العدد 970 - الإثنين 02 مايو 2005م الموافق 23 ربيع الاول 1426هـ

انقسامات لبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة صورة الواقع اللبناني بعد الانسحاب العسكري السوري من لبنان؟ الصورة عكستها شاشات الفضائيات اللبنانية في يوم الانسحاب. فهي نقلت مباشرة وفي وقت واحد وقائع حفل توديع ضباط الوحدات العسكرية في قاعدة رياق الجوية وفي الآن نقلت وقائع جلسة النواب اللبناني من ساحة النجمة في بيروت المخصصة لمناقشة بيان الحكومة والتصويت عليه.

الشاشات اللبنانية قسمت الصورة إلى جزئين: الأول يودع الماضي. والثاني يناقش المستقبل. وبين الأول والثاني قعد اللبناني يتابع مصيره بين أيام مضت ومجهول آت لا يعرف وقائعه.

المشهد لا يحتاج إلى كثير من التفكير، فهو يعكس حال الاضطراب "الانقسام" الذي تمظهر في صورة الواقع بين حال أسهمت في تجميع كل الاعتراضات والسلبيات في مكان، وتجاهلت إلى حد كبير أن هناك آليات محلية تنتج أيضا الكثير من الأخطاء.

الوجود العسكري السوري في لبنان شكل على امتداد ثلاثة عقود ذاك الحاجز الذي أخفى كل النواقص المحلية. وتحول، بإرادة منه أو لظروف معقدة، إلى تلك "الشماعة" السياسية التي تعلق عليها كل الأخطاء والسلبيات. فعلى فترة قاربت 30 سنة تحول الوجود العسكري إلى سد تجمعت وراء مرتفعاته الاسمنتية كل المياه الآسنة، وجرى تحويل كل الروافد اللبنانية السلبية لتصب في ذاك الخزان الذي احتوى مختلف تلك التعارضات والتناقضات.

شكل الوجود العسكري ومن دون وعي منه، ذاك الغطاء السياسي لكل الثغرات اللبنانية وما يفرزه النظام الطائفي من آليات محكومة بالتوتر والتشنج والتنافس الأهلي على المقاعد والمناصب والحصص. وبسبب ذاك الوجود وما رافقه من أخطاء في القراءات والحسابات توحدت المشكلات اللبنانية المتوارثة واختزلت في مشكلة مستحدثة واحدة. فباتت كل مصيبة تنسب إلى مصدر واحد وتخضع لتفسير واحد. فالأزمات الناشئة عن آليات النظام وطبيعته، وأزمات إعادة هيكلة مؤسسات الدولة بعد توقف الحرب، كذلك أزمات إعادة إعمار ما دمرته الحرب، اختصرت كلها تحت عنوان واحد: الوجود السوري في لبنان.

هذا الوجود، ومن حيث لا يدري أسس لوحدة فسيفسائية، وشكل ضمانة للاجتماع اللبناني، الذي يختلف على كل شيء. وبات الحاجز السوري هو مصدر كل السلبيات والأخطاء والثغرات، في وقت كان بالإمكان رؤية جوانب أخرى لا صلة لها بذاك الوجود، وإنما هي تتصل عن قرب بطبيعة النظام والآليات التي تتحكم به من توزيع الثروة إلى توزيع المقاعد على الطوائف بحسب الأحجام والأدوار.

الانسحاب السوري إذا كشف الكثير من الواقع اللبناني الذي أظهرته شاشات الفضائيات في لحظتين: الأولى تودع تلك "الشماعة" بالنياشين والموسيقى العسكرية. والثانية تستقبل نقاشات حامية لها صلة بطبيعة الحكومة المقبلة ودورها والتزامها المبدئي بإجراء الانتخابات في مواعيدها.

يرجح الآن أن تعود الأمور إلى نصابها وتأخذ المشكلات أحجامها وأبعادها المحلية، من دون إسقاط لتلك التأثيرات الإقليمية والدولية، ومدى انعكاسها وضغوطها على بلد صغير يعاني صعوبات اقتصادية تعطل الكثير من إمكانات إعادة تشكيل مؤسساته السياسية.

مثلا، ستعاد هيكلة المجلس التشريعي في ضوء قانون انتخابات سنة 2000 الذي اتهمت الأجهزة السابقة في صوغ بنوده وتقسيماته الإدارية. فهذا القانون الذي أقره مجلس النواب من خلال تهريب النصاب أعطى ذريعة إضافية لاتهام سورية بمواصلة دورها من خلف الحدود... إلا أنه في النهاية لن يشكل تلك الرؤية النظرية التي تغطي كل عناصر الأزمة وتعيد تفسيرها وفق قراءة لا ترى إلا مصدرا واحدا للمشكلات. فالواقع المحلي الآن انكشف على تناقضاته الداخلية وباتت الصورة تعكس تواترات غير مستوردة.

الانسحاب السوري يمثل فعلا بداية انعطاف في مجرى السياسة اللبنانية، فهو سحب البساط من تحت هيئات اختزلت كل السلبيات في جانب. وفي الآن فتح باب الحوار الداخلي على قراءات موضوعية مختلفة توزع المسئوليات على أكثر من طرف، وتنظر إلى السلبيات كنتاج لواقع متأزم عكست الفضائيات اللبنانية بعض ملامحه في صورة منقسمة إلى جزئين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 970 - الإثنين 02 مايو 2005م الموافق 23 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً