العدد 972 - الأربعاء 04 مايو 2005م الموافق 25 ربيع الاول 1426هـ

شامي يحمي مهنة الحكواتي من الزوال

كلماته كالورود المسحورة لا تجد الأرض الصالحة لنومها

قبل فترة قصيرة احتل كتابه الأخير مكانة متقدمة بين الكتب الأكثر رواجا في ألمانيا. في غضون ذلك أصبح الأديب السوري الذي يعيش في ألمانيا منذ 32 عاما أبرز معرف بأدب الحكواتيين للدول الناطقة بالألمانية. فحين يروي رفيق شامي الحكاية تتولد صور وأجواء شرقية مملوءة برائحة عبقة يستطيع المرء استنشاقها، لا بل والتمتع بأريجها. والكلمات التي تصدر عنه كالورود المسحورة لا تجد الأرض الخصبة الصالحة لنومها إلا في أذن المستمع.

لقد كتب فالتر بنيامين في الثلاثينات يقول: "عاما بعد عام يتناقص عدد الناس الذين يروون الحكايات. هل ولى عصر القصة المحكية؟! ما الذي حدث منذ ذلك الحين؟!" لا شيء على الإطلاق ينقض هذا القول. لأن النبع الذي يستمد منه الرواة قصصهم وحكاياتهم هو تجارب الحياة الي تنتقل من فم إلى فم ومن جيل إلى آخر. ولكن ما هي التجارب التي نعيشها اليوم ونستخلص منها الخبرات والعبر التي لا تفقد قيمتها على الفور ولا يضيع تأثيرها في خضم السرعة والاستهلاك الآني؟! وإذا ما أصبح نادرا وجود الشخص الذي يستطيع سرد حكاية من حياته، ويصغي إليه الجميع لأنهم يحرصون على ألا تفلت منهم كلمة واحدة كي يستفيدوا من العبر الواردة فيها في حياتهم الشخصية، إذا كان الأمر كذلك فإن أشخاصا كرفيق شامي هم فنانون يزاولون فنا في طريقه إلى الزوال. أم أنه فن قديم يزدهر الآن من جديد؟ ليس هناك كثير من الدلائل التي تؤيد ذلك ولكن من يعلم فنحن نعيش في عالم تغير والتغيرات تجري بسرعة لا يتوقعها أحد. من استمع مرة واحدة إلى هذا الحكواتي السوري يتملكه العجب أن راوي هذه الحكايات يعيش في القرن الواحد والعشرين وأن فن الحكواتي ما زال رائجا.. في ألمانيا أيضا.

كلمات محكية

أنه يشد المستمع ويستولي على أحاسيسه جميعها. من الصعب أن يتصور المرء أن الكلمة المحكية لها مثل هذا الوقع في النفس كما في حكايات رفيق شامي. هذا ما كتبته كارين جروس العام 1990 في النشرة الإعلامية الخاصة بأدب الأطفال والشبيبة التي تحمل اسم "إيزل أور" أي "أذن الحمار".

يمشي في شوارعها

رفيق شامي الفتى الشرقي الذي ولد في معلولا وعاش في دمشق التي قال إنه يصحوا من نومه كل يوم ويكون قد حلم أنه كان يمشي في شوارعها وأزقتها، جاء إلى ألمانيا ليغير حياته. تم له ذلك حين قرر بعد دراسة الكيمياء أن يحترف مهنة الحكواتي. هذه بحد ذاتها قصة طريفة وغريبة. فتأليف الحكايات وسردها باللغة الألمانية لا يحتاجان إلى لغة قوية وبحسب بل هذا ما يتمتع به رفيق شامي حقا: أن يؤثر في النفس هو لغته التي تبدو عادية تخلو من التزيينات البديعية، لكنها مع ذلك تمتاز بوضوحها وكثافتها وشاعريتها ونعومتها إلى أقصى حدود.

مولع بالكتب والـتأليف

ولد رفيق شامي العام 1946 في معلولا قرب دمشق وكان منذ نعومة أظفاره مولعا بالكتب والتأليف. ففي أحد الأحياء الدمشقية القديمة أسس وأدار بين العام 1965 و1970 صحيفة الحائط "المنطلق". وفي العام 1971 جاء إلى ألمانيا حين درس الكيمياء وحصل على شهادة الدكتوراه فيها وكان يعمل في عدد من المعامل والمتاجر والمطاعم وورشات البناء. وكان في الوقت نفسه يمارس الكتابة والنشر في عدد من المجلات باللغتين العربية والألمانية. وفي العام 1980 شارك في تأسيس المجموعة الأدبية "زود فيند" أي "ريح الجنوب" وفي الجمعية الأدبية والفنية "بولي كونست". استفاد هذا الكاتب السوري من خلفيته الثقافية، من الحكايات التي سمعها في قريته الآرامية معلولا، التي لم تزل تتكلم لغة السيد المسيح، وفي دمشق العريقة التي كان عمرها ألف عام عندما تأسست مدينة روما. وهو الذي يقول: "في المهجر تتحول مدن الطفولة إلى مدن لأحلام وينابيع الشوق، ويتحول غبارها إلى لآلئ، وتفيض أزقتها المظلمة بأنهار من الأنوار الذهبية".

جائزة "تارويس ترول"

وعندما تسلم العام 1986 في شتوتغارت جائزة "تارويس ترول" التشجيعية بدأ الكلمة التي ألقاها بهذه المناسبة بقوله: "يعود الفضل في حصولي على هذه الجائزة الأدبية إلى جار قديم هو الحوذي العم سليم. وبما أن المؤلفين لا يشكرون الحوذيين إلا نادرا، سأروي لكم قصته كي تحكمون بأنفسكم على ما إذا كان امتناني مبالغا به أم لا؟ لكن رفيق شامي لا يعتبر ناشرا للتراث التقليدي الجاهز، بل يصيغ حكاياته صوغة جديدة بأسلوب ساحر. فهو يربط عناصر الأسطورة الغربية ويمزجها بحوادث واقعية من الماضي والحاضر. وكما تتبدل المواقع في الحكايات تتبدل الأزمنة أيضا. ففي إحدى الحكايات يحدثك عن خباز يعيش في دمشق في العصور الوسطى، وفي حكاية أخرى ينقلك إلى مدينة ميونيخ ويروي لك حكاية عامل أجنبي. ويقص عليك حكايات الملوك المستبدين الذين يمنعون الناس عن الضحك، أو الجشعين الذين يدفعون شعوبهم إلى الفقر. يحدثك عن القدرة على التكيف والهوة بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، وعن الغشاشين والمخادعين. لكنه يكتب أيضا حكايات سارة وقصصا عن الأمل والشجاعة وعن الصداقة والتخيل.

أساطير أخرى

له مؤلفات عدة بدأها في العام 1978 بكتاب "أساطير أخرى" ثم نشر في العام 1982 "الحمل في فروة الذئب"، وتلتها مؤلفات كثيرة منها "حفنة من النجوم"، "حكايات من معلولا"، "صندوق العجائب"، "الشجرة الطائرة" و"الكذاب الصادق". ترجمت مؤلفاته إلى 15 لغة بينها الإنجليزية والإسبانية والفرنسية واليابانية والهولندية والنرويجية واليونانية والسويدية والدنماركية.

لا يكتفي بالكتابة

لا يكتفي رفيق شامي بكتابة الحكايات بل ويرويها أيضا بأسلوبه الشيق أمام المستمعين منعشا بذلك مهنة الحكواتي التي كادت أن تقضي عليها وسائل الإعلام الحديثة. أيامه مليئة بالحركة وأوقاته مليئة بالمواعيد المتلاحقة. فهو ينتقل من مدرسة على مدرسة ومن مسرح إلى مسرح، يحكي الحكايات ويروي القصص التي ألفها بنفسه. إن الحكاية بالنسبة لرفيق شامي شكل من أشكال الحياة، لا بل إنها التعبير الأكثر عمقا عن الحياة. كتبت عنه صحيفة "زود دويتشه" التي تصدر في مدينة ميونيخ: "يكتب رفيق شامي بأسلوب رائع ويثبت أنه ساحر في السيطرة على اللعب بخواطره وأفكاره وفي التحكم بدقائق اللغة. كما لقبته صحيفة "هانوفريشه ألجماينه" باسم ساحر الكلمة".

ليس مهرجا

حصل رفيق شامي على كثير من الجوائز الأدبية ليس في ألمانيا فقط بل في سويسرا والنمسا وهولندا والولايات المتحدة الأميركية كما حصل على جائزة "أدلبيرت فون شاميسو" التي يمنحها معهد اللغات الألمانية التابع لجامعة ميونيخ للأدباء الذين يكتبون باللغة الألمانية وينحدرون من أصول أجنبية. لكن حتى لو أثار رفيق شامي في كتاباته وفي رواياته المحكية ضحك وعجب الناس إلا أنه ليس مهرجا. فهذا الكاتب المثقف يحز في نفسه كثيرا أنه لا يستطيع زيارة وطنه سورية. اقترب رفيق شامي كثيرا من حدود بلاده خلال انعقاد المشاركة العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب حين شارك فيه تحت رعاية دور النشر التي يتعاون معها لكن على رغم زيارته الأجنحة العربية لم يدخل في حوار مع المشاركين العرب وخصوصا من بلده سورية. رفيق شامي يعيش في المنفى الألماني الذي حقق فيه أحلامه لكن الألم يعتصر قلبه كلما سئل عن وطنه. رفيق شامي صاحب تجربة أدبية كتب لها النجاح وهو عن حق يحمي مهنة الحكواتي من الزوال





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً