البعض يسميه "عيد الشغيلة". آخرون يسمونه بـ "عيد العمال والكادحين". والعمال هم الكادحون في كل مكان في عموم المعمورة الذين يبنون الأوطان ويشيدون الجسور والطرق السريعة، ويبنون المدارس والجامعات والمستشفيات ويستخرجون الفحم والنفط والمعادن من تحت الأرض... يبنون البيوت الصغيرة والفلل والقصور والأبراج، حتى الأسرة التي ننام عليها، هي من صنع أيديهم، ومن تفانين أناملهم وإبداعات عصارة أفكارهم، أما مواقعهم الطبيعية... مواقع الكدح، فهي المعامل والمصانع والورش المنتجة. هم صناع البنى التحتية في أوطانهم.
يقال: أينما يوجد العمال... تسمع أنينهم "!!". تتكاثر ممارسة المظالم عليهم والممارسات الجشعة التي تقوم بها عادة الطبقات المهيمنة على الثروة والقرار الاقتصادي والسياسي "سموهم ما شئتم... رأسماليين، أرباب عمل، شركات احتكارية، أو سلطات قمعية تحمي مصالح المتنفذين"، ومع ذلك يجابه هذا الظلم والقهر والحرمان بمقاومة ومماحكة يومية من حركة عمالية يقودهم نشطاء يدافعون عن مصالح الطبقة العاملة، ومطالبة يومية لتحسين أوضاعهم المعيشية ورفع الإجحاف بحقهم.
هنا نتساءل: ألا يحق لهؤلاء العمال أن يحتفلوا بيوم واحد، وفي وقت واحد من كل عام ابتهاجا في الأول من مايو/أيار، وهو ذكرى التظاهرة العمالية التاريخية في شيكاغو العام 1886م؟. وألا يحق لهم أن يقولوا بصوت واحد: "يا عمال العالم اتحدوا!"، في هذه المناسبة، هذا الحدث الذي شكل انعطافا تاريخيا في حياة الطبقة العاملة، وبات رمزا للتضامن العالمي للوقوف ضد الاستغلال والاضطهاد للطبقة العاملة في أرجاء المعمورة، من أجل تحقيق حرياتهم وحقوقهم المهنية والسياسية والاجتماعية في عالم يسوده العدل والسلام والمساواة والتقدم الاجتماعي والطمأنينة؟
عمال البحرين شأنهم شأن بقية عمال العالم والقوى المناضلة والفاعلة، يجسد الأول من مايو/ أيار بالنسبة إليهم عيدا أمميا يكتسب معاني كبيرة ودلالات ومكانة عظيمة، ومناسبة وطنية نضالية ربما جسد جزءا منها الأستاذ عبدالمنعم الشيراوي في كتابه الرائع "أوراق عمالية" الذي يعتبر جمعا لشذرات تاريخ نضال عمال البحرين عبر عقود طويلة من أجل وحدتها وتشكيل منظماتها وأطرها النقابية وما عانته هذه الطبقة من ظلم وقمع وقطع أرزاق وسجون ومعتقلات، حين قال في مقدمته: "إنه محاولة أولى لجمع ورصد تاريخ ونضالات الحركة النقابية العمالية أعتمد فيها على ذاكرة ومذكرات بعض قيادات وفعاليات الحركة النقابية عبر تاريخها الطويل ومنذ وعت القاعدة العمالية وفعالياتها النشطة والواعية إلى حجم الظلم والإجحاف والسلب لحقوقها الذي مارسته الطبقات المهيمنة على الثروة والقرار السياسي".
وأضاف الشيراوي "بعض هذه الذكريات سردها أو كتبها بعض الفعاليات من رواد الحركة العمالية التي عاشت الأحداث وأثرت وتأثرت بها وقدمت سنوات شبابها قربانا لهذه الحركة ودفاعا عن مصالح الطبقة العاملة، وبعضها الآخر تم جمعه من وثائق وإصدارات الحركة النقابية وتنظيماتها نفسها. بعضها تم نشره والبعض الآخر ينشر لأول مرة على الأقل لقطاع واسع ممكن لم يكونوا في السن التي تمكنهم من استيعاب الأحداث وتداعياتها خلال حدوثها".
لست هنا بصدد عرض كتاب "أوراق عمالية"، بقدر ما أجد من الضرورة في هذه المناسبة أن يطلع القارئ على هذا الكتاب ليتعرف على حجم المعاناة التي تعرضت لها الحركة العمالية البحرينية ونشطاؤها وكوادرها النقابية المرموقة من قمع واضطهاد تحت لافتة مجموعة أكاذيب وحجج تساق ضدهم مثل: ان وجود النقابات الوطنية المستقلة "يشكل مصدرا للاضطراب المستمر ويهز الاقتصاد الوطني"، أو إنها "النقابات" تسعى إلى "تغيير النظام" وما إلى ذلك من أكاذيب تهدف إلى استمرار الجشع واستغلال العمال بتخويف الأنظمة بجنية "أم الخضر والليف" بحسب فلكلورنا الشعبي.
ما جرى قد جرى، وسجله التاريخ ليكون عبرة لما نحن عليه الآن وما يأتي في المستقبل، ولكن عمال البحرين اليوم إذ يحتفلون بعيدهم الأممي، فإن دربهم درب الآلام مازال طويلا، على رغم مرور 4 سنوات على الانفتاح والانفراج السياسي، ومرور سنتين على الاحتفال العلني وتثبيت الأول من مايو عطلة رسمية، وحق التنظيم النقابي، غير أن أوضاع المحرومين من شظف العيش وقسوة المعيشة والبطالة تتفاقم، ولا نبالغ في القول ان الأمور قد تتجه نحو الأسوأ إذا لم تتدارك القوى الوطنية الفاعلة في رص الصفوف من أجل ترسيخ الديمقراطية الحقيقية المتسمة بالعدالة والمواساة وعدم التمييز، وتحقيق مكاسب عمالية في العهد الجديد من تاريخ العمل النقابي المنظم الذي نشهده اليوم عبر مسيرة طويلة من التضحيات
العدد 968 - السبت 30 أبريل 2005م الموافق 21 ربيع الاول 1426هـ