يوم العمال العالمي قد يتحول بعد عشر سنوات في العالم العربي إلى "يوم العاطل العربي"، ذلك لأن التقديرات الحالية للبنك الدولي تقول إن هناك قطارا من العاطلين عن العمل في البلدان العربية قد انطلق، وأن عدد راكبي هذا القطار سيصل إلى مئة مليون شاب عربي مملوء بالطاقة التي لا يعرف أين يصرفها، وبالتالي فإن "قنبلة وقتية إنسانية" تنتظر الانفجار مع ازدحام راكبي قطار العاطلين عن العمل.
منظمة العمل العربية قالت إن القوى العاملة العربية حتى نهاية العام 2000 وصلت إلى 90 مليون شخص منهم 15 في المئة أي نحو 14 مليون عاطل عن العمل. أما المستشارون الدوليون فيقولون ان العام ،2015 سيزيد عدد العاطلين من 14 مليون شاب عربي إلى 100 مليون.
دعونا إذا نحتفل بعيد العمال قبل أن يتحول إلى "عيد العاطلين"، ودعونا نتساءل عن الحلول المطروحة بعد ان فشل النظام العربي - منذ نهاية الحرب العالمية الثانية - في تحقيق التنمية التي ينعم بها غيرنا من البشر، كما فشل في تحقيق الديمقراطية التي وصلت إلى أدغال غابات إفريقيا والأمازون بينما مازلنا لم نبادر - بصورة شاملة وجدية - للتحرك نحو المشاركة الحقيقية في القرار السياسي وفي توزيع الثروات.
الشباب العاطلون يحولهم الفراغ إلى قنبلة موقوتة، والعمال الآخرون تدفعهم الظروف لكي يتحولوا إلى البطالة المقنعة أو عمالة غير ماهرة وكأنهم مجموعة من المعوقين ذهنيا وجسديا. البلدان العربية ذات الكثافة السكانية لديها بلاء كثرة الأيدي العاملة الوطنية التي لا عمل لها، والبلدان الخليجية لديها مشكلة العمالة الأجنبية الرخيصة التي أدت إلى انخفاض مستوى الدخل "في البحرين مثلا"، وستؤدي إلى تغيير هوية المجتمع خلال السنوات المقبلة بصورة لا رجعة فيها.
برامجنا التدريبية مازالت أبعد ما تكون عن متطلبات سوق العمل، وأخلاقيات العمل مازالت هي الأدنى مستوى بالنسبة إلى مناطق العالم الأخرى. هذا ما قاله تقرير التنافسية العربي الثاني الصادر في 2 أبريل/ نيسان الجاري، والذي أطلقه منتدى دافوس في الدوحة. ولقد أدى عدم تلاؤم التدريب والتعليم مع احتياجات سوق العمل الى انخفاض موقعنا التنافسي حتى على المستوى العربي، ولذلك فإننا أصبحنا في المرتبة الثالثة، وهذا الموقع ربما ينخفض إذا لم نسارع في مشروعات الإصلاح الاقتصادي.
إن انخفاض مستوى التنافسية يعني انخفاض الانتاجية ويعني انخفاض المهارات ويعني بالتالي زيادة البطالة. ولقد أشار تقرير التنمية الانسانية العربي الأول الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي في 2002 إلى أن متوسط إنتاجية العامل العربي تعادل 50 في المئة من متوسط إنتاجية العامل في كوريا والبرازيل. ولذلك فإن تقرير التنافسية الذي صدر عن منتدى دافوس لهذا العام قرر أن يقارن الدول العربية مع نفسها فقط، لأن إدخال الدول الأخرى في المقارنة سيزيدنا إحباطا. ولو أزيل عامل النفط والغاز، فإن قطر التي احتلت المرتبة الأولى عربيا ربما تنزل إلى المستوى العاشر أو أقل.
عيد العمال مناسبة للفرح - ربما - وليست للحزن، ولكننا يجب ألا نخفي المشكلات الهيكلية التي تعاني منها بلداننا، بدءا من غياب خطط التنمية بعيدة المدى، وانتهاء بالثقافة غير المنتجة وغير الملتزمة بأخلاقيات المهنة المنتشرة لدى قطاعات واسعة بسبب غياب الترشيد الاستراتيجي للقوى العاملة. أمامنا الكثير لكي نعمله من أجل الاستمرار في الاحتفال بعيد العمال في السنوات المقبلة، قبل أن يتحول احتفالنا إلى يوم العاطلين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