العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ

مقابة... رمال في الصيف ومستنقعات في الشتاء

ممنوع على أهلها الخروج ليلا!

هي "قرية الظلام". .. فما إن يهل الليل بسكونه، ويطل بلونه تغدو الحركة شبه معدومة في القرية. ظلام دامس، يحجب عنك أهم مآسي القرية، ألا وهي الشوارع العارية!

فما إن تدخل براحلتك، سيارة كانت أم ماشية، حتى يهتز جسدك وتتحرك فرائصك وكأنك أصبت بمس ولتستكشف ما يجري، يكفي أن تحني رأسك قليلا نحو الأرض لترى الشارع الذي تمشي عليه.

المأساة تبدأ من حيث البداية، حين تدخل مقابة من مدخلها الرئيسي. الحاج علي عبدالعزيز مرهون رافق "الوسط" في جولتها في ربوع القرية، ويشير إلى أن مشكلات الشوارع بدأت منذ ما يقارب ثلاث سنوات، أي مع انطلاق العمل في مجاري القرية.

ويضيف: عندما بدأ العمل بالمجاري كنا سعداء للغاية، كيف لا والمجاري ستخلصنا من مشكلات الصرف الصحي. وبعد الانتهاء من العمل ظن الجميع أن الأمور ستعود إلى طبيعتها، وسيتم رصف الشوارع التي تم تقشيرها من كل حدب وصوب، ولكن ما جرى أن الحال بقي على ما هو عليه، وتركت الشوارع كما هي. وبالتالي، بدل أن تكون المجاري نعمة على أهل القرية، تسببت في خلق مشكلة جديدة هي مشكلة المطبات في الشوارع.

وعندما تجتاز المدخل الرئيسي، قد يتوارد إلى الذهن شعور بأن ما يقال عن شوارع مقابة مبالغ فيه، ولكن يكفي أن تتوغل في وسط القرية. حينها، بدأت راحلتنا تموج كما تموج الرحى في الطاحونة. يضيف مرهون:

- في الصيف يكون نصيبنا الغبار الذي يتطاير إلى البيوت ويصبغ السيارات. وفي الشتاء تتحول القرية إلى بحيرة من المياه ومستنقعات من الطين يصعب المرور فيها، حتى أن بعض الأهالي تفرض عليهم الإقامة الجبرية، فإن خرجوا - بشق الأنفس - احتاروا في كيفية العودة وسط حصار المستنقعات.

هل رجعت مقابة إلى السبعينات؟

يسأل مرهون: كيف وصل الحال في القرية إلى ما هو عليه؟ فقبل المجاري كانت القرية من أفضل القرى في المنطقة، حتى أن الممرات الجانبية كانت مبلطة. اعتقدنا أن المجاري ستطورنا، ولكن يبدو أننا نرجع إلى الوراء، وكأننا في السبعينات، إن لم يكن الوضع في السبعينات أفضل من هذا الوضع.

وبينما كنا نحاذر في سيرنا داخل أزقة القرية، لفت انتباهنا بيت قديم، حجارته تكاد تميل وتسقط... يقول مرهون: هذا المنزل مهجور، وأصبح مأوى إلى أعمال لا ندري بها، كما أن الأطفال غالبا ما يقصدونه ويجلسون فيه، ومن يتحمل المسئولية إذا وقع حادث في هذا المنزل.

تركنا المنزل بمآسيه وتوجهنا إلى المنطقة الغربية، الشوارع هناك هي هي لم تتغير، حتى أنك تتسبب في إثارة الغبار حين تمر عليها. كل شيء كان طبيعيا ومتشابها، ولكن، ماذا تفعل آلات حفر المجاري وخلط الرمال في مقابة؟ ألم تنته أعمال الحفريات في القرية؟ يقطع مرهون الحيرة، مشيرا إلى أن أعمال المجاري انتهت في القرية وكانت الآلات تعمل حينها لتزويد العمال بما يحتاجون إليه، ولكن الغريب أن الآلات والمعدات بقيت في مكانها بينما العمل جار حاليا في سار. لماذا لا تنتقل الآلات إلى سار؟ هل نتحمل هموم الآخرين على حساب راحتنا، كما أن هناك أرضا خالية في منطقة سار يمكن نقل الآلات لها.

وفي هذه الأثناء قطع الحاج علي الزاكي الحديث على مرهون قائلا: منزلي مقابل إلى هذه الأرض، ونحن نعاني الأمرين بسبب عمليات خلط الرمال، ومخلفات المجاري، ونحن نناشد جلالة الملك وهب هذه الأرض التابعة للديوان إلى أهالي القرية لتكون إسكانا لهم بدل أن تكون مخزنا لمجاري سار.

وبينما كنا نبتعد عن الزاكي، هرول وهو يقول "لا تنسوا أن تذكروا أن شوارعنا "دايخة"...".

حتى الظلام في مقابة!

أطل المساء، وتكاد الشمس تختفي ولكن، لماذا لا نرى أية إشارات أو بوادر لسطوع نور من مصابيح الإنارة. لم يكن هناك نور، والسبب... يقول مرهون: بكل بساطة لا توجد مصابيح في القرية، يقال إن قريتنا مدرجة ضمن القرى النموذجية في المملكة، ويا له من نموذج راق نعيش فيه!

اختفت أشكال التعرجات من شوارع القرية مع حلول الظلام، كما اختفت مظاهر الحياة من الممرات، ولم تعد ترى إلا سيارات تجوب القرية في سكينة وهدوء.

ويضيف مرهون: حتى أن المنطقة الجديدة لا تبدو جديدة، فالشوارع مبلطة وغير مبلطة، فلا يوجد حد للشارع، إذ تخلو المنطقة من الأرصفة، كما أن الإنارة هي باجتهاد أهالي المنطقة أنفسهم.

ويبدو أن أهالي القرية يفكرون جديا في اقتناء "كاري" أو أية راحلة غير السيارة.

وبحسب أهالي مقابة فإن السير بدابة أهون بكثير من تخريب سياراتهم على شوارع القرية. وعلق بعضهم على ذلك بقوله: "بعد فترة وجيزة، لن تجد سيارة أمام المنازل، بل ستجد حمارا، أو خيلا أو غير ذلك مما يمتطى".

واختتم مرهون حديثه قائلا: مطالبنا تنحصر في تحويل أرض مخزن المجاري إلى إسكان للقرية، والتخلص من المخلفات التي تسببت بها. والأهم من ذلك تصليح وضعية شوارع القرية التي باتت تؤرق أهل القرية وخربت سياراتهم. كما أننا نتمنى إنشاء مدرسة ابتدائية في القرية.

مطالب بسيطة، لا تعدو إصلاح وضعية الشوارع التي لم يسلم منها لا بشر ولا آلة، فلا هي صالحة للمشي في وضح النهار، ولا التنقل حين يهل الليل... في الصيف تتحول إلى رمال لاهبة تتنقل بين البيوت، وفي الشتاء تغدو المنطقة وحلا ومستنقعا. أما الظلام فله حكاية أخرى.

وحتى تتحقق مطالب الأهالي، يبقى صوتهم يدوي وحقهم أن يعيشوا كبشر

العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً