العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ

روسيا المترددة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

روسيا مترددة حتى الآن في حسم خياراتها الاستراتيجية في منطقة "الشرق الأوسط". وهذا ليس غريبا. فهذه المنطقة من أعقد الدوائر الجغرافية في العالم من حيث موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية وتاريخها المشحون بالاضطراب الدائم. فالمشكلة في النهاية لا تتعلق بالدور الروسي وإنما بمجموعة تعقيدات سياسية فرضت شروطها الخاصة على منظومة العلاقات الدولية خلال فترة "الحرب الباردة" وبعد دخول العالم ما يسمى بفترة "السلم البارد".

وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل بدء جولته في المنطقة، انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه التحول الأخطر على مستوى الجيو - سياسي في القرن الماضي. هذا الوصف للمتغيرات الدولية يعكس أو يفسر إلى حد كبير ذاك الارتباك في السياسة الروسية في المنطقة.

انهيار الاتحاد السوفياتي وتقوض منظومته الاشتراكية وتراجع مكانة روسيا الاتحادية كلها عناصر اجتمعت في وقت قصير لتكشف عن تلك الكارثة الجيو - سياسية في منظومة العلاقات الدولية. فالانهيار جاء بسرعة قياسية وكان أشبه بسقوط سقف على سكان منزل. فالاتحاد السوفياتي لم يتفكك أو يتداعى وإنما تبخر فجأة لتظهر تحت أنقاضه مجموعة مشكلات كشفت عن خلل بنيوي لاتزال تعاني روسيا منه حتى الآن.

لاشك في أن الرئيس بوتين حاول منذ توليه الرئاسة وقف التدهور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة ترميم جدران الدولة وسد المنافذ لمنع الاختراقات الدولية... إلا أن تلك المحاولات نجحت في بعض الجوانب ولاتزال تلاقي صعوبات في جوانب أخرى.

تلك الصعوبات تلقي الضوء على وجود مشكلة بنيوية تعاني منها الدولة للخروج من مأزق تراجع مكانتها الدولية واستعادة بعض ما كانت عليه روسيا في زمن الاتحاد السوفياتي.

روسيا حتى الآن لاتزال - على رغم ما حدث - الدولة الأوسع في مساحتها الجغرافية، وهي تملك ثروات طبيعية هائلة لا تتوافر في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك تملك خامات ومواد أولية تحتاج إليها اقتصادات الدول الكبرى... والأهم من ذلك تملك روسيا ثروة بشرية غنية في طاقاتها وتحتاج إلى تشجيع على التوليد والابتكار.

الدولة حتى الآن لم تنجح في الاستفادة من تلك الإمكانات التي لا تتوافر بسهولة في بلد واحد. فكل عناصر القوة موجودة في روسيا، ودولتها حتى الآن لم تنهض من تحت أنقاض انهيار سقف الاتحاد السوفياتي. فهي لاتزال مترددة في حسم توجهاتها العامة وتحديدا في تلك المنطقة التي يطلق عليها "الشرق الأوسط".

لاشك في أن التردد في رسم السياسة الخارجية له صلة بارتباك الوضع الداخلي وما ورثته الدولة من فوضى اقتصادية خلال فترة حكم الرئيس السابق بوريس يلتسين. إلا أن تأخر موسكو في إعادة تركيز سياستها الداخلية أسهم في ارتباك توجهاتها الخارجية وخصوصا في مسألة الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية والأمنية والحدودية بدءا من غرب الصين وصولا إلى شرق أوروبا.

وهذا النوع من الارتباك في حماية المصالح الجيو - سياسية وتحديدا تلك المتعلقة بالحدود التي تمس الأمن الاستراتيجي "أوكرانيا مثلا" أضعف إلى حد كبير صدقية موسكو ومدى استعدادها للدفاع عن علاقات صداقة ثنائية تجمعها مع الكثير من الدول العربية والمسلمة وتحديدا تلك الدول الواقعة في دائرة "الشرق الأوسط". فالدولة الكبرى التي تفرط في حدودها الأمنية ولا تدافع عن مصالحها الحيوية في مناطق تعتبر تقليديا من محيطها الجغرافي - السياسي تعطي إشارة سلبية إلى الكثير من أصدقاء روسيا. فمثل هذا التراخي في المصالح المباشرة يضعف الثقة ويحبط ذاك التيار الراغب في عودة موسكو إلى لعب دورها التقليدي "التاريخي" بهدف استعادة التوازن الدولي الذي انهار قبل 15 سنة.

روسيا مترددة حتى الآن في حسم خياراتها الاستراتيجية وهذا ما ظهر في طرح المبادرات "عقد مؤتمر دولي بشأن السلام في الشرق الأوسط" ثم التراجع عنها. فمثل هذه السياسة تظهر بعض الأمل في وجود مؤشرات خفية وغير ناضجة، ولكنها أيضا تزيد من الارتباك في صفوف أصدقاء موسكو وتعطل عليهم إمكانات المراهنة على قوة دولية لاتزال غير واضحة في سياساتها الخارجية أو هي على الأقل غير مستعدة "أو غير قادرة" عن الدفاع عنها في حال واجهت اعتراضات أميركية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً