"هؤلاء عار على بني آدم وضحكة يسخر منهم كل عاقل" سليمان بن ناصر العلوان الاقتباس أعلاه جاء به - لا فض فوه ومنحه الله العقل والرشد - إمام من أئمة المسلمين كما يدعي وكما يشير إليه تابعوه ومناصروه في بلد خليجي، مقتبسا إياه من كتاب آخر، موافقا وداعيا إليه في حق طائفة كبيرة من المسلمين.
وكما جاء في كتاب صادر في ذلك البلد الخليجي، العام 1413 هـ الطبعة الأولى، حين طرح عليه السؤال: "هل تعتبر الشيعة في حكم الكافرين وهل يدعو المسلم الله تعالى أن ينصر الكفار عليهم؟" فأجاب بقوله: "الشيعة والصواب أن يقال الرافضة لأن تشيعهم "..." تشيع متطرف غال" مضيفا: "فالرافضة كما وصفهم شيخ الإسلام "إنهم أكذب طوائف أهل الأهواء وأعظمهم شركا فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم ولا أبعد عن التوحيد حتى إنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه فيعطلونها عن الجمعة والجماعات". وقال في الكتاب المذكور إنهم "أمة مخذولة ليس لها عقل صريح ولا نقل صحيح ولا دين مقبول ولا دنيا منصورة... وإن خطرهم على الإسلام كبير جدا". وهذه قلة من أقل قليل الأقاويل الكثيرة المشبوهة التي لا حصر لها وما أنزل الله لها من سلطان سطرتها أقلام مشبوهة تفتقد الصدقية والحكمة في حق جماعة من المسلمين لهم تاريخ طويل من النضال على مختلف الأصعدة الروحية والسياسية والعلمية والإبداعية من شعر وقصة وتشكيل وعمارة وطب إلى جانب كفاح طويل ضد الاستعمار بكل أشكاله قديمه وحديثه حتى هذه الساعة. هذه المفردات عصرية، إنها بنات أفكار أناس يعيشون بيننا ويبثون هذه المفردات السموم من دون أن يراقبهم رقيب ومن دون أن يحاسبهم حسيب.
وأنا هنا لا أريد أن أثير غبارا - قد يراه البعض غبارا طائفيا - أمام أصحاب القلوب الضعيفة والعقول الصغيرة التي تأخذها الريح شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، من دون أن يكون لها أي دور يذكر في حركتها عبر التاريخ، بل إني أعزم وسأجهد أيما جهد لاستنهاض أهل الفكر من النخبة المسلمة للوقوف أمام هكذا ريح فاسدة، بدأت تغزونا من كل حدب وجانب، وإذا ما وعينا جميعا خطورتها ووقفنا في وجهها فإننا لا محالة سنجد أنفسنا في المستنقع الذي وجد فيه كثير من أبناء أمتنا الشرفاء أنفسهم واقعين فيه ومستسلمين له دون أدنى حركة جهة وقف شيوعه وتمكنه في الجسد تمكن السرطان.
لن أذكر أكثر مما أتيت به في صدر هذا المقال، لأنه بادئ ذي بدء شيء مخجل ومقزز ومما يقطن في المستنقعات النتنة التي يلفها الظلام الدامس، ولأني ثانيا أغوص في أدب الأمة الراقي، أدب علمني أن "الناس سواسية كأسنان المشط"، وهي أمة كما قالت الخنساء:
"فاليوم نحن ومن سوانا مثل أسنان القوارح"، أي لا فضل لنا على أحد. لا كما جاء في الأمثال "سواسية كأسنان الحمار"، أو كما قال الفرزدق: "سواسية سود الوجوه كأنهم حمير بني ذكوان إذ ثار صيقها"؛ وأقرأ القرآن الكريم، قرآن المسلمين جميعا دون تحديد، إذا به يقول: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" "آل عمران:103"، "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" "آل عمران:105"، "والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما" "النساء:152". غير أن الحقيقة القرآنية لاتزال تجري جري الماء في النهر العظيم: "ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون" "التوبة:56". وأدب علمني أن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، أدب في مجمله يعترف لكل إنسان بحقوقه في العيش الكريم وحرية التعبد كيف يشاء.
إني أعرف حق المعرفة أن الأئمة "الشافعي" و"المالكي" و"الحنبلي" و"الحنفي" وشيخ الأزهر ومفتي الديار المقدسة في فلسطين ومفتي لبنان وشيوخ الدين في المغرب العربي يترفعون عن القول بمثل هكذا مقولات ولا يجرأون، ولم يأت عنهم شيء ما يفيد بهكذا معنى. وأعرف أن الإمام الخميني أصدر فتواه في حق رشدي و"آياته الشيطانية" دفاعا عن السيدة عائشة زوج الرسول، لما جاء في كتابه الموسوم بـ "الآيات الشيطانية" في حقها ليس غير. وأعرف أنه ليس يتجرأ رجل دين شيعي مهما أوتي من العلم أو لم يؤت منه شيئا، بأن يقول مثل هذا القول في حق المسلمين ممن يختلفون معه في طريقة القيام بالشعائر الإسلامية.
