يطيب لي في البداية أن أتقدم بخالص التهنئة لجميع عمال البحرين وللاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وجميع النقابات العمالية في المملكة بمناسبة يوم العمال العالمي، والذي دأبت المملكة على مشاركة عمال العالم الاحتفال به، سائلا المولى العلي القدير أن يوفقنا جميعا للسير قدما في ركب النهضة الوطنية، إنه سميع مجيب الدعاء.
إن ما تشهده مؤسسات المجتمع المدني بجميع أنواعها وأشكالها من اهتمام عالمي لم يأت من فراغ، ولم يكن ارتجاليا، وإنما تضرب جذوره في أعماق التاريخ. بيد أنه بسبب ما يشهده عالم اليوم من تطور متسارع ونمو مطرد على جميع الأصعدة ولاسيما في مجال تقنيات المعلومات وأساليب الاتصال والتواصل، وتشابك المصالح الوطنية والدولية المشتركة في جميع المستويات، أخذت هذه المؤسسات في احتلال موقع متقدم في الساحة الدولية. ولأن مملكة البحرين جزء فاعل في المنظومة الدولية، كان لابد لنا من مجاراة ذلك التطور ومسايرة تلك المتغيرات الإقليمية والدولية، سواء على المستوى التشريعي أو القضائي أو التنفيذي، والعمل بخطى حثيثة نحو تلمس الواقع والسعي لتطويره لما يحقق آمالنا وطموحاتنا الوطنية. ولقد كانت لمبادرة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، لإطلاق مشروعه الإصلاحي، التأثير الملموس والإيجابي نحو السير بالبحرين في مقدمة الركب الديمقراطي في المنطقة. لذلك، كان لزاما على الدولة وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تشترك في تحمل مسئوليتها الوطنية لأخذ البلاد لمواقع متقدمة في الخريطتين الإقليمية والدولية، تنفيذا للخيار الذي اختارته البحرين لنفسها حكومة وشعبا. وتأتي في مقدمة تلك المؤسسات بطبيعة الحال المؤسسات النقابية والعمالية ولاسيما بعد صدور المرسوم الملكي رقم 33 لسنة 2002 الذي أعطى للعمل النقابي مساحة واسعة وإطارا قانونيا، وهيأ أمامه الظروف الملائمة لخلق حركة نقابية وطنية تعمل من خلال التنسيق المباشر مع طرفي الإنتاج المتمثلين في وزارة العمل ممثلة للجانب الحكومي، وغرفة تجارة وصناعة البحرين ممثلة لأصحاب الأعمال، وكذلك التنسيق المباشر مع إدارات المؤسسات وأصحاب الأعمال، وهو ما يعزز العمل بروح الفريق الواحد ويرسخ مبادئ الثلاثية في العمل والإنتاج، إذ إن العمل، أيا كان نوعه أو حجمه، إنما يقوم على أساس رأس المال واليد العاملة وآليات التنظيم المتوازنة.
لقد عملت وزارة العمل منذ صدور المرسوم الملكي السامي في 24 سبتمبر / أيلول ،2002 بكل جهد وإخلاص مع طرفي الإنتاج "العمال، وأصحاب الأعمال" لتجاوز سلبيات الماضي وما اعترى تلك المسيرة من عراقيل وعقبات، بروح من التفاؤل بالمستقبل والعزيمة الحقيقية والجادة نحو بناء سوق عمل منظم تتحقق فيه الموازنة بين الإنتاج المتميز والحفاظ على حقوق جميع الأطراف، إذ تم تشكيل اللجان المشتركة بين الأطراف الثلاثة التي تلتقي بصورة مستمرة للتباحث عن كل ما يسهم في تطوير الوضع القائم وتوفير التسهيلات اللازمة ليكون العمل النقابي أحد أدوات تعزيز الإنتاج في المملكة.
ويتعزز هذا التوجه لدى وزارة العمل، بفضل التوجيهات المستمرة من لدن سمو رئيس الوزراء الموقر، ومتابعته الدائمة لمجريات تطور العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة، وحثه الدؤوب على تكريس الحقوق والسعي نحو تطوير سوق العمل بما يحقق المصلحة الوطنية العليا. كما يتوج ذلك تبني سمو ولي العهد الأمين القائد العام لقوة دفاع البحرين لمشروع إصلاح سوق العمل إلى جانب الإصلاح الاقتصادي وإصلاح التعليم والتدريب في المملكة، والتي تنطلق جميعها من منطلق الشراكة الفاعلة بين أطراف الإنتاج الثلاثة، إذ تتطلب عملية الإصلاح تضافر جميع الجهود. ولعل أبرز ما يدلل على كل ذلك، ما تم أخيرا من طرح لمشروع إعادة هيكلة التعليم والتدريب المهني الذي بذل فيه فريق مشترك من خيرة خبرات أبناء هذا الوطن جهودا طيبة تكللت بصوغ مشروع متكامل لإطار وطني للمؤهلات المهنية، واستحداث نظام واضح المعالم للتعليم والتدريب المهني وفق الأسس والمعايير المعتمدة دوليا، حظي بالإشادة الواضحة من خبراء منظمة العمل الدولية وعدد من الخبراء الدوليين في هذا المجال. هذا إلى جانب تبني المجلس الأعلى للتدريب المهني، وهو أحد نماذج الشراكة الثلاثية، في دورته الثانية عشرة المقترح المقدم من الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لدراسة واقع الاقتصاد غير المنظم والخروج بأفضل الوسائل والسبل الكفيلة باستثماره إيجابيا ليكون رقما في معادلة الإنتاج الوطني.
أما في ما يتعلق بالعمل النقابي تحديدا، فإننا لو ألقينا نظرة فاحصة على مجريات التطور في هذا الإطار في الأعوام الثلاثة الماضية، منذ أن صدر قانون النقابات، فإننا سنلمس من دون أدنى شك واقع ما تم إحرازه من تقدم ملحوظ جعل من التجربة النقابية البحرينية تجربة متميزة وأهلها لأن تكون نموذجا تحتذي به الدول الشقيقة. فتعديلات قانون العمل، وقانون التفرغ النقابي، وإنشاء هيئة التوفيق والتحكيم العمالي، وغيرها من المشروعات ذات الصلة، كلها مشروعات جاءت نتيجة حوارات متعمقة بين كل من الوزارة والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين وممثلين عن الشركات الكبرى في البحرين وعدد من المختصين في هذا الشأن، الأمر الذي أكسب هذه المشروعات طابعا خاصا مبنيا على أساس التوافق والشراكة الحقيقية.
وختاما، لا يسعني إلا أن أكرر تهاني، وتهاني منتسبي وزارة العمل الخالصة لجميع عمال البحرين، ولكل من ساهم ويسهم في دعم مسيرة التطور والنماء، متمنيا للجميع مزيدا من التقدم والنجاح.
* وزير العمل
إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"العدد 968 - السبت 30 أبريل 2005م الموافق 21 ربيع الاول 1426هـ