العدد 969 - الأحد 01 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الاول 1426هـ

الصحافة والمساج

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

مل الناس الثقافة المسطحة، سطحية بعض مطالب البرلمان، سطحية قضايا الصحافة، سطحية خطابات المنبر. الناس تبحث عن حلول وليس شعارات. اصابعها تريد أن تتلمس خيوط الفجر الصادق. أقول: اذا لم نغير الثقافة فلن نغير الواقع، فالثقافة المسطحة تؤدي إلى انشغالات مسطحة سواء في البرلمان، في الصحافة، في الإعلام، في منابر المساجد وفي أي مكان. في أثناء أزمة الكهرباء راح أحد الكتاب يتكلم عن المريخ وآخر يتكلم عن فوائد الخشب وخطيب يتكلم عن آداب قضاء الحاجة.

التوازن هو المطلوب، حتى في التسعينات وفي أوج انتهاكات لحقوق الإنسان تتعرض لها البحرين كان هناك في مجلس الشورى بعض الاعضاء يناقش مضار التدخين وأثر حليب الأطفال وانقراض الطيور واسبابه في الوقت الذي كان فيه الناس ينقرضون تلقائيا تحت يد قانون أمن الدولة. في التسعينات كانت عطسة الوزير تعد حدثا مهما يحتاج إلى تسليط الضوء عليها في اليوم الثاني في الصحافة، فتح نافورة أو تدشينها يعد يوما تاريخيا لا يقل أهمية عن استعادة سيناء أو حرب .73 كانت الحكومة مثل الإله مسئولة عن الخير فقط. اليوم وبفضل الانفتاح تغير المشهد ولو نسبيا، إذ أصبح الوزير مادة دسمة للصحافة إذا أخطأ في حق الدولة أو الناس، ويقابل بالتقدير ان أصاب، والتوازن هو المطلوب، يجب أن نشجع أية خطوة صحيحة لأية وزارة وننتقدها في الاخطاء، على رغم ان غالبية المعلومات التي يقدمها بعض وزرائنا لا تثير شهية الصحافة لانها في معظمها سطحية وغير مدروسة وغير مرقمة.

الوزير في الغرب عنده فريق عمل إعلامي يضعه في الجو، ويعطيه اجابات محددة لأية مباغتة من صحافي مشاكس، أما بعض وزرائنا وللهروب يتهم الصحافة بالتآمر وتعمد إلقاء أسئلة البيض الفاسد على محيا الوزارة الجميل ناصع البياض. يجب أن نبحث عن الصحافة السائلة وليس صحافة الابتزاز أو السب. يقول ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز انه "كف نهائيا عن قراءة الصحف لأنه لا يرى فيها الا ما يعكر صفوه". وأضاف "بوسعي ان ألقي 20 خطابا مهما ولا تنشر الصحف كلمة واحدة، ثم أحك أنفي مرة لأجد الصورة في اليوم التالي في جميع الصحف".

لا هذه تخدم ولا تلك، والتوازن هو المطلوب. الصحافة إذ أصبحت جارية فستنجب ابناء مشوهين وإذا أصبحت عدائية سادية فستخلق حربا أهلية صحافية.

وللأسف مازالت الصحافة البحرينية متلكئة في توجيه النقد العلمي إلى المسئولين على رغم أن الديمقراطية لا تكتمل إلا بصحافة عاقلة جريئة وطنية. في برنامج بريطاني قاطع مذيع تلفزيوني بريطاني شهير وزير الداخلية البريطاني مايكل هاورد اثناء حكومة ميجور 28 مرة في دقيقتين. نحن لا نريد 28 مرة، على الأقل 5 مرات مادامت اسئلته علمية. أثناء أزمة الكهرباء وافلاس التأمينات وقضية الإسكان وتلوث خليج توبلي وتجاوزات الاوقاف لم نر حوارا واحدا مع وزير يناقش الموضوع بحرارة علمية. ربما تكون الخطوط الحمراء غير موجودة ولكن ثقافة المذيع لها دور، ثقافة المدير، ثقافة الصحافي ومدى احساسهم بحتمية رفع السقف لها دور ايضا.

الأمور في مجتمعاتنا مقلوبة والأولويات غائبة والاجندات مبعثرة، وأكبر مشكلاتنا اننا لا نتابع الحدث عند ولادته... ازمة تلوث المعامير والاصابات ستذرف على المدينة الضائعة اطنانا من الدموع، وسنخدش الخدود وسنجز الشعور ثم ستنتهي كأخواتها. انجاح ثلاث قضايا وطنية في العام خير من اثارة 100 قضية بلا نجاح لأي منها. إذا علينا ان نفتح النوافذ. مشكلة البعض منا أنه يمارس دور الوقواق في التهرب من القضايا تماما كما يضع الوقواق بيضه في اعشاش الطيور الاخرى. العشوائية هي التي تدير معاملاتنا. عشوائية في صرف الأموال، عشوائية في الحب والبغض، عشوائية في قراءة الواقع، عشوائية في الخطاب.

المنبر الثقافي يجب ان يطعم الناس افكارا تقودهم نحو التغيير، نحو التطوير، نحو التنمية. قوتنا كحكومة ومجتمع ليست في أن نفكر نيابة عن الناس ليكونوا اتباعا بل نعلمهم أسس التفكير السليم، نعلمهم صيد السمك من البحر لا أن نقدم لهم السمك يوميا. والخطاب يجب أن يكون علميا فيه دسومة ثقافية مغيرة، سنون والناس ترضع من ثدي الثقافات المسطحة "يا أسود يا أبيض". الخطاب يجب أن يكون خاليا من الحشو الزائد. عندما نقول صحافة سائلة يعني سائلة هذا وذاك حتى لا تتحول إلى نشرات حكومية زاهية الألوان. الآن عندنا أزمة فقر، أزمة رواتب هزيلة لا يمكن للمرء أن يشتري بها حتى ورقة التوت... عندنا ازمة التوظيف، المعايير غائبة، وديوان الخدمة المدنية لا يريد نشر الأسماء خوفا من الفضيحة. وضع المكياج على ملف السرطان في السلمانية لا يحل القضية. وضع المكياج على مؤسسة الأوقاف لن يحل القضية. لا نريد حلا يكون اسرع من الفهد الهندي "عسبر" الذي يمكنه قطع مسافة 70 ميلا في الساعة الواحدة، ولكن ايضا لا نريد سلحفائية في ذلك.

والسؤال: هل نضع لنا يوما Fools day "يوم الاغبياء" على الطريقة الأميركية لنقبل بأي شيء ونكون كالسذج؟ الفرنسيون هم من ابتدعوا كذبة أبريل وعندهم ابريل واحد. فهل يتخلص بعض المسئولين في الوزارات من شحوم التصريحات الزائدة كي لا نقع في كذبة أبريل، ولكنها ممططة لبقية الشهور؟ نحن نبحث عن ضرس العقل في واقعنا على رغم وفرة اطباء الاسنان

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 969 - الأحد 01 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً