الإعلام والاقتصاد أمران ضروريان لنجاح أية أمة، أي مجتمع. اليوم الحكومة المفلسة والدولة الفقيرة لا تلاقي احتراما في العالم، وهناك دول لا نعرف أسماءها لأنها لا تمتلك مالا وليس عندها إعلام. اليوم أصبح التاجر يهمه كثيرا أن يمتلك إعلاما في يده. في بعض دولنا العربية تخسر بعد الصحف أموالا طائلة وهي ربما مر على تأسيسها أكثر من 30 عاما، ولكن مالكها يقبلها بخسائرها لأنها تعتبر قوة في يده يحتاجها ولو للتسويق أو الابتزاز... إلخ. أي مشروع لأي حزب، لأية مؤسسة، لأية حركة يخسر ما لم يضع في حسبانه القوة الاقتصادية والقوة الإعلامية، وللأسف فإن هاتين القوتين هما خارج اهتمام الدول وخارج اهتمام المعارضات.
أسأل سؤالا: لماذا يركض طوني بلير - قبل الانتخابات التي أوصلته إلى الحكم - مهرولا إلى استراليا؟ مهرولا لمقابلة الثري الاسترالي المعروف روبرت ميردوخ الذي يملك صحف "التايمز" والـ "صنداي تايمز" والـ "صن"، وأيضا قناة "سكاي"... إلخ، ذلك لأن بلير يتحرك ويعلم مدى أهمية الإعلام وأهمية روبرت في التأثير على الرأي العام.
اليوم لو أقمت أفضل مشروع ثقافي، أفضل مؤتمر علمي، أفضل مسرحية مادامت بلا إعلام فستموت في بدايتها. لاحظوا اليهود كيف ركزوا على الإعلام، ركزوا على الاقتصاد، هتلر في كتابه الشهير "كفاحي" يقول: "إذا رأيت يهوديا عليك أن تغسل يدك بالصابون". كلام إنشائي نمطي شوفيني، ولكن العبرة ليست في ذلك، العبرة هي كيف وظف اليهود المحارق التي جرت عليهم إعلاميا وثقافيا... كيف يجتمعون، كيف يخططون لخلق لوبيات لهم في الجامعات، في الأمم المتحدة، في إدارات الدول العظمى كأميركا، كيف يؤسسون صناديق لدعم أي يهودي فقير لإكمال الجامعة وبعد التخرج يقوم هو بالدعم ذاته، وهكذا.
نحن كمسلمين، أهم شيء لدينا أن نتبرع بالمال ثم ينفق على الفقراء، ثم ماذا؟ خلق أجيال فقيرة تعتاش على الصدقات. أليس صنع المؤسسات التي تؤهل الفقير خير من مؤسسة تكرس بطالة الفقير؟
أصبح اليوم عندنا بين كل مسجد ومسجد مسجد وهذا شيء كبير، ولكن لماذا لا نقسم المال فنجعل ما بين كل مسجد ومسجد جامعة أو مركزا معرفيا ينمي ثقافة الناس أو مشروعا اقتصاديا داعما للمحتاجين.
ليتنا نستفيد من جماعة البهرة، وهم للإنصاف من أذكى المسلمين في بناء المؤسسات الاقتصادية، إذ إنهم يركزون على الكيف وليس على الكم. مشكلتنا هي مشكلة ثقافية قبل أن تكون سياسية.
الرسول "ص" راح يحث أصحابه على التجارة وعلى الحضارة وعلى التسامح... فخرج عليه بعض المتزمتين، إذ جاء إليه شاب والغضب يخرج من عينيه، تقول الرواية: "كان الشاب كث اللحية مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس فقال للرسول "ص" بغلظة: اتق الله يا محمد"... هكذا وبلا مقدمات وضع الرسول في خانة غير المتقين ووضع نفسه موضع الحكم على الرسول "ص"، فقال له الرسول: "فمن يطع الله إن أنا عصيته، يؤمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني"، ثم قال: "يخرج من ضئضئ هذا شاب حداث الأسنان يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم، يقرأون القرآن لا يبلغ تراقيهم".
لهذا لا تعجب عندما يسقط المسلمون ضحية الفتن الطائفية أو تكفير بعضهم بعضا.
اليهود يركزون على العلم، غالبية الأستاذة الجامعيين في أفضل الجامعات في أميركا هم منهم، أطباء ومحامون، يجب أن نعلم أبناءنا أن العلم هو فوق كل شيء. وقهر الفقر لا يكون إلا بمواصلة الدراسة. العلم ينجب الثقافة وكذلك الاقتصاد. يجب ألا نتسامح مع أبنائنا في ذلك. يجب أن نرفض كثرة الإجازات غير الرسمية. الإسلام يدعو إلى العلم. يجب أن يكون جزء من تحويشة العمر وجزء من الراتب التقاعدي لتعليم الأبناء. مازلت أتذكر صديقي سلام إبراهيم، كان شابا عصاميا عندما كنا في مدرسة النعيم، جزء من وقته للدراسة وجزء من وقته يقوم فيه بالعمل في المنامة وكان عملا مرهقا. اليوم أصبح من أكبر الدكاترة الاستشاريين في أميركا، ولنا كثير من الأبناء قسا عليهم الزمن، ولكنهم حفروا تجربتهم في الصخر. إذا، الإعلام والاقتصاد جزءان لنجاح أية أمة. أقول ذلك قبل فوات الأوان
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 970 - الإثنين 02 مايو 2005م الموافق 23 ربيع الاول 1426هـ