إني لا يضرني أن أسمع إنسانا يجهل أخلاقيات المعرفة ناهيك عن أوامر الدين الإسلامي السمحة في شأن التعامل مع الملل غير الإسلامية، بل إنه يسيئني أيما إساءة أن أسمع من رجل يحمل على كاهله مسؤلية أقوال إلاهية عظيمة: "إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، و"من كفر مسلما فقد كفر".
الغريب في الأمر وهو من العجب العجاب أن يكون بين ظهرانينا جماعات لا تدين بالدين الإسلامي، تعيش بكرامة وحرية لا تلقاها في موطنها الأصلي، فهذه الجماعات لا يدخل معابدها الجواسيس ولا الشرطة، ولا تختم أبواب أماكن تجمعاتهم بالشمع الأحمر، وعندهم حرسهم الخاص الذي يمنع المواطن من الدخول إلى قاعات طقوسهم لاحترام خصوصيتهم وخصوصية ديانتهم ولا يريدون أن تنتهك تلك الخصوصية التي يثمنونها أيما تثمين. غير اننا ولشديد الأسف ننتهك أول ما ننتهك أفكار مفكرينا وأفكار مناضلينا وأفكار مذاهبنا وأماكن عبادتنا ما جرأ الكثيرون على انتهاك أشرف مقدساتنا. وليس هنا من داع لأذكركم أيا منها انتهكت قدسيته. إنني هنا لا أدعو إلى انتهاك خصوصية الغير ممن يختلفون معنا في الفكر والعقيدة، معاذ الله، بل إني أقول إنه من الواجب أن نحترم طقوسنا كما يحترم الغير طقوسه، أن نحترمها شعوبا وحكومات حتى لا يتجرأ علينا الغرباء ويسيئوا لنا ولمشاعرنا ولشعائرنا.
من عادتي التي كبرت معها أن أشيح بوجهي عن رداءة الأخلاق، وعن اللسان البذيء وأترفع عن كل إنسان مسيء لا يحترم ذاته، ولا يحترم اللباس الذي يغطي عراه، خصوصا إذا ما كان ذاك اللباس لباس شرف ووقار، أكان لباسا يشي برجاحة فكر مرتديه مثل اللباس الإسلامي أو لباس الشرطة التي جعلت لخدمة الناس كافة. مطالبون النخبة من أهل السنة والجماعة ومن الشيعة وممن من لا مصلحة له في هذا الشأن سوى رفعة الوطن، في التشمير عن سواعدها وأن تستنهض أدواتها كنخبة مفكرة تنظر إلى المستقبل وتقف وقفة رجل واحد ضد هكذا غزو لا يحترم مشاعر الناس ولا تاريخ الناس ولا حرية الناس، لكي لا يصيبنا ما يصيب كثيرا من أجزاء الدول العربية والإسلامية. وإن هم آثروا أن يدفنوا رؤوسهم في التراب فسيكون عارا عليهم كبيرا، وصفحة سوداء من صفحات الموهومين الكثيرة في ردهات التاريخ وثكناته المظلمة.
والشيعة مطالبون أكثر من أي وقت مضى وبشكل خاص بالتحلى بالصبر والحكمة وسعة الصدر، وأن يأخذوا معهم تلك المفردات التي تقول، وجل من قائلها: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين"، "النحل:125". و"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، "الحجرات:13".
إن ما يجري في العراق والسعودية والكويت، وأماكن قريبة جدا منا ما هو إلا مؤشر صارخ لما ينتظرنا هنا إذا لم نكن على وعي إنساني عال، ولنا من الأدوات الإنسانية التي تستطيع أن تتغلب على كل أدوات الهمجية والجهل بما يؤمل أن يكون أهمها العقل الذي سمي عصرنا هذا به: قرن العقل.
اتقوا الله في أوطانكم واعلموا أن ليس كل رافع مصحف مسلم، لأن "المسلم من سلم الناس من يده ولسانه".
آخر الكلام قال قرآننا العظيم: "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم"، "محمد:29" ، وقال الرسول العربي العظيم "ص": "لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يؤمن جاره بوائقه
العدد 973 - الخميس 05 مايو 2005م الموافق 26 ربيع الاول 1426هـ