العدد 970 - الإثنين 02 مايو 2005م الموافق 23 ربيع الاول 1426هـ

ما بين السيد الإمام والشيخ الرئيس... عقار مر وتجرع للسم

مشهد المعركة الرئاسية في إيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خلال استقباله جمعا من الباحثين والمنتجين الزراعيين حسم رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإسلامي ونائب رئيس مجلس خبراء القيادة الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني "وبشكل مبطن" أمر ترشحه للانتخابات الرئاسية التاسعة "17 يونيو / حزيران المقبل" وإعلانه الدخول في المنافسة واصفا قراره ذاك بتجرع لعقار مر أجبر عليه لشعوره بالمسئولية تجاه إيران والإسلام والقيادة "الولي الفقيه" ومن منطلق واجب الضمير والأخلاق ولعدم وجود أحزاب قوية وقادرة على تقديم الأشخاص ذوي الكفاءة على رغم أنه لايزال يرغب في أن يتولى شخص آخر من الكوادر الشابة "أو الجيل الثاني" هذا المنصب، ولكون ذلك التوصيف "تجرع لعقار مر" مرتبط تاريخيا بمقولة "مشابهة" للإمام الخميني "قد" عندما أعلن الأخير موافقة الجمهورية الإسلامية على القرار رقم 598 القاضي بوقف الحرب مع العراق واصفا قراره بتجرع للسم؛ فإنه يبدو أن ذلك الوصف هو بداية انطلاق الحملة الانتخابية لرفسنجاني.

وفي الوقت الذي لم يبق على الانتخابات الرئاسية التاسعة سوى أقل من 45 يوما يبدو المشهد الإيراني دراماتيكيا بشدة كما هي طبيعته، إلا أن الأبرز فيه هو ارتخاء قبضة الجناحين على الكثير من الأوراق، فمن جهة لم يتفق المحافظون على مرشح أوحد يمثلهم في الانتخابات. وعلى رغم تصريح رضائي بأنه من المحتمل تحديد مرشح يجمع عليه "المحافظون" في أواخر شهر مايو/ أيار المقبل، فقد أعلنت لجنة التنسيق بين القوى الثورية ترشيحها لعلي لاريجاني، بينما خرج الكثير من الشخصيات المحافظة من نفوذ الأحزاب اليمينية التقليدية، فنزول وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي مرشحا مستقلا، "على رغم تواتر أنباء يمينية بأن ولايتي انضم إلى لائحة الأصوليين والحوار مع علي لاريجاني مستمر لحثه على الانضمام لهذه اللائحة" ونزول قائد قوى الأمن الداخلي السابق محمد باقر قاليباف مرشحا عن المحافظين الجدد ومحسن رضائي مرشحا مستقلا وأحمد توكلي مرشحا عن قطاعات دينية وحوزوية محافظة ومحمود أحمدي نجاد عن القطاعات الرياضية، ثم وقوف الكتلة العلمائية المحافظة في المجلس النيابي الحالي مع هاشمي رفسنجاني، وكل تلك الحوادث ستعمق بلا شك من حال انقسام تيار المحافظين، ويبدو أن هكذا حال هو مقبول إلى حد ما لدى أقصى اليمين وهو ما يستشف من تصريح مدير أسبوعية "صبح دوكوهه" اليمينية المتشددة مسعود دهنمكي، عندما قال: "إن التنوع والتعدد داخل جبهة الأصوليين لا يمكن إيقافه، إلا أن المصالح المشتركة تقتضي أن يتوصل المحافظون إلى نوع من أنواع التعاون"!

في الجهة المقابلة يعيش التيار الإصلاحي الإشكال ذاته والانقسام ذاته، فـ "روحانيون مبارز" وهي الحلقة المعتدلة في تيار الثاني من خرداد والقريبة من نواة السلطة دعمت ترشيح أمينها العام ورئيس البرلمان السادس الشيخ مهدي كروبي واصفة إياه بالرجل الأصلح لقيادة إيران ومسيرة الإصلاحات بالشكل الذي يحفظ مبادئ الثورة، في حين لايزال اسم مصطفى معين مطروحا من قبل غلاة الإصلاحيين على رغم نفي علي شكوري راد دعم جبهة المشاركة له وفي الهامش يوجد أيضا محسن مهر علي زادة كمرشح لبطن رخو في تيار الإصلاحيين، وفي الوقت نفسه أعلن كل من حزبي كوادر البناء والاعتدال والتنمية، وهما من تيار الثاني من خرداد، دعمهما ترشيح رفسنجاني في حال دخوله المنافسة وهي جميعها إمارات حقيقية لحال انشقاق في تحالفات الإصلاحيين الذين ظهروا بثلاثة مشارب "1" روحانيون وحزب التضامن "2" كوادر البناء وحزب العمل الإسلامي "3" جبهة المشاركة ومجاهدو الثورة الإسلامية وتحكيم وحدت وبينهم أيضا استقطابات داخلية قد تفضي لتعميق الانقسام الإصلاحي أكثر.

برامج المرشحين

تقاربت برامج المرشحين إلى حد كبير وتركزت على المسائل الاقتصادية وأزمة البرنامج النووي الإيراني وقضايا الشباب والمرأة وتجويد الإدارة إذ اعتبر لاريجاني أن استثمار عشرة مليارات دولار في قطاع الصناعة والانتاج سيوفر مليون فرصة عمل ويقضي على حجم كبير من البطالة، مضيفا أن الفلاحين يشكلون أربعين في المئة من نفوس إيران وينبغي العمل على ازدهار حياتهم وتسوية مشكلاتهم، في حين أعلن كروبي أنه سيلجأ إلى استخدام الشباب في شتى مرافق حكومته ما لزم الأمر حتى لو لم يكونوا أعضاء في حكومته في حين صرح محسن رضائي بأن بناء إيران المتقدمة هو أمر يدخل في نطاق الجهاد، وأن الفساد الإداري والاقتصاد المتخلف الذي يظهر في صورتي التضخم والبطالة يؤكد أن التخلف له جذور عميقة معلنا أنه يؤمن بـ 4 + 2 فبالإضافة إلى مبادئ المحافظين الأربعة وهي الإسلام والإمامة والثورة والزعامة يؤمن أيضا بأن إيران والشعب الإيراني يعيداننا بالضرورة إلى هذه المبادئ الأربعة. أما قاليباف فقد أعلن ضرورة فسح المجال أمام الشباب كما تصدى هو في شبابه لقيادة فرقة عسكرية إبان الحرب مع العراق بينما أكد أحمدي نجاد دعمه للقطاعات الرياضية والاهتمام بقضايا البطالة ورفع مستوى المعيشة، في حين رفع أحمد توكلي شعار أنه يريد حكومة متقشفة وفي الوقت نفسه فعالة، مؤكدا انه سيقضي على المحسوبية إذا ما جرى انتخابه، بينما قال ولايتي إن الرئيس المقبل ينبغي أن يكون فوق الميول والاتجاهات وعلى الحكومة المقبلة أن تتحمل مسئولية هداية الجماهير ثقافيا، وأنه ليس لدينا في البلاد معضلة اسمها القوميات بل إن إيران الإسلامية ملك للشعب بجميع طوائفه وإثنياته "في إشارة الى أحداث الأهواز الأخيرة" وأنه يحبذ التدريس في الجامعة ويتسلم راتبه منها "كما هو الآن" حين يصبح رئيسا للجمهورية، في حين أعلن مصطفى معين أن برنامجه سيقوم على مواصلة الإصلاحات بأسلوب جديد أو كما سماها "الإصلاحات المشروطة"، وأن برنامجه المقبل سيكون على شكل مثلث تكون الدولة أحد أضلاعه بينما تشكل النخب العلمية والجماهير ضلعيه الآخرين، وبإمكان التعاون بين هذه الأضلاع الثلاثة أن يقود إلى إيجاد حكومة نموذجية، بينما قال مهر علي زادة إن برنامجه الحكومي يقوم على توفير الرفاه وإطلاق تنمية شاملة في البلاد واعتماد اللامركزية.

أما الشيخ الرفسنجاني فقد كان حديثه خلال جلسة مجلس خبراء القيادة واضحا بالتركيز على المسائل الاقتصادية وتحديدا الخطة الخمسية الرابعة التي أعادها مجمع التشخيص إلى البرلمان لإجراء التعديل عليها وهي الخطة ذاتها المرتبطة بوثيقة إنجازات النظام العشرينية، مؤكدا أيضا معالجة تضاؤل القدرة الشرائية للطبقتين المتوسطة والفقيرة والحد من التبعية للدخل النفطي والاهتمام بعودة العقول الإيرانية المهاجرة.

