يفترض أن يحسم المجلس النيابي اللبناني موقفه اليوم أو غدا من مسألة قانون الانتخابات التي ستجري على أساسه المعركة البرلمانية قبل نهاية الشهر الجاري. أمام المجلس مجموعة خيارات وكلها سيئة إلا أن الأسوأ هو عدم الاتفاق على قانون، وبالتالي يصبح موضوع تأجيل عقد الانتخابات من الأمور الواردة. والتأجيل يعني عمليا تمديد الأزمة السياسية تجنبا للوقوع في فراغ دستوري. وتجنب الوقوع في فراغ دستوري يقضي آليا بتمديد فترة المجلس الحالي إلى مدة زمنية يتفق بشأن طولها أو قصرها.
خيار التأجيل/ التمديد هو الأسوأ ولذلك يرجح أن تسارع مختلف الأطراف إلى إقرار مشروع قانون لا يحتاج إلى كثير من الإعداد والنقاش والسجال.
حتى الآن يدور البحث في اختيار مشروع قانون طرحته حكومة عمر كرامي السابقة يعود إلى العام 1960 ويعتمد القضاء كوحدة انتخابية. وإذا فشل الاتفاق على قانون القضاء سيلجأ المجلس إلى اعتماد القانون الذي جرت على أساسه انتخابات العام .2000 وقانون العام 2000 فيه الكثير من السلبيات وتحديدا تلك المتعلقة بتقسيم الدوائر الانتخابية التي خلطت القضاء بالمحافظة وقسمت المحافظات عشوائيا ووزعت الوحدات الانتخابية بطريقة مزاجية لا يوحدها منطق ولا نسق سياسي.
إلا أن المجلس، وبسبب عامل الوقت، مضطر إلى اتخاذ خطوات سريعة لمنع الاحتمال الأسوأ وهو تأجيل الانتخابات والتمديد للبرلمان الحالي.
وبغض النظر عن الاتفاق الذي ستنتهي إليه التكتلات النيابية سيحمل القانون المقترح الكثير من السلبيات. فإذا اتفق المجلس على قانون 1960 "القضاء أصغر وحدة انتخابية" فإن هناك الكثير من المظالم ستلحق باللبنانيين. فذاك القانون وضع قبل 45 سنة في عهد الرئيس فؤاد شهاب واعتمد في ثلاث دورات نيابية متتالية انتهت آخرها في العام 1972 وبعدها اندلعت الحرب "اللبنانية الإقليمية" في 1975 ولم تتوقف إلا بعد توقيع اتفاق الطائف في العام .1989 فالقانون قديم ولا يلحظ التطورات التي دخلت على البلاد خلال فترة تقارب نصف قرن من الزمن.
وإذا اتفق المجلس على اعتماد قانون دورة العام 2000 "آخر دورة نيابية" فإن هناك الكثير من المظالم ستلحق بقطاع واسع من اللبنانيين بسبب تلك العشوائية التي تحكمت في مسألة التقسيم الإداري للدوائر الانتخابية.
الظلم سيلحق باللبنانيين في الحالين. لأن قانون 1960 أكل الدهر عليه وشرب، بينما قانون العام 2000 أكلت الأجهزة عليه وشربت، وبالتالي فإن الخيار السياسي سيكون بين السيئ والأسوأ، وهذا لا يعود إلى نوعية القانون بقدر ما له علاقة بآليات النظام الطائفي اللبناني.
المشكلة تبدأ في النظام وتنتهي في قوانين الانتخابات. والصورة الانتخابية السيئة هي نتاج التوزيع الطائفي للحصص "نظام الكوتا" المعتمد منذ تأسيس دولة لبنان الكبير في العام .1920
النظام اللبناني تقوم فكرته "فلسفته" على ديمقراطية الطوائف ولا يخاطب الطبقات والمصالح الاقتصادية، لذلك فهو يعتمد آليات طائفية في توزيع الحصص "الكوتا" على جماعاته الأهلية. وكل جماعة "طائفة" لها نظامها الخاص في إعادة توزيع الحصص "الكوتا" بشكل نسبي على المذاهب.
من هنا تبدأ المشكلة ولا يمكن حلها إلا من نقطة البداية هذه. وفي حال لم يتوصل اللبنانيون إلى اتفاق مشترك يلغي الطائفية السياسية سيبقى قانون الانتخابات مهما تغير وحذف منه وعدل وأعيد النظر في تقسيماته الإدارية ظالما لفئة من اللبنانيين كبيرة أو صغيرة. فالمشكلة هي في "نظام الكوتا" والتوزيع النسبي للحصص، وهذا بدوره يعطل التطور السياسي، أو على الأقل يمنع السياسة العقلانية من التطور خارج الأطر الطائفية والمذهبية والمناطقية... وأحيانا العشائرية والعائلية.
يفترض أن يحسم المجلس النيابي خياراته اليوم أو غدا، إلا أن المشكلة لا تنحصر في قانون الانتخابات وإنما في نظام الدولة الذي يعتمد الطائفية أساسا لإنتاج السياسة. وهذه مسألة أخرى
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 972 - الأربعاء 04 مايو 2005م الموافق 25 ربيع الاول 1426هـ