هل ستتعامل تركيا التي تبدي اشمئزازها من الوضع الإقليمي الذي لا يراه ينسجم مع مصالحها، مع الجوار العراقي في اجتماعهم الثامن "الشكلي"، بالحماس نفسه مثلما كانت تتعامل به مع العرب سابقا وتحثهم على الوقوف أمام "تطورات الوضع السياسي الكردي المتنامي".
المؤشرات والتحليلات التركية تقول ان تركيا اليوم ليست كما كانت في السابق، فتركيا التي رفضت أن تعطي أرضها معبرا لواشنطن، هي اليوم تمنح واشنطن الحرية في استخدام القاعدة العسكرية "انجرليك"، وتتفق معها على تحديث مقاتلاتها وشراء الأسلحة من "إسرائيل". سياسة جديدة قديمة واضحة لدى تركيا، بالعودة الى حضن الأميركان. والغرابة هو ان هذه السياسة تبناها أردوغان نفسه، وقالها قبل أيام قليلة أمام نواب "العدالة والتنمية". ولم يكتف اردوغان بذلك، بل وصف العلاقة مع اميركا بأنها إحدى الركائز الأساسية في السياسة الخارجية.
وبعيدا عن هذا، فقد خاب ظن تركيا في تركمان العراق وخصوصا بعد حصولهم على أصوات متدنية في الانتخابات، هذا فضلا عن اعتمادها في العراق على "الجبهة التركمانية" التي تعرضت الى انشقاق كبير، وتحولت الى عدد من الجماعات، تفصل كل جماعة عن الثانية مسافة واسعة، الأمر الذي جعل تركيا تخسر الورقة التركمانية، وان لا تتعامل مع العراق بـ "بجكتور تركماني"، فهي أجبرت ان تتعامل بانفتاح مع كل القوى العراقية الداخلة في العملية السياسية بدلا من القوى الخارجة عن العملية السياسية مثلما كان قبل عام.
وتركيا التي كانت تعترض على صيغة الفيدرالية في العراق أصبحت اليوم هذه الصيغة حقيقة واقعة، وفي الوقت الذي كانت تقف في وجه الأكراد، نراهم اليوم في ذروة القيادة. ولم يبق أمام تركيا من حجج غير أن تنظر للجوار العراقي وتكرر مقولاتها وتوصف المشهد بأنه ليس هو، إلا أن الأكراد يدعمون حزب العمال الكردستاني، ما يشكل تهديدا للأمن الداخلي لتركيا، وله انعكاسات على الدول العربية.
في الحقيقة، ليس أمام هذه الدول غير الانشغال بنقطتين، كيفية النظر بموضوعية إلى "الرياح الديمقراطية العراقية"، وكيفية الإفادة من الثقافة التعددية التي تتبلور اليوم في العراق. وهذان الأمران يجب أن يشغلا الدول أكثر من غيرهما، إضافة الى وضع العراق الأمني، لأن هذه الدول لم تنشغل بشكل جدي بكيفية إعمار العراق وكيفية مساعدة العملية السياسية لإنقاذ العراق من أزماته الكثيرة، وهذا الكلام موجه بشكل أساسي إلى العرب وإيران.
تركيا اليوم أمام تغيير منهجها في التعاطي مع العراق، ومرد هذا التغيير في المنهج السياسي يعود إلى أنها بدأت تفكر وبقلق بما يتم إنجازه في العراق، والذي تتحسس منه تركيا ويقلقها هو تطور الحضور الشيعي الذي يعتبر تطورا إيرانيا، والمقابل التطور الكردي الذي يعتبر تطورا إيجابيا لكل الاكراد، وله تأثير على الوضع الكردي لديها.
بدت تركيا لا تستطيع إكمال المشوار مع العرب، وهي ترى أن مصالحها لا تنجز مع العرب بقدر ما ترى مصالحها مع واشنطن، وعلى العرب وكذلك إيران، ان يدركوا ان تركيا في طريقها الى واشنطن، وتجاوز مجاملات الدبلوماسية التركية. فأردوغان يوم الأحد زار "إسرائيل"، وبعد شهر سيكون في واشنطن لإكمال ما تبقى من مصالحة بينهما، والتعامل مع العراق على أساس الواقع وما يجري على الأرض، وخصوصا أن العراق ينخره الارهاب المنظم، ولكن مشكلة العرب هي أنهم ينظرون إلى الأمور بمنظار تركيا لا من منظار مصالحهم
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 970 - الإثنين 02 مايو 2005م الموافق 23 ربيع الاول 1426هـ