كثير منا يتساءل: ماذا بعد ان سقط فأس التلوث في رأس المعامير؟ وعجبي لا ينقضي من تصريحات فارغة لأحد المسئولين عندما قابل الحدث بدم بارد في الوقت الذي يطالب فيه مسئولون آخرون بسرعة التحرك وهناك من الصحافيين من راح يجمل قبح التلوث ويرقص رقصة الذببة بعد نوم طال تسعة أشهر. لا غريب، فانقطاع الكهرباء في الاثنين الأسود كان انقطاعا عابرا ووضعت المساحيق على الملف وضاع التقرير فلم نر لا جحا ولا مسماره وقبلنا بوضع القفاز الحريري على رجل وزارة الكهرباء المكسورة، وها نحن نحصد الظلام، كما حدث قبل يومين في منطقة أم الحصم.
يذكرني هؤلاء الصحافيون بكلام الكاتبة السودانية فاطمة ابراهيم، فقد قالت: "ذات يوم انقطعت الكهرباء عن السودان في اليوم الثاني تفاجأنا ان الصحافة كلها راحت تكتب عن فوائد الظلام".
وهذا ما يجري عندنا تكلمنا عن أوجاع الكهرباء قال الصحافيون وبعض المسئولين: هذه مؤامرة لتشويه سمعة الكهرباء، تكلمنا عن إفلاس التقاعد والتأمينات، قالوا لنا: لا تبالغوا وزراؤنا ارادوا خيرا والظروف العالمية آنذاك غير مستقرة، وانتم سيئون. تحدثنا عن الفقر خرج كاتب فقال: انه بسبب الانجاب المتزايد. قلنا له: قبلنا برأيك لكن أكمل العلة وما سبب ضياع الاقتصاد، ما سبب ضياع أموال بنك الإسكان؟ من وراء نكسة التأمينات والتقاعد؟ ماذا حدث للمصارف؟ البحر، الأراضي، الأوقاف...؟
المشكلة الكبرى عندما يصبح المثقف والمسئول يعانيان من عمى ألوان سياسي واجتماعي وبيئي أيضا. قال عنهم مظفر النواب ذات يوم: تشتكي من سوء هضم داخل المخ وتجتر نياما.
هل أهالي المعامير لا بواكي لهم كالحمزة؟ ماذا لو كنا في الغرب الكافر؟ يقول غازي القصيبي وهو يصور أهمية حقوق الحيوان في الغرب "يعثر على صقر جريح بعيد عن عشه فيتحول الصقر إلى نجم من نجوم المجتمع، تذيع وسائل الاعلام أخباره وتنقل تطورات علته وتنهال عليه التبرعات من كل مكان، ويضل حوت طريقه بين جبال الثلج فتعلن حال الطوارئ ثم تقاد حملة وطنية لإنقاد الحوت" المصدر: ثورة في السنة النبوية ص44 .
أهالي المعامير لم يسمعوا لاصحاب الدم البارد وأملهم يزداد في تحرك محافظ الجنوبية سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة ودعواته الصادقة والمسئولة لحلحلة الملف بطريقة تحفظ أهالي المنطقة، فتصريحات المحافظ وهو رئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية خففت من معاناة الناس وهم الآن ينتظرون تسارع الوزارات والشركات المسئولة في وضع آليات عملية جريئة لحل الملف بعيدا عن المكياج.
ويحزننا تصريح أحد المسئولين في محاولات تخفيف الوضع على طريقة "فوائد الظلام". هل تعلمون ماذا فعل نشطاء البيئة والمجالس البلدية والجمعيات الأهلية في فرنسا؟ لقد دعوا الى تغطية الأوتوستراد المحيط بمدينة باريس في مناطق الكثافة السكنية لارتفاع درجة تلوث الهواء للقاطنين حوله وارتفاع الضجيج بشكل يترك آثارا ضارة على القاطنين بجواره... والى اليوم هم يمارسون دورا فاعلا لتطويق هذا التلوث.
في الدول الغربية تكون هناك قرارات قضائية وتعويضات على أقل التقادير. ان سياسة الانتاج من أجل الانتاج أو الربح من أجل الربح سياسة خاطئة حتى وان تم تلوينها بالمكياج في الصحافة. الاسلام يهتم بالحيوان فضلا عن الانسان فضلا عمن تراهم يمتهنون الليل على أرصفة الطرقات الموبوءة أيام الشدة... اقرأوا الروايات:
"عذبت امرأة في هرة: سجنتها حتى ماتت فدخلت النار لا هي أطعمتها وسقتها، اذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض"، اخرجه البخاري ومسلم. "ان رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه، فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر الله له فأدخله الجنة"، رواه البخاري. والامام علي "ع" يقول: "لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت". نهج البلاغة.
ما أروع أدبنا العربي وشعر مظفر النواب:
وطني أنقذني من مدن يصبح فيها الناس
مداخن للخوف وللزبل مخيفة
من مدن ترقد في الماء الآسن
كالجاموس الوطني وتجتر الجيفة
هذه القرية الفقيرة يجب الا تنام في الماء الآسن أو الهواء الملوث وقصتهم مع السرطان قصة قديمة.
للأسف كما يقول المتبني:
ولكن الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان
لا نريد أية تصريحات طرزانية، لقد تعودنا الزوبعات ولا نريد ان تتحول القضية الى زوبعة في فنجان ومجرد فرقعة إعلامية... بعد فترة سينام الموضوع ثم سيثار وهكذا نسبح كجاموسة الماء تدور حول نفسها، في تاريخنا العربي أصبح سعر العبد في مرحلة من المراحل درهما وسعر البعير خمسة دراهم، لذلك نتمنى من بعض من حاولوا وضع الجوراب الحريري على الرجل المكسورة لقرية المعامير ان يقولوا خيرا والا فليصمتوا. الصحيح أخذ الموضوع بحجمه الطبيعي من دون زيادة أو نقصان وعقد لجنة وطنية وتعويض للأهالي ووضع حد للتلوث لتطمين الاهالي فهم بشر وليسوا فئران تجارب أو جواميس يتدرب عليهم بالتصريحات الفارغة
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