تناول السيدمحمد حسين فضل الله في الخطبة السياسية الجمعة الماضي استمرار "إسرائيل" في مصادرة أراضي القرى الفلسطينية التي يقيم فيها المستضعفون من الشعب المنكوب، الذي لايزال يتعرض إلى الظلم الدولي الأميركي الإسرائيلي، في تحالف استكباري يدفع بالمسألة السياسية الى متاهات من المشروعات الخيالية الضائعة. وقال: "فنحن نواجه في هذا اليوم مهاجمة الجيش الصهيوني لأبناء بعض القرى لاحتجاجهم على مصادرة أرضهم لبناء الجدار العنصري من دون أي رفض دولي، لأن هناك خوفا من "الإمبراطور الأميركي" الذي يحمي كل ما تقوم به "إسرائيل" من مجازر وحشية للأرض وللإنسان وللبيوت والمزارع، بالمصادرة والقتل والتدمير والجرف، وبرفض كل مؤتمر دولي للتخطيط لحل المشكلة الفلسطينية. وهذا ما حدث عندما اقترح الرئيس الروسي عقد هذا المؤتمر، فبادر المندوب الأميركي ومعه الإسرائيلي إلى مهاجمة هذا الاقتراح، بالإضافة الى حديث الناطق الصهيوني بأن "الدولية العبرية لا توافق على تدخل أية دولة في العالم في هذه القضية إلا أميركا"، لأنها تعرف من خلال التحالف المشترك مع أميركا بإدارتها الماضية والحالية والمستقبلية بأنها لا تختلف في قراراتها الاستراتيجية عن كل ما يقرره المشروع الصهيوني في خطته الاستيطانية، مستخدمة تمييع القضية بتقطيع الوقت الذي يخدم "إسرائيل"، فلا يبقى للفلسطينيين ما يحقق لهم مشروع الدولة القابلة للحياة التي لاتزال أميركا برئيسها تتحدث عنها بطريقة الخداع والتضليل، حتى أن اللجنة الرباعية الدولية التي تقودها أميركا تحت شعار الحل لم تعد تمثل شيئا جديا في عالم الواقع.
إننا نلاحظ ذلك من خلال طريقة استقبال الرئيس الأميركي لشارون، الذي حصل على ما يريد في المحادثات السرية من الدعم المالي والعسكري الذي يخطط لبقاء "إسرائيل" قوة ضاربة على المنطقة كلها، بما في ذلك التخطيط لقصف المفاعل النووي الإيراني، وتزويدها بالقنابل الذكية المدمرة، بالإضافة إلى الطائرات المتقدمة وأسلحة الدمار الشامل..
أما استقبال الرئيس الأميركي لبعض الزعماء العرب، فإنه يمثل المطالبة بتلبية حاجة أميركا لزيادة إنتاج الطاقة لمصلحة اقتصادها، أما الأمور العربية الحيوية فإنها تعالج على الهامش في أسلوب احتفالي إنشائي لا يحقق شيئا، وستكون زيارة الرئيس الفلسطيني القادمة مماثلة لذلك، مع بعض الضغوط الأمنية والسياسية التي تتحول الى مرحلة تعجيزية للسلطة الفلسطينية، أو تدميرية للوحدة الفلسطينية.. إن مشكلتنا مع أميركا هي الالتزام المطلق بإسرائيل، حتى أن سياستها في سورية وفي لبنان وفي إيران وفي أكثر من بلد عربي ترتكز على الأمن الإسرائيلي الذي تريده خطرا على المنطقة كلها، ولذلك فهي في الوقت الذي تلاحق فيه كل الدول لتمنعها من بيع السلاح للدول العربية والإسلامية، لأنها تعتبر أن هذا السلاح يشكل خطرا على "إسرائيل"، تبادر الى تسليح "إسرائيل" بأكثر الأسلحة تقدما وتطورا بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، لتكون خطرا على الواقع كله... وهذا ما ينبغي للعرب وللمسلمين وللشعب الفلسطيني خصوصا الانتباه إليه، للحذر من أميركا في مشروعها السياسي والأمني في العالم.
إننا نريد للناس أن تعرف ما معنى أميركا، ونتساءل كعرب وكمسلمين: لماذا تحاربنا أميركا لحساب "إسرائيل"، ولماذا تصادر مصالحنا لحساب مصالحها الاحتكارية؟ وإذا كان البعض يتحدث عن الأمم المتحدة وقراراتها، فإن مشكلتنا معها أنها واقعة تحت تأثير الضغط الأميركي المنفتح على أكثر من ضغط من حلفاء أميركا، وهذا هو ما نواجهه في لبنان وسورية.
أما العراق الذي استطاع أن يلد حكومته بعد مخاض عسير، فلاتزال الضغوط الأميركية في تفاصيلها تتحرك بشكل معقد من وراء الكواليس من خلال المندوبين الأميركيين وحلفائهم وعملائهم، كما لايزال الوضع الأمني يفترس الأبرياء تحت أكثر من عقدة مذهبية تكفيرية طائفية ممن يكفرون المسلمين ويستحلون دماهم، خلافا لكتاب الله تعالى وسنة رسوله "ص"، بالإضافة الى أن الاحتلال يساعد على هذا المناخ التدميري، ويصنع للعراق أكثر من مشكلة مأسوية. أما لبنان، فإنه يعيش التسويات التي تعالج الخلافات السياسية بين معارضة وموالاة، وتخضع لأكثر من وحي دولي - أميركي وفرنسي - من وراء الستار، ليتمظهر في الخطاب السياسي بأسلوب وطني ديمقراطي... والسؤال: هل هناك برنامج سياسي اقتصادي أمني من أجل تصور دقيق لحل المشكلات التي يتخبط فيها الشعب اللبناني، مما تركته العهود السابقة من المديونية التي قد تسقط البلد في هاوية الإفلاس أو الهدر أو الفساد الذي يأكل أموال الشعب ويصادر قضاياه، ويفسد القضاء، ويحول الواقع إلى لعبة سياسية؟
إن الشعب يدعو الجميع الذين يقدمون أنفسهم كقادة إلى أن يحدثوه عن النظام الجديد للبلد، وعن البرنامج الحضاري للمستقبل، وعن الذين سقطوا في امتحان الحكم والأمن في الماضي، هل يمكن أن يقفوا في مواقع أساتذة المستقبل ليجددوا المأساة للشعب كما أنتجوها سابقا؟!
ويبقى السؤال الجديد القديم الذي لابد أن يجيب عنه الجميع بصراحة: أي لبنان نريد، وما هو التفسير لتجربة لبنان في الماضي؟ هل المسألة هي مسئولية الخارج أو هي مسئولية الداخل الذي خضع ليكون موظفا عند الذين يستغلون الداخل لحساب الخارج، وهل ننتقل من وصاية عربية الى وصاية دولية، أو أن هناك فرصة لمرحلة بلوغ الرشد؟ إن الشعب يتطلب الوضوح، فمن الذي يمنحه ذلك؟
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 969 - الأحد 01 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الاول 1426هـ