لقد لاحظ العالم الارتفاع الجنوني الذي أخذه خط سير الرسم البياني لسعر النفط في الأسواق العالمية حيث ارتفع إلى مستويات كبيرة جدا حتى أكثر المحللين الماليين العالمين شطحا لم يتوقعوا أن يصل سعره إلى ذلك الحد، حيث وصل سعره إلى مبلغ 147 دولارا أميركيا للبرميل الخام في السوق العادية وربما وصل إلى مستوى أكبر من ذلك في السوق السوداء.
هذا السعر لم يبلغه النفط حتى خلال حرب «6 أكتوبر» العام 1973 بين العرب و «إسرائيل» عندما قرر العرب استخدام سلاح النفط في تلك المعركة، وقد جعل هذا الارتفاع الجنوني الدول المصدرة للبترول في منظمة «أوبك» ومنها جميع دول الخليج العربي وليبيا والجزائر، ونيجيريا، وإيران والعراق وإندونيسيا، وأيضا الدول المصدرة للنفط من خارج منظمة «أوبك» مثل روسيا الاتحادية وفنزويلا، وأنغولا والنرويج، وبريطانيا تجني المبالغ الطائلة حيث ارتفعت مداخليها وموازناتها إلى مستويات قياسية.
وهذا نقل «التخمة المالية» من العالم الصناعي المتمثل في (أميركا والغرب الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا) الذي كان ولايزال يتمتع بها إلى الدول المنتجة للنفط... ومع هذا الارتفاع في المداخيل بالذات في دول الخليج استبشر الناس خيرا، حيث أمل الكثير من سكان الخليج أنه بالتوازي مع هذا الارتفاع سترتفع المعاشات وتتعدل الموازنات الفردية ويستمتع الناس ببحبوحة الحياة، لكن لم يحصل شيء من ذلك القبيل.
وبما أن مستهلكي النفط هم من الدول الصناعية الكبيرة مثل الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، والصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، والبرازيل وغيرها من الدول غير المنتجة لهذه السلعة الأساسية، وبما أن الدول المصدرة للنفط معظمها غير صناعية وتستورد معظم حاجاتها الحياتية الضرورية من تلك الدول، فإن هذه المعادلة أعطت الدول الصناعية الحق والمبرر الأخلاقي والمسوغ القانوني المقبول عالميا، لرفع قيمة أسعار صادراتها من السيارات وآلالات والمواد الغذائية والإنشائية والاستهلاكية والكمالية.
وبهذا، ارتفعت الأسعار بشكل كبير أرهق وأثر بشكل سلبي على موازنة معظم المواطنين العاديين في معظم دول العالم، مع العلم بأن موازنة المواطنين من ذوي الدخل المحدود والدخل المتدني في هذه الدول هي في الأساس ضعيفة من سوء تخطيط الفرد لموازنته وكثرة تراكم الديون عليه، مثل دين الأرض والبناء والتأثيث والعلاج والدراسة، والسيارة، والمصروفات الحياتية اليومية المتكررة... إلخ.
لكن تلك المعادلة انكسرت حيث هوى سعر النفط مرة أخرى وفقد أكثر من (70 في المئة) من تلك القيمة حتى وصل سعره إلى مستويات متدنية حيث بلغ سعر البرميل بتاريخ 31 مارس/ آذار 2009 نحوالي 50 دولارا أميركيا في الأسواق العالمية، لكن أسعار معظم السلع التي ارتفعت مع ارتفاع سعر النفط لم تتغير كثيرا، وعلى سبيل المثال العلبة الكبيرة من حليب «النيدو» كانت سابقا تباع في مختلف الأسواق والبرادات بسعر 3.800 دنانير، وارتفع سعرها بعد صعود سعر النفط إلى ما بين (7.500 دنانير و8.300 دنانير)، وهناك الكثير من الأمثلة على السلع والخدمات التي ارتفعت مع ارتفاع سعر النفط ولم تهبط بالتوازي مع نزول أسعاره عالميا، حيث نزل سعر الحليب المجفف من ماركة «النيدو» الحجم الكبير إلى 6.500 دنانير، كذلك أسعار بعض الخدمات ارتفعت ولم تنزل مثل سعر الحلاقة في القرى كانت (500 فلس) وارتفعت إلى (700 فلس أو دينار) وأسعار الأسماك حيث كان سعر كيلو الصافي يتراوح بين دينار و1.500 دينار، فارتفع إلى 3 دنانير، وكذلك الهامور وصل إلى 4.500 دنانير أو 5 ولم ينزل مع نزول سعر النفط في الأسواق العالمية.
الاستفسار الذي يطرحه المواطن والمقيم الآن على غرفة تجارة وصناعة البحرين ووزارة التجارة والصناعة: لماذا بقيت أسعار بعض السلع والمواد والخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين معا في بعض البرادات والمطاعم وغيرها مرتفعة على رغم انخفاض سعر النفط؟ المواطن والمقيم يريد معرفة السبب.
هذا الاستفسار نطرحه من غير انتقاد لأي من الجهازين، بل مع الإشادة بدورهما وبجهود الجهتين معا من موظفين ومسئولين بكل ما قاموا به أو يقومون به حاليا أو المستقبل في عملهم المكلفين القيام به قانونا، لكننا نقدم لهم فقط مجرد بعض الاقتراحات التي نعتقد بأنها ربما تساعد في تعديل أسعار بعض السلع والخدمات أو الحد أو التقليل من ارتفاع أسعار بعض السلع المتوافرة في السوق المحلية والتي لا يستطيع المواطن والمقيم التأقلم مع ارتفاع أسعارها وخصوصا بعد نزول سعر النفط الذي تعزى له هذه الارتفاعات في تلك الأسعار.
وعليه، نقترح بأن تقوم وزارة التجارة والصناعة بتقصي وتفتيش الأسواق والبرادات والمطاعم والمخابز والمحلات التجارية في معظم مناطق البحرين وخصوصا القرى، وإذا كانت هي تقوم بذلك حاليا فنقترح أن تكثف من تلك الحملات أو تقوم بتوظيف مؤقت لمجموعة أو شركة متخصصة غير معروفة للجماهير لتزودها بشكل مستمر ودوري بكل ما تحصل عليه من معلومات بشأن التلاعب بأسعار بعض السلع أو الخدمات أو تفتح خطا ساخنا مجانيا للمواطنين ليقوموا هم بالإبلاغ عن المحلات التي ترفع الأسعار من دون مبرر أو مسوغ قانوني.
وإذا كان كل هذا متوافرا ومعمولا به في الوقت الحالي، نقترح أن يتم عمل حملة إعلامية متجددة ومتكررة في جميع الصحف اليومية والتلفزيون والراديو المحليين بشأن قيمة الأسعار الحالية لمعظم المواد وليس اختصارها على سعر الفواكه وبعض اللحوم البيضاء، وذلك بهدف تعريف المواطنين والمقيمين بالقيمة الفعلية الحالية لتلك السلع في السوق.
العدد 2405 - الإثنين 06 أبريل 2009م الموافق 10 ربيع الثاني 1430هـ