هنا مقال ثان عن البحرين في تقرير التنمية الإنسانية للعام ،2004 وكنت نشرت مقالا قبل نحو أسبوعين في هذا المكان، ركز على تحركات الحقوقيين المطالبة بتعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومحاكمة المتهمين بممارسة هذه الانتهاكات، فيما يركز هذا المقال على التزام البحرين بالمواثيق الحقوقية الدولية.
تقرير التنمية الإنسانية يذكر 13 اتفاقا دوليا، يعتبرها "مكونات القانون الدولي لحقوق الإنسان"، ويوضح أن هناك فجوة تزيد اتساعا بين المستويات التشريعية والممارسات، "فليس كل ما التزمت به الدول العربية دوليا في مجال حقوق الإنسان يجد تطبيقه على مستوى التشريع الداخلي، ومستوى الممارسة. بل إن براعة بعض الأنظمة العربية تتمثل في محاولة تبرئة نفسها على الساحة الدولية بالانخراط في المنظومة التشريعية الدولية لحقوق الإنسان وتوقيع الاتفاقات الدولية المعنية للتغطية على انتهاكها لحقوق مواطنيها".
وبشأن البحرين، يشير التقرير إلى أن حكومتها وقعت ستة اتفاقات فقط، لم يتم التصديق عليها بعد، وهي: الاتفاق الدولي للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري "1990"، واتفاق القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة "2002"، واتفاق مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية "1998"، واتفاق حقوق الطفل "1992"، والبروتوكول الاختياري لاتفاق حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة "2004"، والاتفاق الاختياري بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء والمواد الإباحية "2004".
ولم توقع البحرين سبع اتفاقات أخرى، أبرزها ما يعده التقرير "أهم وثيقتين دوليتين لحقوق الإنسان"، هما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والبروتوكول التابع لكل اتفاق.
وأعلن مجلس الوزراء البحريني الأسبوع الماضي عزمه توقيع العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإرجاء توقيع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لإتاحته إلى مزيد من الدراسة. وكانت الحكومة أعلنت قبل أكثر من سنتين، نيتها توقيع هذين العهدين، لكن "يومها بسنة" كما يقولون، إذ لم يتم التوقيع بعد، ولا يعرف متى سيتم!
الأهم أن السلطات لا تبدو في وارد توقيع البروتوكول الاختياري المرفق بكل عهد، وهما البروتوكولان اللذان يعتبرهما تقرير التنمية الإنسانية أساسيين، ذلك أن عدم توقيع البروتوكولين "يعرقل عمل اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، والمنشأة بمقتضى أحكام العهد، ويحصرها في النظر في التقارير الرسمية، التي تقدمها الدول بشأن تطبيق أحكام العهد، ولا يمنحها فرصة تقبل الشكاوى من قبل المواطنين مباشرة أو عن المنظمات غير الحكومية عند انتهاك حق من الحقوق التي أقرها العهد من قبل دولة عربية غير مصدقة على البروتوكول".
ومن دون شك، فإن التوجه لتوقيع العهدين أمر محمود على بطئه وهو جزء من حركة إصلاحية بدأت مطلع 2002 بتبييض السجون، والسماح للمبعدين بالعودة إلى البلاد، وإلغاء قانون ومحاكم أمن الدولة.
والواقع فإن المعارضة البحرينية في التسعينات، خصوصا تلك التي كانت تتخذ من العاصمة البريطانية مركزا لتحركاتها المواكبة للحركة المطالبة بالديمقراطية التي عمت البحرين في الفترة ما بين 1994 و،1999 كانت تلاحق الحكومة أمام المنظمات الدولية الحقوقية، في ظل انتهاكات لا تنكر لحقوق الإنسان. وأثمر ذلك عن توقيع البحرين اتفاق مناهضة التعذيب.
بيد أن المعارضة في الوقت الراهن لا تعطي هذا الملف القدر المطلوب من الاهتمام. وهي لم تعقد مؤتمرا صحافيا، ولم تصدر بيانا على خلفية إعلان الحكومة نيتها توقيع أحد العهدين، وهو أيضا ما لم تلتفت إليه الجمعيات الحقوقية.
أما الاتفاقات الأخرى، التي وقعتها الحكومة، فإن مؤسسات المجتمع المدني لا تقدم بشأن الكثير منها تقارير موازية لما تقدمه الحكومة، على رغم أن الآليات الدولية تتيح للناشطين الحقوقيين ذلك، بل وتطالب به، ولعل هذا النقص يبدو جليا أكثر من غيره في الاتفاقات الخاصة بالطفولة مثلا، والتي يمكن استثمارها لتصحيح أوضاع خاطئة على صعيد التعليم والصحة والسكن والعمل، وأيضا على صعيد إشكالات التمييز التي يعاني منها الكثير من أطفال البحرين، وخصوصا أن الحكومة كانت وقعت الاتفاق والبروتوكولين الملحقين به.
وبرز دور التقارير الأهلية الموازية في مارس/ آذار الماضي، حين كانت اللجنة الدولية لمناهضة التمييز العنصري، تناقش في جنيف، التقرير الرسمي لحكومة البحرين، الذي يؤكد المساواة بين المواطنين، فيما قدم مركز البحرين لحقوق الإنسان "الذي حلته الحكومة حديثا"، تقريرا موازيا عما يعتبره تمييزا بين المواطنين على أكثر من صعيد.
وبفضل ذلك، فقد طالبت اللجنة الدولية الحكومة بتصحيح بعض أوضاعها، معتبرة الحديث عن عدم وجود تمييز أمر غير منطقي، إذ لا يوجد دولة في العالم أحوالها مثالية. وحثت اللجنة الحكومة بأن يتضمن تقريرها المقبل إحصاءات وأرقاما بدلا من الاكتفاء بالنصوص الدستورية والقانونية، وطالبتها بالانضمام إلى العهدين الدوليين، ووضع قوانين تجرم التمييز، وإنشاء لجنة لمكافحة التمييز.
إلى ذلك، فإن جنيف ستشهد في الشهر المقبل اجتماعات تخصص لمناقشة التقرير الرسمي البحريني لاتفاق مناهضة التعذيب، ويبدو أن اللجنة الوطنية لضحايا التعذيب، بالتنسيق مع مركز حقوق الإنسان، "وهما هيئتان أهليتان" قد أعدتا تقريرا موازيا لما ستقدمه الحكومة، وتشير المعلومات إلى أن التقرير مكتوب بطريقة محترفة، ينوه خصوصا إلى عدم التعاطي مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
كما ستشارك في اجتماعات جنيف الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان "وهي جمعية حقوقية تتبنى مواقف معتدلة تجاه الملفات الحقوقية في البحرين عكس المركز الذي يتخذ مواقف متشددة"، وستقدم الجمعية تقريرا موازيا أيضا، وعلى الأرجح فإنها لم تنسق مع المركز، فهما على خلاف شديد في الرؤى.
كما ستشارك في اجتماعات جنيف الجمعية البحرينية لمراقبة حقوق الإنسان "وهي مؤسسة قريبة من الجهاز الرسمي"، ويعكس كل ذلك الأثر الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الأهلية في التأثير على توجهات المنظمات الدولية.
أخيرا، أشير إلى أن تقرير التنمية الإنسانية في العام المقبل، سيركز على إشكال تمكين المرأة في البلدان العربية، ويمكن للمهتمين بدعم المرأة في البحرين، وكذا الدول العربية الأخرى، التواصل مع القائمين على التقرير لإعطاء صورة عن واقع الحال. مع التسجيل هنا بأن مبادرة الحكومة البحرينية لتوقيع اتفاق القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة في ،2002 التي هي جزء من تحرك إيجابي لإشراك النساء في الحياة السياسية، ونص الدستور البحريني على حق المرأة في الانتخاب والترشح للمجالس البلدية والمجلس النيابي، وتعقد في الفترة الحالية ورش عمل، يسهم فيها المجلس الأعلى للمرأة، بهدف صوغ استراتيجية لتمكين المرأة، ومساعدتها على الوصول إلى المجالس التمثيلية في الانتخابات التي من المفترض أن تجرى في النصف الثاني من العام المقبل
العدد 968 - السبت 30 أبريل 2005م الموافق 21 ربيع الاول 1426هـ