فرفسنجاني الذي تولى منصب رئاسة الجمهورية في الفترة من 1989 حتى 1997 يعتقد أن الإنجازات التي بدأها أصابها التكلس والانكماش بسبب تغيير السيد محمد خاتمي أولويات السياسة الإيرانية الداخلية من تنمية اقتصادية إلى تنمية سياسية بعيد انتخابه رئيسا للجمهورية من دون خطوط موازاة، الأمر الذي أدى إلى تعثر الجزء الأخير من الخطة الخمسية الثانية التي بدأها رفسنجاني، وهو ما أثر أيضا وبشكل آلي على مسيرة الخطة الخمسية الثالثة في العام 1999 والتي كانت أكثر ارتباكا من سابقتها بسبب تدني أسعار النفط التي وصلت بدءا من العام 1997 إلى 1999 إلى أقل من 10 دولارات وفي مرحلة منها إلى 6 دولارات وبالتالي انخفض مخزون إيران من العملة الصعبة التي تأتي 82 في المئة منها من عائدات النفط، كما انخفض معدل النمو إلى 3 في المئة بعد أن كان 6 في المئة إبان حكومة الرئيس هاشمي رفسنجاني، على رغم أن تلك الأرقام تحسنت إبان الإعداد التنظيمي للخطة الخمسية الرابعة فانخفضت معدلات البطالة إلى ما يقارب 10 في المئة بعد أن كانت 15 في المئة كما ارتفع معدل النمو إلى 8 في المئة من دون النفط وهو احد أعلى معدلات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وازداد مخزون إيران من العملة الصعبة متجاوزا عشرين مليار دولار، كما ازداد توجه الاستثمارات الأجنبية نحو قطاعات غير النفط بعد تعديل قانون الاستثمار وتوحيد سعر صرف العملة الأجنبية وإصلاح النظام التجاري وتحرير الاقتصاد.

وكان خاتمي تنبه جيدا لحقيقة ذاك الخطأ في دورته الانتخابية الثانية وتحديدا في العام 2001 إذ سارع لتدارك التدهور الاقتصادي الذي استنزفته الحرب السياسية الداخلية التي أشعلها الإصلاحيون المتطرفون، وبدأ في عمليات ضخ في الصناعة الثقيلة ونفض الغبار عن بعض الملفات المتعلقة بالبنية التحتية لعدد من المحافظات.

كان رفسنجاني ومع حلول العام 1987 مهووسا بتوسيع خيارات إيران الاقتصادية للخروج من ركام المشكلات المتلازمة للاقتصاد الإيراني. في الأيام الأخيرة من الحرب كانت عائدات إيران من النفط تذهب إلى شراء المواد المصفاة مثل البنزين والنفط الأبيض والجازولين، وكانت موازنة الدولة تعاني من عجز يقدر بخمسين في المئة، أي أن نصف الموازنة كانت تستدان من المصرف المركزي، وكان كل احتياط إيران من الذهب في المصرف المركزي قد تم بيعه أو رهنه من أجل تغطية تكاليف الحرب، وكانت إيران تعاني مما يقارب ثلاثة عشر مليار دولار ديونا فورية ومباشرة في ظل إيرادات لا تتجاوز سبعة مليارات دولار فقط، وعندما انتهت الحرب كانت الطرق والموانئ وشبكات الكهرباء في خوزستان وإيلام وباختران واذربيجان الغربية شبه مدمرة "لتماسها مع خطوط القتال" وكان جزء كبير من التجارة الداخلية يدار من قبل السوق السوداء، والتجارة الخارجية للقطاع الخاص متهالكة بل ووصل الحد إلى أن السعر الحقيقي للبضاعة وسعرها في السوق السوداء كان يصل إلى المئة ضعف! وأمام ذلك الخراب في البنية التحتية كان رفسنجاني مثقلا بهم قاتل عندما تسلم رئاسة الجمهورية في يوليو/ تموز 1989 فقدم أول خطة خمسية بقيمة 135 مليار دولار ثم تلاها بخطة خمسية ثانية فانخفضت البطالة إلى 9 في المئة بعد أن كانت 15,6 في المئة وارتفع انتاج الصلب من مليون إلى سبعة ملايين في نهاية الخطة، وعندما تسلم خاتمي الرئاسة في العام 1997 كانت نسبة التضخم انخفضت من 30 في المئة إلى 17 في المئة وبديون تبلغ 17 مليار دولار مع احتياطي يبلغ 12 مليار دولار بعد أن كان الدين يبلغ 13 مليارا مع احتياطي تحت الصفر وانخفض الصرف المركزي إلى ما يقارب خمسة عشر مليار دولار وحافظ الناتج القومي على مستواه وهو 6 في المئة وبناء وإحداث 300 مدينة صناعية.

