الخيري مع رفاقك في العمل الخيري، ولكن لم يخطر ببالنا أنك ستعود محمولا على الأكتاف مسلما روحك إلى بارئها.
آه... يا أبا حسين، أننعاك أم ننعى أنفسنا، نم هانئا يا أبا حسين فإنك بذرت نبتة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فقد فرشت لك درب الآخر بالورود والرياحين بعملك الذي كنت ترجو منه وجه الله جلت عظمته، هنيئا لك أيها العبد الصالح فقد عملت إلى آخرتك بكل طاقتك ولم تتوان حتى آخر لحظة من حياتك، ونسأل مالك الملك أن يرزقك المرتبة العالية والمكانة الراقية مع رسله وعباده الصالحين، ونسأله أن يتغمدك برحمته ويسكنك الفسيح من جنته، وأن يجعل مثواك مع خاتم رسله محمد المصطفى "ص"، وأن يمسح على قلوب أهلك وأحبتك بلطفه ورحمته وخصوصا أم حسين التي شاركتك في كل مراحل حياتك في حلوها ومرها، وأولادك الميامين وهم خير خلف لخير سلف، ولا نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون.
سلمان سالم
العدد 973 - الخميس 05 مايو 2005م الموافق 26 ربيع الاول 1426هـ