ويبدو أن رفسنجاني مصر الآن "عندما تحمله صناديق الاقتراع لسدة الرئاسة" على أن يستمر وبتشكيلة تكنوقراطية في البرنامج ذاته الذي كان يعمل به خلال ثماني سنوات تنفيذية كان قد تربع عليها لاعتقاده أن تلك السياسة هي الآن مطمح شعبي في ظل الضغوط الاقتصادية الهائلة، وهنا يجب أن نؤكد وفي استحقاق أخير أن المعركة الانتخابية المقبلة ستتركز على ثلاثة فقط، هم: هاشمي رفسنجاني "حين يدخل المنافسة" ومصطفى معين ومهدي كروبي وفي ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:

1- إن الإصلاحيين المتطرفين خسروا معركة الانتخابات البرلمانية في فبراير/ شباط 2004 بسبب سياساتهم الداخلية التي لم تنعكس كثيرا على الأوضاع المعيشية للمواطن الإيراني، كما فشلوا قبلها في انتخابات المجالس المحلية، وعليه فإن الانتخابات الرئاسية هي اختبار أخير لهذا التيار، وبالنظر إلى برنامج السيد معين فإن رسائله إلى الناخب الإيراني تبدو غير موفقة وخصوصا بعد اختياره محمد رضا خاتمي "شقيق الرئيس خاتمي" ليكون مساعده الأول في حال نجاحه في الانتخابات، كما اختار إلهة كولائي متحدثا رسميا باسم المركز الانتخابي واختار علي شكوري راد مديرا لحملته الانتخابية وهم جميعا من غلاة الإصلاحيين، وبالتالي فإن وقوف مثل هؤلاء وراء معين قد يؤثر كثيرا على شعبيته.

2- إذا ترشح فعلا هاشمي رفسنجاني للانتخابات فقد يدفع ذلك بالكثير من القوى المحافظة وتحديدا "رواد الإعمار" إلى أن تستسلم أمام قوة الرجل وتعلن دعمها وترشيحها له مع نهاية شهر مايو، وخصوصا مع إعلان السيد يعقوبي مدير حملة ولايتي الانتخابية أن الأخير سينسحب من المنافسة إذا أعلن رفسنجاني دخوله المعركة الانتخابية وبالتالي يتحزب التيار المحافظ حوله ويتخلى عن باقي المرشحين الذين قد يستبقون ذلك بالانسحاب من حلبة المنافسة والاستمرار فيها بتحصيل حاصل وخصوصا مع وجود تأييد مهم من تكتل الثاني من خرداد لرفسنجاني عبر كوادر البناء وحزب العمل الإسلامي ومن قطاعات واسعة من التيار المحافظ وأبرزها روحانيت مبارز التي ينتمي رفسنجاني إلى هيئتها المركزية.

3- بالنظر إلى أوضاع الإصلاحيين وفي ظل إصرار كل من كروبي ومعين ومهر زادة "وهم من الإصلاحيين مع الفارق" على الترشح للانتخابات قد يسقط مهر زادة مبكرا ويتقدم كروبي على معين ويذهب إلى جولة ثانية مع رفسنجاني، وهو ما قد يحول مسألة تأييد التيارات للمرشحين المتنافسين لجولة أخرى من الانقسام والتشطير الداخلي لتلك التيارات بسبب تداخل المصالح السياسية والدينية بين القوى المحافظة والإصلاحية معا، وخصوصا أن كلا من كروبي ورفسنجاني هما مستشاران للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام الخامنئي وهو ما يجعل الأمر أكثر إحراجا بالنسبة إلى المحيطين ويفتح المجال للمزيد من عمليات المزايدة والتزكيات المفتعلة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 970 - الإثنين 02 مايو 2005م الموافق 23 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً